ما بعد المخاض.. تبعات الولادة تصيب السيدات بأمراض صعبة لسنوات طويلة

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/05/01 الساعة 12:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/01 الساعة 12:14 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية لسيدة حامل/ istock

استيقظت في الثالثة صباحاً من الكابوس الذي يُطاردني كل ليلة، ووسادتي مُبلَّلةٌ بالعرق البارد، وجسدي مُجهدٌ ومرتعش. أعلم أنني آمنةٌ في سريري، وهذه حقيقة. حياتي لم تَعُد في خطر، لكن لا أستطيع الكفَّ عن تَذكُّرِ ذلك المشهد المرعب في رأسي كلما خلدت إلى النوم، لذا أبقى مستيقظة وأنا أسترق السمع إلى أي صوتٍ يصدر في الظلام.

هذه هي إحدى أعراض إصابتي بـ "اضطراب ما بعد الصدمة".

ما هو اضطراب ما بعد الصدمة؟

وبحسب تقرير مترجم عن شبكة BBC البريطانية فإن اضطراب ما بعد الصدمة هو اضطرابٌ يُصيب بالقلق وينجم عن التعرّض للأحداث المأساوية أو المخيفة أو المقلقة، وهي الأحداث التي نُعايشها من جديد عادةً حين نسترجع ذكريات الماضي أو نرى الكوابيس. وظهرت هذه الحالة لأول مرة حين عاد الرجال من خنادق الحرب العالمية الأولى، حيث شهدوا أهوالاً لا تُوصَف، وكانت تُعرف في الماضي باسم "صدمة القصف/إجهاد المعركة". وما يزال اضطراب ما بعد الصدمة مُرتبطاً بالحرب، بوصفها تجربةً يختبرها الرجال على الأغلب، رغم مرور أكثر من 100 عام على انتهاء الحرب العالمية الأولى.

ولكن تُعاني ملايين النساء حول العالم من اضطراب ما بعد الصدمة، نتيجة كفاحهن من أجل وضع أطفالهن -وليس نتيجة مُشاركتهن في الحرب على أرضٍ أجنبية- مثلما حدث لي. وتبدو أعراض اضطراب ما بعد الصدمة متشابهة بين مُختلف الناس، بغض النظر عن الصدمة التي تعرَّضوا لها.

وقال باتريك أوبراين، خبير الصحة العقلية للأمهات في مستشفى الكلية الجامعية والمتحدث باسم الكلية الملكية لأطباء النساء والتوليد في المملكة المتحدة: "تشعر النساء اللاتي تعرضن للصدمة بالخوف، أو العجز، أو الذعر بشأن التجارب اللاتي مررن بها. ويُعانين من الذكريات التي تُسيطر عليهنّ، واسترجاع المشاهد، والأفكار، والكوابيس المتعلقة بالولادة. ويشعرن كذلك بالحزن أو القلق أو الذعر حين يتعرَّضن للأشياء التي تُذكِّرُهن بما حدث. ويتجنبن أيضاً أي شيءٍ يُذكرِهُن بتعرضهن للصدمة، بما في ذلك الحديث عن الأمر".

ولم يُعترَف باضطراب ما بعد الصدمة التالي للولادة رسمياً حتى تسعينيات القرن العشرين، رغم تأثيراته المُوهنة المُحتملة، وذلك حين غيَّرت الجمعية البريطانية للأطباء النفسيين تعريفها للحدث الذي يُمكن وصفه بالصادم. إذ كانت الجمعية تعتبر اضطراب ما بعد الصدمة "أمراً خارج نطاق التجارب الإنسانية المعتادة"، ولكنها غيَّرت التعريف بعد ذلك ليضمن الأشخاص الذين "شهدوا أو واجهوا تهديداً أو إصابة جسدية خطيرة لأنفسهم أو لآخرين، وتجاوبوا معها بمشاعر الخوف، أو العجز، أو الهلع"، بحسب الشبكة البريطانية.

مشاكل ما بعد الولادة

ويُبرهن هذا على أنَّ الولادة كانت أمراً شائعاً لدرجة أنَّها لم تُعتبر من مُسبِّبَات الصدمة قبل تغيير التعريف، رغم أنَّها قد تُؤدِّي إلى إصاباتٍ تُغيِّر مجرى الحياة -وتصل إلى الوفاة أحياناً- وأنَّ النساء يُعانين كثيراً من أجل ولادة أطفالهن. وذكرت منظمة الصحة العالمية أنَّ هناك 803 نساء يلقين حتفهن يومياً نتيجة المشكلات المرتبطة بالحمل والولادة.

لا تتوافر الكثير من الأرقام الرسمية حول أعداد النساء اللاتي يُعانين من اضطراب ما بعد الصدمة التالي للولادة، ومن الصعب تحديد مدى شيوع الحالة بسبب عدم استيعاب الأمهات للأمر. إذ قدَّرت بعض الدراسات التي حاولت حصر المشكلة أنَّ 4% من حالات الولادة تؤدي إلى الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة. ووجدت دراسة أُجرِيَت عام 2003 أن اضطراب ما بعد الصدمة أصاب نحو ثلث النساء اللاتي مررن بـ "ولادةٍ صادمة"، والتي تُعرَّف بأنَّها الولادة التي تنطوي على تعقيدات، أو تستدعي استخدام أدوات للمساعدة في الولادة، أو تُعرِّض حياة الأم للخطر، بحسب الشبكة البريطانية.

ولا شك في وجود عددٍ ضخمٍ من النساء اللاتي ربما يُحاولن التعايش مع هذا الاضطراب دون علمهن، أو بقدرٍ ضئيلٍ من المعلومات عنه، نظراً لميلاد 130 مليون طفل حول العالم سنويّاً.

ولا يُعَدُّ اضطراب ما بعد الصدمة التالي للولادة مُشكلةً بالنسبة للأمهات فقط، إذ وجدت بعض الأبحاث أن الآباء قد يعانون منه أيضاً إثر رؤية شريكاتهن يخضعن لعملية ولادة صادمة، بحسب الشبكة البريطانية.

وربما يُعاني الأشخاص الذين يمرون بتلك التجارب من تأثيرٍ بعيد المدى على حياتهم، بغض النظر عن عددهم تحديداً. وتُكشِّر أعراض هذه الحالة عن أنيابها بطرقٍ مختلفة.

إذ قالت ليونيل داونيز، والدةٌ من لانكشير بالمملكة المتحدة، التي أُصيبت باضطراب ما بعد الصدمة التالي للولادة نتيجة خوفها من الموت إثر إصابتها بتعفن الدم أثناء مخاضها: "أرى صوراً واضحة لولادتي داخل رأسي بانتظام. أشعر دائماً بأنَّني مُهدَّدة، وكأنني دائماً في أوج يقظتي".

استثناءات

وقالت لوسي ويبر، وهي امرأة أخرى أصيبت باضطراب ما بعد الصدمة التالي للولادة إثر إنجاب ابنها في عام 2016، إنَّها أُصيبت بسلوكيات وسواسية وأصبحت قلقةً للغاية. وأضافت: "لا أستطيع أن أدع طفلي يغيب عن نظري، أو السماح لأي شخصٍ أن يلمسه. وتُسيطر على عقلي فكرة حدوث أشياء سيئة لكل أحبائي".

لا تُصاب جميع النساء، اللاتي يشهدن ولادات مُتعسِّرة، باضطراب ما بعد الصدمة التالي للولادة. إذ يتعلَّق الأمر في المقام الأول بطريقة إدراك المرأة لما مرَّت به، وفقاً لإليزابيث فورد من كلية الملكة ماري بجامعة لندن، وسوزان أيريس من جامعة ساسكس. وكتبت الباحثتان: "تُعَدُّ النساء اللاتي يشعرن بفقدان السيطرة أثناء الولادة، أو لا يحصلن على الرعاية والدعم الكافي، هُنّ الأكثر عرضةً للإصابة بهذا الاضطراب"، بحسب الشبكة البريطانية.

ويبدو أنَّ القصص التي ترويها النساء اللاتي أُصِبنَ باضطراب ما بعد الصدمة التالي للولادة تُؤكِّد تلك الفكرة. إذ قالت ستيفاني -التي تحدثت تحت اسمٍ مستعار لحماية هويتها- إنَّها لم تلق الرعاية الجيدة أثناء مخاضها، وإنَّ القابلات لم يُبدين تعاطفاً أو شفقة. وشهدت ستيفاني عملية مخاضٍ صعبةٍ للغاية، لدرجة أنَّ الطاقم الطبي أمسك بها أثناء وضعها للمولود. وأضافت: "وُلِدَ طفلي أزرق اللون، فأخذوه لإنعاشه، وقضيت ساعات وأنا لا أعلم شيئاً عن حالته".

وقالت إيما سفانبيرغ، وهي طبيبة علم النفس السريري التي تُشارك في حملةٍ بعنوان "اجعلوا الولادات أفضل"، إنَّ هذه الرواية تتكرَّرُ كثيراً بين النساء اللاتي يتحدثن إليها. وأضافت أنَّ "انعدام طيبة الطاقم الطبي وتعاطفه هي العوامل الأكثر شيوعاً بين المُصابين بهذه الحالة".

وتقترح دراسةٌ أجرتها الباحثة جينيفر باترسون، من جامعة نابير في مدينة إدنبرة البريطانية، أنَّ القابلات يُدرِكن حقيقة أنَّ الولادة قد تكون تجربةً صادمة للأمهات، لكنهن ينشغلن عادةً لدرجةٍ تزيد صعوبة تقديم الدعم والمعلومات اللازمة للأمهات المُعرَّضات لمخاطر الإصابة بالاضطراب. وهناك مجموعاتٌ معينة من النساء اللاتي تُحتمل إصابتهن باضطراب ما بعد الصدمة، قبل أن يضعن أطفالهن.

وقالت ريبيكا مور، الطبيبة النفسية المُتخصصة في الفترة المحيطة بالولادة، من هيئة الخدمات الصحية الوطنية في شرق لندن: "تزداد احتمالية الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة التالي للولادة بالنسبة للنساء اللاتي تعرضن لصدماتٍ في الماضي، مثل: ضحايا التحرش جنسي في الطفولة، أو النساء اللاتي تعرَّضن لاضطراب ما قبل الصدمة سابقاً، أو اللاتي عانين من الاكتئاب أو القلق. وتصل احتمالية الإصابة بالحالة بين هؤلاء النساء إلى خمس أضعاف نظيرتها لدى غيرهن".

معالجة ما بعد الولادة

وبحسب الشبكة البريطانية، يكمُن تحدي اضطراب ما بعد الصدمة في الدماغ. إذ تُخزَّن الذكريات عادةً داخل قرن آمون بالمخ. لكن العقل يدخل وضعية الكرّ والفرّ عند التعرُّض لتجربة صادمة، وتبدأ اللوزة الدماغية المسئولة عن الخوف في العمل. ويُؤدِّي هذا إلى بقاء تلك الذكريات مُحاصرةً داخل هذا الجزء البدائي من المخ، بدلاً من تخزينها بعيداً.

وهذا يعني أنَّ الأم تشعر وكأنَّ ذكريات الصدمة ليست مُجرَّد ذكريات وأنَّها ما تزال مُعرَّضةً لخطرٍ وشيك، أثناء مشاهدة عملية ولادة في التلفزيون أو الذهاب إلى المستشفي، ما يُذكِّرها بتجربتها ويُثير ردود الأفعال الجسدية مثل نوبات الفزع أو استرجاع الذكريات. وأوضحت ريبيكا أنَّ نظام تخزين الذكريات المُعطَّل يعني أنَّ "الذكرى تدور في حلقةٍ مُفرغة داخل العقل طوال الوقت".

وربما يُؤدِّي هذا إلى حدوث تغيُّراتٍ هيكلية في العقل أيضاً. إذ درس باحثون في جامعة كاليفورنيا أدمغة 89 عسكريّاً داخل الخدمة وخارجها، من المُصابين باضطراب ما بعد الصدمة، عن طريق إجراء أشعةٍ على الدماغ لقياس حجم مُختلف أجزاء المخ. وأظهرت الدراسة أنَّ اللوزة الدماغية اليُمنى في أدمغة أفراد الجيش، المُصابين بالاضطراب، أكبر بنسبة 6% من أقرانهم. ويرتبط الجزء الأيمن من اللوزة الدماغية تحديداً بالتحكُّم في الخوف ومقاومة المُنبِّهات غير السارة.

قالت جويل بايبير، الباحثة المشاركة في الدراسة، من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو: "نحن نتساءل حول إمكانية استخدام حجم اللوزة الدماغية في التعرُّف إلى الأشخاص الأكثر عُرضةً للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، وذلك إثر تعرُّضهم لصدمة الإصابات الدماغية الرضية الطفيفة"، بحسب الشبكة البريطانية.

وماذا عن أدمغة النساء؟

لم يتضح بعد ما إذا كانت أدمغة النساء اللاتي أُصِبن باضطراب ما بعد الصدمة التالي للولادة تتعرَّض لتغييرات مشابهة، لكن هذه الدراسة تفتح الباب أمام طريقةٍ جديدة لتشخيص الحالات المُصابة. إذ يُؤدِّي المزيج المعقد من الأعراض، التي اختبرتها النساء اللاتي يعانين من الاضطراب بعد الولادة، إلى تأخير التشخيص أو التشخيص الخاطئ في كثيرٍ من الأحيان.

ويُعَدُّ الشعور بالخزي واحداً من المشكلات التي تعترض تشخيص الحالة تشخيصاً صحيحاً. إذ لا تشعر بعض النساء بالراحة حيال التحدث عن الأمر، خشية اعتبارهن أمهات فاشلات أو غير مُمتنَّات للحصول على أطفالهن.

تعتقد إيما أن صدمة الولادة هي مشكلة نسوية. إذ قالت: "هناك قطاعٌ كبيرٌ من الأبحاث التي تدور حول تكذيب ألم المرأة، والنساء المهمشات تحديداً، وتُكمَّم أفواه النساء في غالبية الأحيان". ويُؤيِّد الكثير من الخبراء فكرة أنَّ لا أحد يستمع إلى النساء أو يُزودهن بالمعلومات التي يحتجنها من أجل اتِّخاذ القرارات الأفضل لهُنَّ ولعائلاتهن.

وتضيف ريبيكا: "يُعَدُّ تزويد النساء بالحقائق حول مختلف أساليب الولادة أثناء فترة الحمل أمراً تشجيعياً، وليس مُخيفاً. إذ أن النساء قادراتٌ على اتِّخاذ قراراتهن، لكنهن يفتقرن إلى المعلومات اللازمة بشأن المخاطر والعلاج حين يتعلَّق الأمر بالولادة".

وتعتقد ريبيكا أنَّ هذه المشكلة هي مُشكلةٌ اجتماعية، إذ قالت: "تُعامَل النساء مُعاملة الأميرات أثناء الحمل عادةً، لكن العالم بأكمله يدور حول الطفل بمجرد ولادته. وتستمتع الأمهات الجديدات، اللاتي يعانين من مرضٍ نفسي، عادةً إلى جملٍ مثل: لقد رُزقتي بطفلٍ سليم، لماذا تشتكين؟ وهُنا تزداد صعوبة التحلِّي بالشجاعة الكافية لطلب المساعدة".

ويُعتقد أن نصف النساء اللاتي يُعانين من مشكلات نفسية في الفترة المحيطة بالولادة، لا يتلقين العلاج اللازم. إذ قالت ريبيكا: "ما يزال هناك شعورٌ بالخزي من طلب المساعدة، وتخشى النساء عادةً التعرُّض للنقد أو إطلاق الأحكام عليهن".

وأدَّت محاولة ستيفاني التكتُّم على حالتها إلى الإضرار بعلاقاتها مع زوجها وابنتها الكبرى. إذ تجلَّت أعراض اضطراب ما بعد الصدمة الذي تُعاني منه في صورة اليقظة المفرطة، ما تركها في حالة يقظةٍ مُرهقةٍ دائمة، وجعلها تترقَّب حدوث الأسوء طوال الوقت. وقالت: "كنت أعلم أنني لست بخير، ولكنني أخفيت الأمر لشهور. لم أتناول الطعام أو أخلد للنوم، ورفضت السماح لأي شخصٍ برعاية ابني. واعتمد أطفالي الآخرون على والدهم لأنَّني كنت أرُكِّز على الطفل تركيزاً شديداً. وتدهورت علاقتي بابنتي التي كانت في الثانية من عمرها فقط. وفقدت ثقتي في أمومتي، بعكس هدوئي الدائم حين كانت أموري تسير بسلاسة في الماضي. لقد أقصيت زوجي وعائلتي بعيداً عني".

التأثير على العلاقة الزوجية

وأجرت جامعة ساسكس دراسةً أكَّدت أنَّ النساء اللاتي يُعانين من اضطراب ما بعد الصدمة التالي للولادة أبلغن عن تأثير الحالة سلباً على علاقاتهن مع أزواجهن؛ بما في ذلك العجز الجنسي، والخلافات، وتحميلهم المسؤولية عن الأحداث المُحيطة بالولادة. وتأثَّرت الرابطة بين الأم والمولود بشكلٍ كبيرٍ أيضاً.

وذكرت الغالبية العظمى من النساء المشاركات في الدراسة أنَّهن شعرن بالرفض تجاه الرضيع. لذا استنتجت الدراسة أنَّ اضطراب ما بعد الصدمة التالي للولادة ربما يؤثر تأثيراً "بالغاً ودائماً" على النساء وعلاقاتهن، رغم أن شعور الرفض اختفى بمرور الوقت.

وتتأثَّر الحياة المهنية للنساء أيضاً في بعض الحالات الأخرى. إذ قالت ليوني داونيز، التي كانت تعمل بخدمة الإسعاف في شمال غرب إنجلترا: "قلب اضطراب ما بعد الصدمة حياتي رأساً على عقب. إذ كُنت أحظى بوظيفةٍ جيدة، ولكنني اضطررت إلى تركها والعمل بمفردي حتى أستطيع العمل من المنزل. واضطرت زوجتي أيضاً إلى ترك وظيفتها لتُصبح الشخص المسؤول عن رعايتي رسمياً. أصبحت الآن من ذوي الإعاقة رسمياً، وأصبحنا نعتمد مادياً على معاشات ذوي الإعاقة للمرة الأولى"، بحسب الشبكة البريطانية.

وقالت ريبيكا إنها تُقابل الكثير من النساء المصدومات لدرجةٍ تمنعهن من العودة إلى العمل، ومنهن المسعفات والقابلات. ولوسي ويبر هي واحدةٌ من تلك القابلات، إذ أوضحت: "تركت وظيفتي لأنني لم أستطع تقبُّل عجزي عن تقديم الدعم الكافي للنساء".

وتتوافر المساعدة للنساء اللاتي يعانين من اضطراب ما بعد الصدمة التالي للولادة، بشرط أن يستطعن الوصول إليها. ويأتي العلاج عادةً في صورة عقاقير أو باستخدام "العلاج السلوكي المعرفي"، وهو علاجٌ بالحديث يعتمد على تغيير الطريقة التي يُفكِّر ويتصرف بها الشخص. ويُمكن أيضاً استخدام طريقة علاج "إزالة التحسس وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين"، وهي الطريق التي تعتمد أحياناً على النقر أو الموسيقى لمساعدة دماغ المريض على إدراك أنَّه يعيش في الحاضر، وليس عالقاً في ذكريات ماضيه. وأثبتت الأبحاث أيضاً أنَّ العلاج بـ "التأمل التجاوزي" يُساعد قُدامى المُحاربين على التعافي من اضطراب ما بعد الصدمة.

وقالت إيما: "علاج صدمة الولادة ليس صعباً، ولكن يصعب على النساء وشركائهن الحصول على الدعم اللازم". وحذَّرت إيما أنَّ الكثير من النساء يُشخَّصن على أنَّهن يُعانين من "اكتئاب ما بعد الولادة" عن طريق الخطأ، وهي حالةٌ مُوهِنةٌ أخرى قد يُصبن بها بعد ولادة الطفل، ولها مجموعةٌ مختلفة من الأعراض. ويصعب الحصول على العلاج من هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بعض المناطق داخل المملكة المتحدة، في حين يتكلَّف العلاج أموالاً طائلة في بعض البلدان الأخرى مثل الولايات المتحدة.

ويعتقد الكثيرون أن الحل يكمُن في التخفيف على النساء، وأنَّ التدريب الأفضل للقابلات وأطباء النساء والتوليد يُمكن أن يقي النساء من الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة في المقام الأول. إذ قالت ريبيكا: "يُساهم النظام بأكمله في خلق الصدمة. إذ يعتني موظفوا الاستقبال بالنساء عادةً، ويُؤدِّي هؤلاء المُوظفون عملهم دون إبداء التعاطف، نتيجةً لإصابتهم بالإرهاق". وتُركِّز حملة "اجعلوا الولادات أفضل" على توفير التدريب اللازم للعاملين في مجال الطب، سعياً إلى التصدِّي لهذه المشكلة. وهُناك تعديلاتٌ بسيطة ومجانية يُمكن أن تُحدِثَ الفارق الذي يقي النساء من الإصابة بمشكلات عضوية وعقلية نتيجة الولادة، مثل التحدث بطريقةٍ طيِّبة والحد من استخدام المصطلحات الطبية.

ولا خلاف بين النساء على أنَّ الولادة هي حدث يُغيِّر مجرى الحياة. وربما يعود الدعم المناسب بالخير، حتى في عمليات الولادة الصادمة أكثر من غيرها. وقالت لوسي ويبر إنِّ تجربتها ساعدتها أن تُصبح أمّاً أكثر لطفاً، في حين قرَّرت ستيفاني أن تُصبح قابلة، بحسب الشبكة البريطانية.

تحسَّنت حياتي الشخصية تدريجياً بعد مرور عامين تقريباً، لكن ينتابني شعورٌ مختلط من الحماس والخوف قُبيل موعد عيد ميلاد طفلتي، بسبب الذكريات وردود الأفعال الجسدية التي لا مفر منها. وابنتي هي أفضل هدية يُمكن أن أحلم بها، ويُمثِّل عيد ميلادها احتفاءً بالتقدُّم الذي أحرزناه منذ وصولها أيضاً.

سأُهديها غيتاراً صغيراً، لكن الهدية الأهم هي أن أُؤدِّي واجبي في تحدِّي الأعراف المتعلقة بالولادة والأمومة، لتتمكَّن النساء من التعامل مع اضطراب ما بعد الصدمة التالي للولادة على الملأ وبكل صراحة.

تحميل المزيد