لحماية أطفالك من حساسية الفول السوداني ، أطعمهم الفول السوداني. هكذا تقول الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) في تقرير سريري جديد يوضح أن التعرض المبكر لمسببات الحساسية الشائعة يمكنه أن يمنع تطور الحساسية في فترة الطفولة.
ما هي مسببات الحساسية الشائعة؟
الأطعمة المعتادة التي تسبب الحساسية تتضمن حليب البقر، الفول السوداني، البيض، المحار، الجوز، القمح، الأرز، وبعض الأنواع من الفاكهة (كالفراولة والأناناس).
عند تناول أي منها، يصدر جسم الإنسان ردة فعل مناعية تتراوح أعراضها من خفيفة إلى شديد. ومن هذه الأعراض مثلاً: حكة، انتفاخ اللسان، تقيؤ، إسهال، صعوبة التنفس، أو انخفاض ضغط الدم.
الأطباء يدعون الآباء لتقديم الطعام المسبب للحساسية مبكراً
بدأت المجموعة التي تضم أطباء أطفال ممن يتعاملون عادة مع الحساسيات لدى الأطفال، في حث الآباء على إطعام أبنائهم أغذية تحتوي على الفول السوداني ومسببات الحساسية الشائعة الأخرى في الأطفال في عام 2015.
تدعم الدراسة الجديدة التي نُشِرَت في مجلة Pediatrics العلمية هذه التوصية بالمزيد من البحث، وهي تُحدِّث أيضاً الإرشادات الواردة بشأن الحساسية التي صدرت للمرة الأولى في عام 2008.
قال الدكتور سكوت سيشرر، المتخصص في علاج الحساسية في مستشفى ماونت سيناي (جبل سيناء) في ولاية نيويورك الأمريكية، وهو مؤلف مساعد في التقرير: "لا يوجد سببٌ لتأجيل إعطاء طفلك الأطعمة التي يُعتَقَد أنها تسبب الحساسية مثل منتجات الفول السوداني، أو البيض، أو الأسماك".
وأضاف: "يمكن إضافة هذه الأطعمة للنظام الغذائي مبكراً، مثلها مثل الأطعمة التي لا تشتهر بالحساسية، مثل الأرز أو الفواكه، أو الخضراوات".
وقال الدكتور بورفي باريك، المتخصص في علاج الحساسية في نيويورك، والمتحدث الرسمي لشبكة معالجة الحساسية والربو في نيويورك، في حوار له مع موقع Healthline الأمريكي: "يتطور الجهاز المناعي لدى الإنسان في وقت مبكر للغاية، لذا إذا تمكنا من تغييره في هذه المرحلة، يمكننا تغيير مصير المريض".
عدم قدرة الأطفال على التواصل تقلق الآباء
لكن هذه النصيحة ما زالت تجعل الآباء الذين يعاني أطفالهم من الحساسية يرتابون ويفكرون بها كثيراً، خاصة لأن الأطباء كانوا ينصحونهم لسنوات -صراحة- بأن يتجنبوا التعرض المبكر لأي مسببات محتملة للحساسية.
تقول كريس شولتر بيزارو، وهي والدة طفلة تعاني من الحساسية، إن طبيب الأطفال الخاص بها نصحها بـ"الانتظار حتى يمكن للطفلة التحدث قبل أن أجعلها تجرب هذه الأطعمة، حتى يمكنها التعبير عما تشعر به إذا واجهت مشكلة".
وقالت بعد ذلك: "كانت زوجة أخي تراقبها ولم تكن تعلم قط أنها تناولت زبدة الفول السوداني. تناولت قضمة واحدة وبصقتها، وأخذت ترتعش، وبدأت في البكاء".
وأضافت: "كان عمرها 18 شهراً. لست واثقة أن التعرض لها في وقت سابق كان سيشكل فرقاً".
وقالت شيلي غودرو من مدينة بريستول: "عانت ابنتي من صدمة حساسية قبل عيد ميلادها الأول، ولذا لم تتمكن من التعبير عن الأعراض".
وأضافت: "كانت هذه أكثر اللحظات رعباً في حياتي. وعند تقديم أي طعام جديد، أبدأ بكمية قليلة للغاية وأكتفي، وأقدمها ببطء شديد واتعلم عن أعراض أي رد فعل".
تقديم مسببات الحساسية لا يخلو من الخطر ولكنه ضروري
بدوره قال الدكتور ديفيد ستوكوس، الأستاذ المشارك في طب الأطفال في مستشفى الأطفال الوطني في كولومبوس، بولاية أوهايو، ومتحدث باسم الكلية الأمريكية للحساسية والربو والمناعة، إن تقديم الفول السوداني في الطفولة المبكرة لا يخلو من الخطر.
لكنه قال إن 98% من الناس لا تتطور لديهم حساسيات الفول السوداني، وحتى هؤلاء الأشخاص الأكثر عرضة، يتضاءل الخطر لديهم في التعرض المبكر مقارنة بتطور حساسية مزمنة للفول السوداني.
وقال: "الآباء يأتون إليَّ لأنهم أطعموا أولادهم شيئاً ما، فظهر لديهم طفح جلدي، ليس لأنهم يحتضرون".
وأضاف: "إذاً، لدينا الوقت لمعرفة سبب هذا".
وقال ستوكوس إنه حتى إذا ظهر على الطفل نوعاً ما من الحساسية، فإن جهازهم المناعي ما زال يطور أجساماً مضادة وهذا من شأنه حمايتهم مما هو قادم.
وأضاف: "الأمر متوقف على الاعتياد". واستكمل: "إذا كنت تتعرض لأحد مسببات الحساسية بانتظام في بداية حياتك، فسيجعلك هذا أكثر اعتياداً".
يجب تقديم هذه الأطعمة بعد 6 شهور من الولادة
ويوصي الخبراء بإعطاء الأطفال الفول السوداني المطحون، أو رضعات معينة تحتوي الفول السوداني، وليس الحبوب كاملة، إذ قد تزيد من خطر الاختناق.
وتقول الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال إنه يمكن تقديم مثل هذه الأطعمة بعد حوالي 6 أشهر من الولادة، عندما يمكنه تحمل الأغذية الصلبة.
ويدعم التقرير أيضاً الاكتشافات السابقة التي تفيد بأنه لا يوجد أي دليل على أن تأخير تقديم مسببات الحساسية بعد 4 أو 6 أشهر من العمر يمنع أمراض الحساسية غير الموضعية، وفيها تنتج مسببات الحساسية تفاعلات في مناطق بعيدة من موضع التعرض لمسبب الحساسية، مثل الرشح، والربو، والإكزيما.
ويقول التقرير إن الأطفال الذين يعانون من خطر مرتفع، مثل هؤلاء الذين يعانون من إكزيما شديدة تتطلب علاجاً طبياً، وهؤلاء الذين يتحسَّسون من البيض، قد يتعرضون أيضاً لأغذية الفول السوداني، بينما يشهدون أيضاً حساسيات الفول السوداني المحتملة.
قال الدكتور ويسلي بركس، عميد كلية الطب بجامعة نورث كارولينا، والمؤلف المساعد للتقرير: "إننا نشجع الآباء على الحديث مع طبيب الأطفال، أو طبيب الحساسية عن أعراض الحساسية، والسؤال عما إذا كان طفلهم يجب اختباره".
وأضاف: "يمكن للطبيب أن يساعدك في تتبع أي تغيرات في الحساسية، والتي سيذهب بعضها مع نمو الطفل".
الفول السوداني ليس المشكلة الوحيدة
يذيع صيت حساسية الفول السوداني لأنها قد تؤدي إلى عواقب مميتة بعض الأحيان.
لكن الفول السوداني هو مجرد واحد من 8 مجموعات من الأطعمة المسببة للحساسية التي يجب الإعلان عن وجودها على ملصقات المنتجات الأمريكية، مثل حليب البقر، والبيض، والسمك، والقشريات، والمكسرات، والقمح، وفول الصويا.
تشكل هذه الأطعمة 90% تقريباً من الأطعمة المسببة للحساسية.
قال الدكتور فرانك غرير، المؤلف المساعد للتقرير: "نعلم أن بعض الأطفال أكثر عرضة لمسببات الحساسية بسبب التاريخ المرضي للعائلة".
وأضاف: "من الواضح أن التغذية في بعض الأحيان تؤدي دوراً محورياً في الوقاية أو التقليل من الحساسية التي من الممكن أن تكون مصدر إزعاج لبعض الأطفال، أو تكون مميتة حتى".
وأضاف ستوكوس: "التعرض المبكر ليس مجرد جزء صغير في حلِّ اللغز، إننا نعتقد أن دوره كبير".
يجب تحدي جهاز الطفل المناعي لتطويعه
وأضاف غرير: "لسنا بحاجة لحماية جهاز الطفل المناعي، بل نحتاج لأن نتحداه".
وناقش التقرير السريري أيضاً مساحة أكبر من القضايا المتعلقة بالوقاية من الحساسية لدى الأطفال.
واستنتجت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال أن النظام الغذائي المحكوم للأم في أثناء الحمل أو الرضاعة لا يقي من الحساسية.
وكذلك الرضعات المخففة بالماء، حتى في الأطفال الأكثر عرضة.
تحديثات طبية بشأن الرضاعة ومشاكل التنفس والجلد
حدَّثت هذا الاكتشاف الأخير الإرشادات السابقة المتعلقة بالحساسية التي أصدرتها الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال في عام 2008.
أفادت هذه الإرشادات بأن هناك أدلةً محدودة تدعم أن الرضعات المخففة بالمياه قد تمنع التهابات الجلد لدى الأطفال.
وقالت مجموعة أطباء الأطفال إن الرضاعة الطبيعية وحدها في الأشهر الثلاثة أو الأربعة الأولى من العمر تساعد على الوقاية من الإكزيما خلال أول عامين في عمر الطفل.
وأضافت أن أي قدر من الرضاعة الطبيعية بعد 3 أو 4 أشهر تقي الطفل من أصوات الصفير من الصدر مع التنفس، وقد تقلل خطر الربو على المدى الطويل.
الخلاصة.. خطر ضئيل مبكراً أفضل من حساسية طوال العمر
- الأدلة التجريبية لا تدعم إزالة الأطعمة التي يُحتَمَل أنها تسبب الحساسية مثل الفول السوداني من النظام الغذائي للأطفال.
- توصي الأكاديمية الأمريكية أن الأطفال يجب أن يتعرضوا لهذه الأطعمة فور قدرتهم على تناول الأطعمة الصلبة.
- التعرض المبكر لهذه الأطعمة قد يمنع تطور حساسية ضدها فيما بعد.
- خطر التعرض المبكر يتضاءل تماماً أمام أخطار تطور حساسية مزمنة.