وجدت دراسة هائلة جديدة أنَّ الأطفال الذين يتلقون التطعيم الثلاثي ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، المسمى اختصاراً (MMR)، ليسوا أكثر عُرضة للإصابة بالتوحد.
وتشمل الدراسة الأطفال الذين يصنفون أحياناً باعتبارهم أكثر عرضة لخطر الإصابة باضطراب النمو العصبي هذا.
تعد الدراسة الجديدة، المنشورة يوم الإثنين 4 مارس/آذار، في دورية Annals of Internal Medicine الأمريكية إحدى أكبر الدراسات من نوعها حتى الآن. وتأتي رداً على امتناع الأهل عن تطعيم أولادهم، خوفاً من خطر الإصابة بالتوحد.
التطعيم لا يؤدي للتوحد
درس الباحثون فيها سجلات أكثر من 657 ألف طفل ولدوا في الدنمارك، بين العام 1999 والعام 2010. من بينهم 6500 طفل شُخصوا باضطرابات طيف التوحد (ASD).
واضطرابات الطيف التوحدي هي حالة من اضطراب النمو والتطور العصبي، تؤثر على قدرة الشخص على التواصل والتفاعل والسلوك المنضبط مع الآخرين في المواقف الاجتماعية.
وقال الباحث الرئيسي في الدراسة، أندرس فيد، وهو باحث كبير في قسم أبحاث علم انتشار الأمراض في معهد ستاتن سروم في كوبنهاغن، إن الدراسة تظهر مثلها مثل العديد من الدراسات قبلها مراراً وتكراراً، أنَّه "لا ينبغي على مقدمي الرعاية للأطفال الإحجام عن إعطاء الأطفال اللقاحات بسبب هذا الربط العقابي بين اللقاح الثلاثي ومرض التوحد. هناك أدلة علمية قوية على عدم وجود علاقة".
باحث واحد أوجد صلة بين التوحد ولقاح الحصبة
تعود فكرة احتمالية وجود صلة بين مكون لقاح الحصبة في اللقاح الثلاثي والتوحد إلى دراسة صغيرة سُحبت الآن، نشرت عام 1998 في دورية The Lancet الطبية البريطانية.
درس الباحث 12 طفلاً يعانون من تأخر في النمو والتطور، و8 منهم كانوا يعانون من التوحد.
ومنذ ذلك الحين اكتُشِف، طبقاً لتقرير نشر عام 2011 في المجلة الطبية البريطانية BMJ، وجود العديد من تضارب المصالح لدى الباحث الرئيسي بالدراسة:
- مول الباحث مكتب محاماة متخصصاً كان يريد مقاضاة شركة تصنيع اللقاح.
- وسجل الباحث أيضاً براءة اختراع للقاح حصبة "آمن" طوره قبل إجراء الدراسة في عام 1998.
وعشرات الدراسات تنفي تلك الصلة
منذ العام 1998 وعدد لا يحصى من الدراسات وصل إلى النتيجة نفسها؛ أنه لا يوجد رابط بين أخذ اللقاح الثلاثي والتوحد، من ضمنهم دراسة كبيرة نشرت في عام 2002 في دورية The New England Journal of Medicine الطبية الأمريكية، أجراها أندرس مع زملائه، إذ درسوا 537 ألف طفلٍ ولدوا في الدنمارك بين العام 1991 والعام 1998.
ولكن بعد نشر الدراسة استمع أندرس لتساؤلات وشكوك الآباء القلقين والأشخاص المناهضين للقاحات، عما إذا كان الأطفال الأكثر عرضة للإصابة بالتوحد ربما يزداد خطر إصابتهم بالمرض فعلاً بعد أخذهم اللقاح الثلاثي.
قال أندرس لموقع Live Science: "رأينا فرصة في إعادة استكشاف الصلة بالظروف نفسها مع أطفال جدد، وبحثنا أيضاً في كيفية التعامل مع الانتقادات لدراستنا الأصلية".
كيف استطاعوا أن ينفوا ذلك؟
بجانب النظر في الصورة الكلّية إذا ما كان اللقاح الثلاثي يزيد خطر الإصابة بالتوحد في كل الأطفال، بحث معدو الدراسة الجديدة إذا ما كان اللقاح يزيد خطر الإصابة في المجموعات التالية:
- الأولاد والبنات والأطفال الذين يصابون بالتوحُّد التَّقَهقُريّ عندما يكبرون.
- أشقاء الأطفال المصابين بالتوحد (الحالة جزء من مُسبباتها جِينيّ، ولذلك هؤلاء الأطفال في خطر أكبر من باقي أفراد المجتمع للإصابة بالتوحد).
حلل الباحثون أيضاً أعوام الميلاد، وما إذا أخذ الأطفال لقاحات أخرى في فترة الطفولة ومتى أُخذت، إلى جانب عوامل الخطر للإصابة بالتوحد لدى كل طفل، اعتماداً على درجة خطورة الإصابة بالمرض للطفل التي قررها معدو الدراسة.
ولم يجد الباحثون في النتائج أي زيادة في خطر الإصابة بالتوحد عند أيّ من المجموعات التي أخذت اللقاح الثلاثي.
وكان من المثير للاهتمام كما ذكر الباحثون أن اللقاح ارتبط بانخفاض طفيف في خطر الإصابة بالتوحد في الفتيات والأطفال المولودين من عام 1991 إلى عام 2001.
إذاً، ما الذي يزيد من خطورة الإصابة بالتوحد؟
لا تزال الآليات البيولوجية المسببة للتوحد قيد الاستقصاء. بيد أنّ الدراسة وجدت أي المجموعات هي الأكثر عرضة للإصابة بالتوحد:
- الأولاد الذكور
- الأطفال الأحدث في أعوام الميلاد (من عام 2008 إلى عام 2010)
- الأطفال الذين لم يتلقوا لقاحات مبكرة
- وكما ذكرنا من قبل أشقاء الأطفال الذين يعانون من التوحد.
- تشمل بعض عوامل الخطورة الأخرى كِبَر عمر الأبوين وقت الإنجاب،
- وانخفاض وزن المولود وقت ولادته
- والأطفال الخُدَّج (وهم الأطفال المبتسرون المولودون مبكراً قبل إتمام شهور الحمل)
- والأطفال المولودون لأمهات دخنَّ السجائر في وقت الحمل
وكما قالت كرستين لايال، الأستاذة المساعدة في معهد A.J. Drexel Autism في جامعة دركسل في ولاية فيلادلفيا، التي لم تشارك في الدراسة: "هذه دراسة استقصائية أجريت بدقة مظهرةً ما توصلت إليه الدراسات من قبلها، أخذ اللقاح الثلاثي لا يزيد خطر الإصابة بالتوحد في الأطفال".
وأضافت كرستين: "قدمت هذه الدراسة أيضاً إسهاماً مهماً يتمثل في أنه حتى في المجموعات الأكثر عُرضة للإصابة بالتوحد لم تكن هناك صلة بين التوحد واللقاح الثلاثي".
وخبراء يحذرون من الانصياع لآراء تستهلك الوقت وتهدد صحة الأطفال
في مقال نشر إلى جانب الدراسة، قال سعد عمير، الأستاذ بمركز إيموري للقاحات، التابع لجامعة إيموري في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا، وهو أيضاً لم يُشارك في الدراسة: "الاحتياج لتفنيد الأفكار المناهضة للقاحات له كُلفته. قد تكون الدراسات الكبيرة في علم انتشار الأمراض أقل في التكلفة من أنواع الدراسات الأخرى، لكنها تستهلك الوقت الذي من دونها كان سيمضيه العلماء في محاولة إيجاد أسباب وعلاجات التوحد".
وأضاف عمر في مقاله: "بغض النظر عن الكُلفة المُطلقة، يجب أن ننتبه لكُلفة الفرص: على سبيل المثال فإن الاستمرار في تقييم فرضية العلاقة بين اللقاح الثلاثي والتوحد، من الممكن أن تجور على اتباع بعض الأدلة الواعدة المتعلقة بأسباب التوحد والعلاج".