"يا ربي جيبها في الصواب!"، بهذه الكلمات تمتم شاب في منتصف الثلاثينيات وهو ينتظر دوره للدخول لغرفة فحص السكري، في إطار حملة للكشف والتوعية بشأن مرض السكري في الجزائر.
ثم خرجت سيدة في العقد الخامس من عمرها من الغرفة وهي تقول بنبرة حزينة: "قالوا لي عندك السكر".
الإجابة صدمت من كان في الطابور، ومنهم الشاب الثلاثيني الذي حان دوره ليدخل بعدها إلى غرفة التحليل الواقعة بمستشفى القبة في العاصمة الجزائرية.
في الجزائر تتكرر سنوياً حملات التوعية بأهمية الكشف المبكر عن خطر الإصابة بمرض السكري، الذي بات يهدد قطاعاً واسعاً من الجزائريين.
وتهدف هذه الحملات إلى التقليل من خطر هذا المرض على سكان البلاد البالغ عددهم أكثر من 40 مليون نسمة، وتقليص الفاتورة الباهظة التي تدفعها البلاد جراء انتشاره وعدم اكتشافه في الوقت المناسب.
فالمرض يسبب الرعب لملايين الجزائريين، حسب وصف تقارير إعلامية محلية، وزاد الأمر سوءاً الأزمة التي تشهدها البلاد في المواد الخاصة بتحليل السكري.
أرقام مفزعة عن مرض السكري في الجزائر
أكثر من 14 % من الجزائريين البالغين، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و69 عاماً، يعانون مرض السكري، وفقاً لدراسة أجرتها وزارة الصحة الجزائرية بالتنسيق مع المنظمة العالمية للصحة بين سنتي 2016-2017.
ويعاني نحو 1.8 مليون شخص مرض السكري في الجزائر، حسب تقرير 2017 الصادر عن الاتحاد الدولي للسكر (FID) والذي نُشر في إطار اليوم العالمي لمكافحة داء السكري.
في حين تتحدث بعض التقارير المحلية عن أن عدد المصابين بالمرض يصل إلى 4 ملايين شخص، بينما تصل بعض التقديرات إلى 5 ملايين.
أما على الصعيد العالمي، فيقترب العدد من نصف مليار شخص يعانون حالياً مرض السكري (450 مليون شخص).
إذ يعاني واحد من كل 11 شخصاً من البالغين في العالم مرض السكري.
المشكلة أن الدائرة تتسع
الدراسة التي أجرتها وزارة الصحة الجزائرية ضمت عينة تتكون 7450 عائلة، وتم عرض نتائجها الأربعاء 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بمناسبة إحياء اليوم العالمي لمكافحة مرض السكري.
وأظهرت الدراسة أن "نسبة الإصابة بداء السكري قد ارتفعت من 8% سنة 2003 إلى 10% سنة 2012، لتبلغ 14% خلال سنة 2017".
وأشارت النتائج إلى أن 53.5% من الأشخاص الذين شملتهم الدراسة لم يستفيدوا مرة واحدة من قياس نسبة السكر في الدم، وأن 29.7% منهم يعالجون بمادة الأنسولين، و78.2% يعالجون بالأدوية التي تتناول عن طريق الفم".
#الجزائر
مرض #السكري .. 5 ملايين جزائري مصابhttps://t.co/8ljXShuKOa pic.twitter.com/C9Nfx8RaBn— Ennahar Tv النهار (@ennaharonline) November 22, 2017
كما أن أكثر من ثلث الجزائريين يعانون ضغط الدم
الدراسة لم تقتصر على مرض السكري في الجزائر، بل شملت الأمراض الرئيسية المزمنة التي يعانيها الجزائريون، وعددها ثمانية.
ومن أبرز هذه الأمراض ارتفاع ضغط الدم الشرياني، الذي تبين أن 30.8% من أفراد العينة مصابون به.
وفيما يتعلق بأمراض القلب، أشارت الدراسة إلى أن نسبة 5.6 من العينة قالوا إنهم تعرضوا لأزمة قلبية أو الآم بالصدر أو أزمة شرايين الدماغ، نسبة 5% لدى الرجال و6.1 لدى النساء.
وترتفع هذه النسبة مع التقدم في السن من 1.2% لدى الفئة العمرية 18-29 سنة إلى 19.2% لدى الفئة العمرية 60-69 سنة.
ونسبة قليلة هي التي تخضع لتحليل السكري
وبالعودة إلى السكر، فقد تبين أن نسبة 28.4% ممن شملتهم الدراسة "يتناولون أدوية لتخفيض نسبة السكر في الدم في مقابل 71.3% لم يقوموا بقياس نسبة السكر إطلاقاً".
ولم تكشف نتائج التحقيق عن الأسباب المؤدية إلى انتشار مرض السكري بهذا الشكل.
إلا أنه يُعتقد أن للنمط الغذائي غير المتزن وتزايد الضغط دوراً كبيراً في ظهوره بهذه الحدة.
أرقام مخيفة.. 54 مليار دينار تعويضات
والواقع أن مرض السكري في الجزائر يداهم المواطنين بمختلف أعمارهم ولا يستثني أي شريحة.
وهذا الوضع يلقي بأعباء كبيرة على موازنة البلاد، بحسب ما كشفه مختصون خلال اليوم التوعوي المنظم الذي تم تنظيمه يوم الأربعاء 6 ديسمبر/كانون الأول 2018، تحت شعار "داء السكري يخص كل العائلة".
"الأرقام مخيفة جداً"، حسب وصف البروفيسور عمر طيابية رئيس مصلحة الطب الداخلي في الأبيار بأعالي الجزائر العاصمة.
إذ إن الأرقام التي يكشف عنها صندوق التأمينات الإجتماعية (الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ) تشير إلى أن التعويضات الموجهة لمرضى السكري تمثل نسبة 28% من التعويضات التي يقدمها الصندوق للمستفيدين منه، بقيمة تصل إلى 54 مليار دينار (السعر الرسمي للدولار هو نحو 118 ديناراً".
والأسوأ أنه يجتاح الأطفال
الأخطر أن السكري يمثل المرض الأول الذي يصيب الأطفال في الجزائر.
إذ يقول البروفيسور طيابية، إن هذا مرض يجتاح أيضاً الأطفال.
من جانبها، كشف رئيسة مصلحة النشاطات الصحية والمواد الصيدلانية بمديرية الصحة في العاصمة الجزائر، الدكتورة بوركيش زكاغ نادية، أن عدد الإصابات الجديدة التي تم تسجيلها عبر 10 مؤسسات صحية بالجزائر العاصمة، خلال الفترة الممتدة من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول من العام الحالي (2018)، بلغت 5529 إصابة جديدة بعد الفحص الأولي لأكثر 144 ألف شخص، مقابل 5947 إصابة جديدةً السنة الماضية (2017) في الفترة نفسها.
وبشأن الفئات العمرية للأشخاص المصابين، أوضحت أنه تم تسجيل 15 حالة جديدة لدى الفئة العمرية (من 0 إلى 10 سنوات)، و41 حالة لدى فئة (10-20 سنة)، مقابل 156 حالة لفئة ما بين (20-30 سنة)، و573 حالة لدى فئة (30-40 سنة).
أما الفئة العمرية بين (40-50 سنة)، فقد تسجيل 1230 حالة، مقابل 1704 حالات لدى فئة (50-60 سنة)، و1402 شخص في الفئة التي تتراوح أعمارها بين (60-70 سنة).
وأزمة أجهزة القياس تفاقم معاناة المرضى
لكن مرضى السكري لا يعانون مداهمة المرض لهم على حين غرَّة فقط.
إذ يشكو كثير منهم نقص وسائل أجهزة قياس السكري من المختبرات الكبرى، خصوصاً بعد وقف استيراد المواد التي تصنع منها هذه الأجهزة قبل نحو 3 سنوات.
وأوضح رئيس جمعية مساعدة مرضى السكري فيصل أوحدة، أن السوق الجزائرية كانت تستهلك نحو 12 مليون من شرائط قياس السكري، كانت تحتكر 75% منها 3 مختبرات عالمية".
لكن هذه المختبرات غادرت البلاد لأسباب لا داعي للخوض فيها، حسب تعبيره.
والنتيجة أن مرضى السكري بالجزائر وجدوا أنفسهم في مواجهة نقص حاد بهذه الأدوات، لأن المختبرات المحلية فشلت في تغطية العجز الذي تسبب فيه انسحاب المختبرات المحلية.
ويعاني كثير من المرضى هذه المشكلة الخطيرة، بسبب فشل السلطات الصحية في تقديم بدائل.
كما يبدي الصيادلة عدم قدرتهم على تقديم حل للمشكلة.
ويرفض كثير من الصيادلة تبديل أجهزة القياس التي بحوزتهم، ولو من دون شرائط، بأجهزة أخرى متوافرة محلياً ومعها شرائطها.
والأزمة وقعت جراء قرار جمركي.. ووعود بحلها عبر التوطين
وشهدت الجزائر أزمة في أجهزة قياس السكري، خاصة الشرائط المستخدمة في القياس.
وزادت الأزمة بعد فرض ضريبة عام 2017، تُقدَّر بـ19% على استيراد هذا المنتَج، رغم أنه يُفترض أنه يندرج ضمن قائمة الأدوية الرسمية المعفاة من الجمارك.
ويبدو أن الأزمة ما زالت مستمرة، رغم إلغاء المديرية العامة للضرائب هذه الضريبة التي تسببت في حجز أكثر من 1.5 مليون شريط في الميناء عام 2017 مدة قاربت 20 يوماً بعد رفض المستوردين دفع هذه الضريبة.
وأعلنت الجهات المعنيَّة أن هناك خططاً لإنتاج هذه الشرائط محلياً لحل الأزمة، ولكن هل يستطيع مرضى السكري الانتظار إلى ذلك الحين؟