أثار حادث وفاة زوجين من السياح البريطانيِّين في الغردقة، منتصف الشهر الماضي (أغسطس/آب 2018)، الجدل بعد إصابتهما بتوقُّف عضلة القلب بسبب تناول غذاء ملوث ببكتيريا الـ"إي كولاي"، بحسب تقرير الطب الشرعي المصري الرسمي، وازداد التساؤل عن ماهية هذه البكتيريا، التي تعلَّمنا في سنوات دراستنا الأولى أنها بكتيريا مسالمة، فلماذا تقتل؟ وكيف تحدث الإصابة بها؟ وكيف يمكن تجنبها؟ لنتعرف على هذه البكتيريا التي تعيش في معدة الإنسان الصحيح بسلام، ولا تقتله، ولكن هنا سلالات أخرى منها لها القدرة على سلبه حياته وإصابته بأمراض حرجة.
بكتيريا الـ"إي كولاي".. مؤشر إيجابي ومنتِج فيتامين
الإشريكية القولونية أو الـE-coli هي بكتيريا سالبة الغرام، تعيش في أمعاء الثدييات، ومنها البشر الأصحّاء، توجد بشكل طبيعي في المعدة والقولون، وهي جزء من بكتيريا طبيعية تعيش في الجسم تُعرف بالـ"Normal Flora" دون أن تسبب أي أمراض أو مشاكل؛ بل هي هامة جداً لصحة الجهاز الهضمي، ولا تتعجب إن علمت أننا نحمل خلايا بكتيرية أكثر عدداً مما نحمل من خلايا بشرية، أو حيوانيّة.
بعبارة أدق، هذه البكتيريا تعمَل كمؤشر لتلوث الفضلات، وتنتج أيضًا فيتامين "ك"، الذي نحتاجه لتجلط الدم، عند إصابتنا بجرح، وتنتج كذلك بعض فيتامين "ب" المُركب، وتساعد في هضم الطعام، وتعيق نمو البكتيريا الضارة. وتبعًا للدراسات، فإن بعضها يساعد الجهاز المناعي في العمل بشكل أفضل.
واكتُشفت الـ"إي كولاي" بجسم الإنسان في عام 1885، على يد طبيب الأطفال الألماني تيودور إشيريش، اكتشفها تحديدًا في براز الأطفال الأصحاء، ولاحظ أيضًا أن هناك سلالات معينة من هذه البكتيريا مُمرضة، فهي مسؤولة عن إصابة البالغين بالإسهال، والتهاب المعدة والأمعاء.
من المهم تذكُّر أن معظم أنواع الـ"إي كولاي" بكتيريا "مفيدة" ولا تسبب أي أمراض للإنسان، في حين أن بعض سلالاتها تسبب التهابات معوية، والتهابات في الجهاز البولي، وتسمُّم بالدم، والتهاب في الرئة، والتهاب سحائي عند الأطفال حديثي الولادة.
كيف تتسبب البكتيريا النافعة في القتل؟
لكن هذه البكتيريا أو الأنواع الممرضة منها قد تقتل أيضًا؛ فهناك نوع من الـ"إي كولاي" غير الحميدة التي تعيش في أمعاء الماشية (ولا تجعلها مريضة)، تُفرز نوعاً من السموم يُسمى الشيجا (Shiga producing E-coli) أو "STEC"، وهي مسؤولة في أميركا عن 90 حالة وفاة سنوية، تسبب مرضاً ما لنحو 100 ألف حالة، يحتاج 3 آلاف حالة منهم العلاج بالمستشفيات. وفي دراسة أميركية صدرت عام 2005، تَكَشّف أن هذا النوع من الـ"إي كولاي" تكلّفت علاجات لحالات مَرَضية بمقدار 405 ملايين دولار، تستطيع هذه البكتيريا إصابة الإنسان في أي عُمر، ولكنها تمثل خطرًا أكبر للأطفال أقل من 5 سنوات، وكبار العمر الأكثر من 65 عاماً، وأيضًا البشر ضعيفي المناعة في أي عُمر مثل مرضى السكر والإيدز.
وتتفاوت أعراض الإصابة بهذا النوع من الـ"إي كولاي" من شخص لآخر، ولكن بشكل عام تُسبّب تقلّصات شديدة في المعدة، وإسهال، والذي عادةً ما يكون دمويًا، مع وجود وقيء، وارتفاع في درجة الحرارة، بعض الناس تتحسن حالتهم خلال 5-7 أيام، والبعض تكون إصابته متوسطة، والبعض الآخر قد يفقد حياته.
تظهر أعراض الإصابة على معظم الناس بعد فترة حضانة تبلغ مدتها من 3 إلى 4 أيام، بعد تناول طعام أو شراب ملوّث بهذه البكتيريا؛ لذا يجب عليك زيارة الطبيب فورًا، عند الإصابة بالإسهال الدموي، خاصةً لمدة 3 أيام على التوالي، وكان مصحوبًا بقيء وارتفاع في درجة الحرارة.
من الإصابات الخطيرة التي قد تسببها هذه البكتيريا متلازمة تُعرف بمتلازمة انحلال الدم اليوريمية أو الـ"HUS"، وهي حالة تنتج عن التدمير غير الطبيعي لخلايا الدم الحمراء، حيث تسبب خلايا الدم الحمراء المتضررة انسدادًا في نظام الترشيح بالكُلى، ما قد ينتج عنه فشل كلوي، وتعتبر السبب الأول في الفشل الكلوي الحاد عند الأطفال، وتهدد بفقدان الحياة، وقد تَنتج الإصابة بها بشكل فجائي، أو تتطور بمرور الوقت.
وقد ينتج عن هذه المتلازمة أيضًا سكتة دماغية، وارتفاع في ضغط الدم، وغيبوبة، واعتلال بالقلب، وهو ما ذكره التقرير المصري باعتباره سببًا لوفاة السائحَين البريطانيَّين، وتشكّل المتلازمة خطرًا مضاعفًا على الأطفال وكبار السن، وبعض الأفراد ممن يعانون تغيرات جينية معينة.
كيف تنتقل هذه البكتيريا المُؤذية إلى الإنسان؟
بما أنها تعيش في أمعاء الماشية، وموجودة أيضًا بأمعاء الغزلان، والخنازير، والدواجن، فتنتقل للإنسان عن طريق الطعام الملوث، وحمامات السباحة أو البحيرات الملوثة بالبراز، واللبن غير المبستر والعصير، والخضر والفاكهة الملوثَين، وعدم غسل اليدين بعد استخدام الحمّام، وتبديل الحفّاضات، أو لمس جزء من البراز الملوث بالبكتيريا، ولو كان ضئيلًا جدًا فله القدرة على نقلها إلى الإنسان.
كيف يمكن الوقاية من هذه البكتيريا الضارة؟
اتبِع الطرق الصحيحة لتسوية الطعام واللحوم، عدم تسوية اللحوم جيدًا مسؤول بشكل كبير عن التلوث بهذه البكتيريا، فصحيًا يجب تسوية الطعام داخليًا حتى 160 درجة فهرنهايت (70 سيليزيوس)على الأقل، ولضمان ذلك عليك باستخدام ترمومتر، وغسل الخضر والفاكهة، والتأكد من الشرب من مصدر آمن، والتأكد من غسل اليدين جيدًا إذا احتككت بالحيوانات.
كذلك، فإن وضع الأطعمة المطبوخة على الأطعمة النيئة يسبب تلوث المطبوخ بالنيء؛ لذا يجب فصلهما بعضهما عن بعض، كذلك يجب عدم تخزين اللحوم في الثلاجات فوق الثمار من الفاكهة والخضروات لتجنّب تسرب سوائل كالدم على الثمار، ويجب بالطبع الاهتمام بتنظيف الأواني والأسطح المقدم عليها الطعام، والتأكد من مصادر الطعام، وضمان نظافة المطاعم والعاملين بها.