أبلغ الأطباء في ولاية النيل الأبيض (جنوب الخرطوم) عايدة عبدالله ذات الـ49 عاماً بأنها مصابة بالسلّ المعدي والتهاب المفاصل والعضلات، ولكنها عندما سافرت إلى العاصمة بعد أشهر تم تشخيص إصابتها بسرطان الثدي، داخل مستشفى أسسته سودانية عادت من لندن من أجل مساعدة أبناء بلدها.
اليوم بات السرطان منتشراً إلى كبدها، وتستعد عايدة لإجراء عملية جراحية في مركز الخرطوم لسرطان الثدي، المركز الوحيد المتخصص في علاج هذا المرض في السودان الذي يعيش فيه حوالي 30 مليون نسمة.
قالت عايدة وهي ترتدي ثوباً سودانياً باللونين البرتقالي والليلكي في العيادة شديدة النظافة: "أسرتي كلها كانت مستاءة. شعر الجميع بالقلق لأننا لم نعرف هذا المرض من قبل".
غياب التوعية من المرض
يعاني السودان من غياب التوعية بهذا المرض وقلة مراكز تشخيصه، خاصة في أوساط المزارعين الذي تنتمي إليهم عائلة عايدة في ولاية النيل الأبيض المتاخمة لجنوب السودان الذي يشهد حرباً أهلية، لذلك يتم تشخيص العديد من النساء السودانيات بسرطان الثدي بعد أن يصبح المرض متقدماً.
سودانية تركت لندن لتداوي أبناء بلدها
وتتزايد أعداد النساء اللواتي يقصدن مركز الخرطوم لسرطان الثدي، وهو مستشفى خاص وغير ربحي أنشأته أخصائية الأشعة السودانية هانية فضل.
انتشار هذه المشكلة بين النساء دفع هانية للعودة إلى بلادها بعد 3 عقود من العمل في مجال الأشعة وتشخيص سرطان الثدي في لندن.
هانية قالت: "أثناء زياراتي للسودان لاحظت تزايد أعداد النساء المصابات بالمرض وقلة وضعف فرص التشخيص والعلاج".
قررت هانية المساعدة بفضل خبرتها وحالفها الحظ في الحصول على تمويل بقيمة 14 مليون دولار من مؤسسة خيرية يديرها زوجها السابق رجل الأعمال البريطاني مو إبراهيم لإكمال بناء المستشفى.
فضل البالغة من العمر 68 عاماً قالت وهي تجلس في مكتبها في البرج ذي الواجهات الزجاجية الذي استغرق إنشاؤه 5 سنوات: "كانت معركة حقيقية، احتجنا للكثير من المثابرة والكثير من المال".
تجاهلت هانية تحذيرات المستشارين الماليين الذين نصحوها بالتخلي عن المشروع، وقررت شراء جهاز فحص الثدي الرقمي وجهازي تخدير وفتحت المركز في أكتوبر/تشرين الأول 2010.
بات المركز يستغرق كل وقتها، وهي تعيش في شقة بالطابق الأعلى فوق ممرات المركز، حيث تتجول نساء يرتدين الثوب السوداني التقليدي الملون ويتنقلن من غرفة الى غرفة بقلق للحصول على صورة للثدي، وفحص الأنسجة وحتى عملية جراحية.
تكريم هانية
في السابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول ستسافر فضل إلى لندن لتتسلم وسام الإمبراطورية البريطانية تكريماً لجهودها في رعاية النساء، ولكنها تعرف أن عملها لم ينته، فهي تسعى لجعل المرضى المقتدرين يدفعون التكاليف لتغطية تكلفة علاج غير القادرين مثل عايدة.
ويغطي المركز العلاج الكيميائي لعايدة و80% من تكلفة العملية الجراحية.
في غرفة مزينة بأوراق ملونة للتوعية بالسرطان بدت عايدة منهكة بعد 4 أشهر من العلاج الكيميائي، ولكنها ممتنة رغم ذلك.
وتعد رسوم المركز، التي تعادل 50 دولاراً أميركياً لفحص الثدي بالأشعة، مرتفعة بالنسبة لكثير من المرضى، لكنهم يحصلون على تغطية 40% من تكاليف العمليات الجراحية.
في غياب إحصائية رسمية للمصابات بسرطان الثدي، قالت هانية فضل إنه من بين حوالي 2000 حالة يتم تشخيصها سنوياً يتوفى 60% نتيجة نقص الرعاية.
هذه المشكلة لا ينفرد بها السودان، وإنما منتشرة في العديد من الدول النامية، حيث تقل الموارد للفحص والتوعية. وتأتي نسوة من تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا للعلاج في مركز الخرطوم.
وقالت أوفيرا جينسبرغ، المتخصصة في سرطان الثدي بمنظمة الصحة العالمية، إن "اثنتين من كل 3 نساء تتوفيان بسرطان الثدي، وتسعاً من كل 10 يتوفيْن بسرطان عنق الرحم يعشن في بلدان فقيرة أو متوسطة الدخل".
ورغم الأجهزة الحديثة وفريق العمل المتدرب يمثل العمل في السودان تحدياً فريداً لهانية فضل، إذ تخضع البلاد لعقوبات اقتصادية من قبل الولايات المتحدة الأميركية منذ 1997 بتهمة دعم الإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان.
فعندما تعطل جهاز فحص الثدي الذي اشترته من شركة أميركية في أبريل/نيسان الماضي كان عليها أن تنتظر 10 أسابيع للحصول على إذن ليأتي مهندس ومعه قطع الغيار لإصلاح الجهاز.
وأضافت فضل: "لدينا سيدات من جنوب السودان ودارفور يذقن عذاباً مريراً للوصول إلى هنا". وعندما كان الجهاز معطلاً كان عليهن أن يذهبن ويعدن لاحقاً.
ولكن المركز يحقق نجاحات كثيرة أيضاً.
ولاحظت سامرين فاروق هباني، الطبيبة في المركز منذ 2013، تغيراً في الحالات. فعند قدومها كانت الحالات التي تأتي في مرحلة متأخرة جداً، وبعضها على العكس من حالة عايدة لا يمكن مساعدتها.
كانت تلك أوقاتاً صعبة بالنسبة لهذه الطبيبة البالغة من العمر 28 عاماً التي أضافت: "الآن أصبحنا نستقبل حالات في وضع مبكر، والناس لديها فهم أفضل لأهمية الفحص".