مدينة مغربية تعاقبت عليها العديد من الحضارات القديمة، بداية بالرومان والفينيقيين، وصولاً إلى الدول الاستعمارية التي جعلت منها مسكناً لها؛ نظراً لموقعها الجغرافي المطل على المحيط الأطلسي، تعرف هذه المدينة المغربية بالفنانين والرسومات المنتشرة في جميع أزقتها؛ ما جعلها تستقطب السياح من مختلف أنحاء العالم خاصة محبي هذا النوع من الفنون.
مدينة أصيلة أو أزيلا كما يسميها السكان المحليون للمنطقة، هي مدينة صغيرة قريبة من عروس الشمال المغربية مدينة طنجة، تطل هذه المدينة على المحيط الأطلسي، فيما تضم عدداً من الشواطئ التي تجعل منها أفضل المدن للاصطياف خلال الصيف.
تعتبر أصيلة من المدن الصغيرة في المغرب، إذ لا تتجاوز مساحتها 23 كيلومتراً مربعاً، فيما ينتمي جل سكانها إلى سكان المناطق الجبلية شمالي المغرب، تشتهر المدينة بالأسماك والصيد خاصة خلال موسم الصيف وتوافد عدد كبير من السياح إليها.
مدينة أصيلة.. تاريخ يصل إلى ألفي سنة
يعود تاريخ مدينة أصيلة إلى أزيد من ألفي سنة، حسب موقع "mapexpress" إذ سكن في المدينة كل من الفينيقيين والقرطاجيين، ثم أصبحت بعدها إحدى المدن الرومانية وكانت تعرف باسم "زيليس" وهو أصل الاسم الحالي للمدينة "أصيلة".
تاريخ المدينة قبل العصر الإسلامي غير ثابت ولكن تم التأكد بأن المدينة قد تعرضت للخراب بسبب غزو الوندال إحدى القبائل الجرمانية الشرقية، وقد تمت إعادة إنشاء المدينة سنة 229 هجرية من طرف بربر كتامة وهوارة لمواجهة غزوات الوِيكنجار، وقد كانت مدينة أصيلة في ذلك الزمن عبارة عن مجمعات سكنية محاطة بسور وأبراج للمراقبة.
في أواخر القرن التاسع ميلادي هاجر إلى المدينة أهالي شذونة الهاربون من غضب الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأموي بعد أن فشلت ثورتهم ضده، وهذا ما جعل من المدينة مركزاً مهماً في شمال المغرب، كما زاد صيتها خلال العهد الإدريسي.
سنة 1465 اختارها السلطان محمد الشيخ المهدي الوطاسي عاصمة له لمهاجمة مدينة فاس عاصمة المرينيين، في سنة 1471 غادر السلطان محمد الشيخ لمهاجمة فاس ليستغل البرتغاليون تلك الفرصة وهاجموا أصيلة بأسطول ضخم للغاية بقيادة ملك البرتغال ألفونسو الخامس.
حاول أهل المدينة حينها التصدي للهجوم وقتلوا بالفعل 200 جندي، ولكن تم قتل ألفي مواطن وأسر خمسة آلاف من بينهم ولي العهد، وعندما عاد السلطان قام بمقايضة الأسرى مقابل الاعتراف بالبرتغال باعتبارها حاكمة فعلية لمدة عشرين سنة، وامتلاك سبتة والقصر الصغير بالإضافة إلى أصيلة.
تمكن السعديون من استرجاع مدينة أصيلة سنة 1589 على يد السلطان أحمد المنصور الذهبي وذلك بعد فوز السعديين في معركة واد المخازن أو ما يعرف بمعركة الملوك الثلاثة التي جرت في مدينة القصر الكبير شمالي المغرب ومات فيها ثلاثة ملوك من بينهم ملك البرتغال سبستيان وتولى بعدها المنصور الذهبي حكم المغرب.
مدينة أصيلة بين الحماية الفرنسية والاستقلال
لم تكن هذه المرة الوحيدة التي استعمرت فيها مدينة أصيلة المغربية، ففي فترة الحماية الفرنسية على المغرب، كانت المدينة تحت النفوذ الإسباني، تمكن المغرب من استعادتها بعد الاستقلال سنة 1956.
قبل فترة الاستعمار الإسباني للمدينة شكلت هذه الأخيرة مركزاً مهماً لسلطة القائد الريسوني الذي خاض جولات ضد الإسبان واستطاع بسط هيمنته على مناطق واسعة في الشمال المغربي إلى غاية 1924، سنة دخول الإسبان إلى أصيلة.
لم تستعد المدينة إشعاعها في عهد الاستقلال إلا في نهاية سبعينيات القرن الماضي مع انطلاق تجربة الموسم الثقافي السنوي، الذي بات يجتذب كل صيف سياحاً من نوع خاص يفتنهم بعدها الثقافي وطبيعتها الساحلية وعمرانها ذو الطابع الأنيق والبسيط.
أصيلة معالم تاريخية وهوية ثقافية
تزخر مدينة أصيلة بمعالم تاريخية وعمرانية كثيرة، تعزز هويتها الثقافية والتراثية، في مقدمتها برج "القمرة"، ومركز المراقبة على المحيط الذي تفيد المصادر التاريخية أن ملك البرتغال دون سيبستيان انطلق منه لخوض معركة وادي المخازن، حيث هزمت جيوشه على يد الملك السعدي أحمد المنصور.
ورمم البرج بداية التسعينيات في إطار تعاون مغربي برتغالي، وفي أقصى زاوية للمدينة على البحر، ينتصب قصر الريسوني الفخم والحصين، الذي بناه بداية القرن العشرين القائد الريسوني، وأعيد ترميمه هو الآخر من قبل مؤسسة منتدى أصيلة ليصبح معلماً بارزاً يحتضن تظاهرات ثقافية وفنية.
وخلال سنوات الموسم الثقافي، ازدانت المدينة بسلسلة من الحدائق التي حملت أسماء شعراء وكتاب عرب وأفارقة، على غرار حديقة تشيكايا أوتامسي ومحمود درويش والطيب صالح ومحمد عابد الجابري وغيرهم.
بالإضافة إلى ذلك اعتبرت المدينة ملجأ لمحبي الفنون التشكيلية، إذ يقام بها مهرجان سنوي للرسم على جدران المدينة القديمة التي تتميز بلونها الأزرق والأبيض، من بين أبرز الفنانين التشكيليين المغاربة الذين عاشوا بالمدينة نجد محمد المليحي.