من فكرة صغيرة بدأ إدوين وليزابث تير فيلده مشروعهما الفريد من نوعه: رحلة خطيرة للقطب المتجمد الجنوبي عبر مركبة بلاستيكية مصنوعة من أكياس النفايات والقمامة .
ويتجسد المشروع في رحلة بواسطة مركبة تعمل بالطاقة الشمسية تمت صناعتها من النفايات البلاستيكية التي يعاد تدويرها.
فخلال تحضيره وجبة العشاء اكتشف إدوين أن هناك الكثير من البلاستيك في المنزل، وأن هذه بحد ذاتها مشكلة عالمية كبيرة فهناك محيط من الفضلات البلاستيكية التي يؤدي حرقها إلى تلوث البيئة، وهو الأمر الذي يتطلب تغييره. وهنا بدأت الفكرة بقرار التخلص من هذه الفضلات ومن ثم النظر بما يمكن فعله بها.
المميز في هذا المشروع أنه لا يهدف إلى المغامرة أو الشهرة، بل يسعى إلى توعية العالم وجعله يدرك أهمية وجود بيئة خالية من النفايات.
البداية من أكياس الفضلات
ويقول إدوين في تصريح لـ "عربي بوست" إن عمله كمهندس ساعده على ذلك، ففي البداية كان ينظر إلى البلاستيك كنفاية، ومن ثم أصبح يراه كمواد خام، فتحولت من مواد عديمة الجدوى إلى أخرى فعّالة قابلة للتصنيع.
وبدأ إدوين التفكير في صنع شيء ما من هذه النفايات من خلال إذابتها إلى أسلاك وتجسيمها عبر طابعات ثلاثية ومن ثَم تشكيل مركبة بها تتجه إلى القطب المتجمد الجنوبي الخالي تماماً من الفضلات البشرية.
إدوين الذي درس الهندسة وعمل كمستشار اقتصادي للشركات التي تعاني من صراع مالي، استخدم فكره هذا في مجال أوسع، إذ يؤمن أن التقنيات والتكنولوجيا موجودة من أجل تغيير العالم، إلا أن المشكلة تكمن في السلوك البشري، ومن هنا يتوجب علينا جعل هذا التغيير واقعاً على الأرض.
في القطب الجنوبي نسبة الفضلات صفر
بعد اكتمال فكرته، قام إدوين بإجراء بعض البحوث واستنتج أن القطب الجنوبي هو القارة السابعة غير المأهولة الوحيدة الباقية على طبيعتها، على خلاف القارات الست الأخرى، مما يعني أن نسبة الفضلات هناك صفر، وهو ما جعلها موضع اختيار الوجهة كي تكون مثالاً يُعرض للعالم ويحتذى به.
كان كيس الفضلات هو الخطوة الأولى في تطبيق هذا المشروع، إذ قام إدوين بدعوة الأطفال من المدارس الابتدائية لجمع ما يستطيعون من نفايات البلاستيك، ثم تم فرزها وتصنيفها بحسب النوع ومن ثَم تنظيفها قبل تقطيعها إلى قطع صغيرة.
وبواسطة جهاز صنعه إدوين بنفسه قام بإنتاج أنواع مختلفة من الأسلاك الخاصة، كما قام عبر طابعة ثلاثية بصناعة قوالب صغيرة تشبه أجزاء خلية النحل المتماسكة. ويمكن تركيب هذه القوالب بسهولة مع بعضها لصنع أي مجسم وهو ما مكّنه من بناء المركبة الشمسية.
ليزابث زوجة إدوين وشريكته في المشروع كانت تعمل صيدلانية في المستشفى، قبل سنة من الآن سألها إدوين عن رغبتها في الانضمام لهذا المشروع وبدأت التفكير في أي مرحلة عليها الاستقالة من العمل، بعد توفير مدّخرات مالية يمكنهما الاعتماد عليها أثناء العمل على المشروع. وفي يونيو/حزيران 2018 تركت عملها لتتفرغ بشكل كامل لمشروع المركبة العجيبة.
انطلاق الرحلة يوم 19 من نوفمبر
وتقول ليزابث في تصريح لـ "عربي بوست": "نغادر في الـ 19 من شهر نوفمبر/تشرين الثاني بالطائرة إلى مطار بونتا آرينا في تشيلي؛ حيث توجد المركبة فهي الآن في سفينة شحن، إذ كان من الصعب شحنها بالطائرة نظرا للتكلفة المرتفعة إضافة إلى وجود مخاوف من احتمالية إصابتها بضرر يصعب تصليحه ويقضي على فكرتهما".
وتضيف ليزابث أنهما سيمكثان لمدة أسبوع في بونتا آرينا بغية تجميع المركبة الموضوعة في حاويات الشحن، ومن ثم يغادران معها إلى القارة القطبية الجنوبية عبر طائرة شحن كبيرة بعد إجراء فحص تجريبي للمركبة، وهناك سيمكثان في مخيم للبعثة قبل أن يتوجب عليهما قيادة المركبة لمسافة 9 كم إلى نقطة الانطلاق "يونيون غليتشر"، وهي عبارة عن منطقة شقوق جليدية كبيرة وخطيرة يجب الحذر من السقوط فيها، ثم يتوجب عليهما قيادة المركبة باتجاه منطقة "تيل" التي تحتوي على شقوق مماثلة، ومنها إلى القطب المتجمد الجنوبي. ومن المتوقع أن تستغرق الرحلة 40 يوماً في كامل المناطق الجليدية.
مركبة بلاستيكية ..شمسية.. ذكية
وعن مكونات المركبة يوضح إدوين لـ "عربي بوست" أنها مكونة من قُمرة قيادة ومقطورتين وهما جزءان مهمان؛ إذ تم تزويدهما بثمانية ألواح شمسية إضافة إلى لوحين آخرين مركبين على الجزء الأمامي من المركبة.
كما تختزن المقطورتان مستلزمات الرحلة من طعام ولباس وكل ما هو مهم.
وتعتبر قمرة القيادة مكان المكوث الذي يحتوي على أنابيب التدفئة ونظام الملاحة الخاص بالمركبة، بالاضافة إلى أجزاء غاية في الأهمية تتصل بمحطات مراقبة خارجية.
وكان من الصعب الوصول إلى إطارات مناسبة تتحمل الظروف البيئية الصعبة أثناء الرحلة دون المواد المعاد تدويرها، إذ تم بواسطتهما تصنيع عجلات بالونية منخفضة الضغط ومحاطة بشبكة أسلاك قوية.
استمر التحضير للرحلة عامين ونصف العام
وعن إجراءات التحضير التي استمرت لمدة قاربت السنتين والنصف يشير إدوين إلى أنه ليس بالوقت الطويل فقد بدأ مشروعه بورقة بيضاء ولم يتم في السابق بناء مركبة مشابهة، فصناعة مواد أولية عالية الجودة استغرق سنة كاملة من التحضير، تلاه بناء كامل المركبة مع التقنيات المزودة بها.
ويضيف إدوين لـ "عربي بوست" أنه بمقارنة هذا العمل مع عمل المؤسسات العلمية العادية، فإن بناء عربة غير موجودة مسبقاً خلال سنتين هو مدة زمنية قصيرة جداً وفي ذات الوقت عليهم إعداد أنفسهم معنوياً لهذه الرحلة، فدخول القارة القطبية الجنوبية يحتاج لترخيص ليس من السهل الوصول إليه، إضافة إلى كثير من الترتيبات مع الحكومة الهولندية لإقناعها بأن الفريق ذاهب في مهمة، لذا كانت الأمور اللوجستية معقدة جداً.
رحلة فريدة لا تخلو من المخاطر
وعن المخاطر المحتملة يشرح إدوين لـ "عربي بوست" حديثه أن حالة الطقس هناك، تبلغ درجة الحرارة 30 درجة مئوية تحت الصفر، كما أن السفر لمدة 40 يوماً دون وسائل تدفئة ليس بالأمر اليسير، بل يتطلب ذلك تناول 8500 سعرة حرارية لكل منهما يومياً، وسوف يستخدم إدوين وليزابث الطعام المجفف بعد إضافة الماء الساخن له بما يتناسب مع حاجة الجسم من السعرات الحرارية.
وعند الشعور بالبرد يجب أن يكون هناك رد فعل سريع؛ إذ لا وجود لحمام ماء ساخن أو مشروب يشعرك بالدفء.
لذا عليك أن تدرك خطورة البرد في تلك الحالة، كما يعتبر القطب الجنوبي أكثر مكان جاف في العالم، وإذا لم تشرب الكثير من السوائل لن تستطيع التبول، وبالتالي تتضرر الكلى خلال مدة أقصاها يومين، الأمر الذي يتطلب من الفرد الواحد شرب 6 لترات من الماء يومياً.
ومن الصعوبات الأخرى أنه لا يمكن معرفة النهار من الليل في القطب الجنوبي، والذي يعتبر صحراء جليدية بيضاء تُشرق فيها الشمس 24 ساعة كل يوم، وقد يتعرض الجلد لحروقات كما في الصحراء الرملية.
ويعمل إدوين الآن على تطوير محطات متعددة من شأنها التحكم في التقنيات الموجودة بالعربة، بحيث يبقيان على صلة بمركز المراقبة أثناء رحلتهما، الذي من شأنه الاطلاع على حالة الشحن وقدرة البطاريات وعمل المحرك.
كما تم تزويد مقدمة المركبة بمحطة لمتابعة حالة الطقس ودرجات الحرارة ونظام ملاحة لتحديد الموقع والاتجاهات وحساب مدة الوصول والعودة، ولم يغِب عن ذهن إدوين تزويد المركبة بمحطة لمتابعة حالتهم الصحية.
وبما أن المشروع لا يهدف إلى الوصول للقطب الجنوبي وكسر رقم قياسي بذلك، فهي مهمة تهدف لتغيير طريقة تفكير المجتمع إيجابيًا، الأمر الذي استدعى وجود محطة إعلامية تبث بشكل مستمر من المركبة معلومات وخطوات الرحلة.
إدوين وإليزابيث والدان لثلاثة أبناء، وهم عائلة تعشق الإبحار كنشاط دائم في أوقات فراغهم وعطل نهاية الأسبوع.
وهما يستعدان الآن لخوض تجربة فريدة لم يسبق أن فعلها أحد، استمر التحضير لها ما يزيد عن سنتين بمساعدة قرابة 60 شركة مختلفة، بالإضافة إلى دعم وتعاون فردي شارك فيه العشرات.