بينما تقترب من مدينة سوبرال، شمال شرق البرازيل، تجد أن حالة الطريق تسوء. وتتسبب الحُفر الكبيرة في الطريق في إبطاء حركة المرور بدرجة كبيرة. والحرارة خانقة، ويضحي الأمر أسوأ إن لم تكن هناك سحب لحجب أشعة الشمس.
تعد سوبرال إحدى أفقر مدن البرازيل، الوظائف شحيحة، والرواتب ضئيلة، والانضمام للعصابات هو الخيار الوحيد لعديد من الناس. وبالنسبة إلى الأطفال، فمن الصعب بدء حياتك هنا. تعي آنا فارياس هذه الحقيقة جيداً للغاية، وهي مديرة مدرسة للمراحل الدراسية الأولى في أحد الأحياء الفقيرة التي تسيطر عليها عصابة. فلم يكن بعض التلاميذ في مدرستها ليجدوا ما يأكلون إن لم تكن المدرسة توفر وجبات مجانية، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.
كثيراً ما تسمع آنا وزملاؤها قصصاً مأساوية عن حياة تلاميذهم المنزلية، فبعض الأطفال تتركهم أمهاتهم ليلاً للذهاب لممارسة "الدعارة"، تقول آنا: "إنه تحدٍّ، ولكنه يحمسني لأكون موجودة هنا كلَّ يومٍ. نريد إحداث فرق في حياة هؤلاء الأطفال".
المركز الأول على مستوى البلاد
يأتي هذا المكان في آخر قائمة الأماكن التي تتوقع أن تُمثِّل نموذجاً للتميز الدراسي. غير أن سوبرال حققت تحولاً استثنائيّاً لتصبح أفضل مكان يقدم التعليم الحكومي في البلاد.
تأتي المدينة في المركز الأول متفوقة على 5 آلاف منطقة على مؤشر تطور التعليم في البرازيل. قبل خمسة عشر عاماً، كانت في المركز 1366. ومنذ عام 2015، ارتفعت معدلات تعلم القراءة والكتابة من 52% إلى 92%، وانخفض عدد العائلات التي كانت تعيش في فقر مدقع بنسبة 89%.
إن هذا تحوّل مذهل في بلد يعاني من عدم المساواة في الدخل ومعدلات ضعيفة لتعلم القراءة والكتابة، فنِصف الطلاب في التعليم الحكومي يصلون إلى الصف الدراسي الثالث وهم ما زالوا يجهلون القراءة والكتابة.
ما سر سوبرال؟
إذاً، ما سرُّ نجاح سوبرال؟ يقول عمدة المدينة، إيفو جومز: "لقد حققنا هذا المركز بفضل مشروع عمره 23 عاماً تغلب على توالي العمد ووزراء التعليم. يعتقد الناس أنه سحر، ولكنه ليس كذلك، بل هو الإصرار والكثير من العمل الشاق".
في عام 1997، بدأت جهود تحسين التعليم في سوبرال بتجديد المباني المدرسية وتجهيزها بالحواسيب وغيرها من الموارد؛ إذ زاد الإنفاق العام على التعليم.
في الماضي، عادة ما كان السياسيون يكافئون حلفاءهم بالوظائف الحكومية، بما في ذلك منح وظائف مديري المدارس لأشخاص أميين تقريباً. وقد قُضي على تلك الممارسات.
وشُنت حملة على التغيب عن المدرسة؛ فالآن تُستدعى العائلات للحضور للمدرسة إن تغيب أطفالها عن الذهاب إليها. أيضاً، يخضع المدرسون المؤهلون حديثاً لتدريبات تحضيرية، ويتلقى جميع المدرسين -بصرف النظر عن خبراتهم- تدريباً في أثناء العمل يوماً كل شهر. وفي كل فصل دراسي يُطبق نظام مكافآت للمدرسين الذين تكون نتائج طلابهم جيدة.
تأتي المحافظة على جودة تعليم التلاميذ ضمن ألحّ الأولويات؛ فيتلقون وجبتين مدرسيتين مجانيتين يوميّاً، وهناك خطط لتعيين متخصصين في الصحة العقلية بكل مدرسة.
أدى كل هذا جزئيّاً إلى نجاح الطلاب السابقين؛ مثل تشيلتون سانتوس البالغ من العمر 22 عاماً، وأخته ماريا البالغة من العمر 20 عاماً. يعيش الأخَوان مع والديهما وجدتهما في منطقة فقيرة وخطيرة. وقد استطاعت العائلة النجاة لعدة سنوات بالاعتماد على دخل متدنٍّ يبلغ الآن 258 دولاراً شهرياً.
الفقر والعنف والعصابات
يقول تشيلتون سانتوس: "كبرت وأنا أشاهد عراك العصابات. كان عليَّ مواجهة الفقر والعنف. اعتنى والدانا بنا، ولكننا مررنا بمشكلات مادية، واضطررنا إلى أخذ قروض".
ومع الصعوبات التي صاحبت تربية الأخوين فإن المستقبل الآن يبدو مشرقاً. يدرس الأخ الحقوق في الجامعة، وتعمل الأخت موظفة في أحد المكاتب لتوفير المال اللازم لدراسة الطب. إنهما مصممان على النجاح. تقول ماريا: "أحلم بأن أصبح طبيبة، وسأحقق ذلك الحلم، فمنذ أن كنت صغيرة وأنا أرى أمي تعاني من المشكلات الصحية، والآن أريد أن أساعد الفئات الأفقر في المجتمع".
هذا، ولدى أمهما إليان آمال كبيرة حول مستقبل ولديها، فتقول: "لم أعتقد أبداً أن ابني سيدرس في الجامعة ليصبح محامياً. لقد فعلنا ما بوسعنا ليستكملا تعليمهما في المدرسة. أردت منحهما مكاناً أفضل للعيش، فالمكان خطير هنا، إن شاء الله سيرحلان عن هنا ويعيشان حياة أفضل".
تُكرر الآن تجربة نجاح سوبرال في شتى مناحي الدولة. إذ يتعاون كلودوفو أرودا، العمدة السابق للمدينة -والذي تنبأ بقدر كبير من التحول في التعليم- مع مؤسسة ليمان لنشر لنشر تجربة سوبرال، وقد عملوا حتى الآن في 25 بلدية في خمس ولايات.
لكن، لا يكتفي الجميع في سوبرال بما تحقق، فهم يطمحون إلى مزيدٍ من النجاح. يقول العمدة جومز: "لا يعني الحصول على المرتبة الأولى داخل البرازيل كثيراً على المستوى العالمي. البرازيل لا تتمتع بمركز جيد في تقييمات البرنامج الدولي لتقييم الطلاب (بيسا).. وهو ما نطمح إليه الآن".