لُغتان رسميتان واثنتان أجنبيتان وواحدة اختيارية.. تلاميذ المغرب مُلزَمون بإتقان 5 لغات في عُمر الـ18

تحرك التلميذ بخطوات سريعة صوب زملائه أمام بوابة الثانوية، محدّثاً إياهم ببضع كلمات

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/09 الساعة 05:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/09 الساعة 05:46 بتوقيت غرينتش

قطّب حاجبيه مُستمعاً، ليفغُر فاهُ، مجيباً عن سؤال "عربي بوست" بسؤال مماثل: " كيف؟! سنكون ملزَمين بدراسة 5 لغات مختلفة عند وصلنا للبكالوريا؟"، قبل أن يستطرد "عماد. ت"، التلميذ بثانوية ابن الخطيب في مدينة سلا: "حقّاً، لا علم لي بهذا المُستجَد".

تحرك التلميذ بخطوات سريعة صوب زملائه أمام بوابة الثانوية، محدّثاً إياهم ببضع كلمات، ليعود من جديدٍ طابعاً ابتسامة باهتة على ثغره: " نعاني أصلاً كثرة الدروس، وتعدد المواد المدرَّسة التي نُمتحن فيها بشكل دوري، لتتم إضافة هذه اللغات أيضاً!".

التَقطَت زميلته خيط الكلام، قائلةً: "اعتدنا قرارات مفاجئة من هذا القبيل خلال سنوات دراستنا الأخيرة"، متحدثة بحسرةً: "لا أتقن اللغة الفرنسية كما ينبغي رغم دراستي إياها 8 سنوات، فما أنا فاعلة بباقي اللغات؟!".

أزمة تعليم ولغات


سنوات طويلة من البرامج المتعاقبة والخُطط المتوالية، لم تكن كافية لإصلاح منظومة التربية والتعليم بالمملكة المغربية، فلا يختلف مغربيان حول الأزمة الكبيرة التي يتخبّط فيها التعليم بالبلاد؛ إذ تأتي كل المؤشرات الدولية حول جودة التعليم وفاعليته مُخيبةً لآمال المواطنين وتطلُّعاتهم.

وفي وقت لا يزال كثير من تلامذة البكالوريا يجدون صعوبة في صياغة نص بلغة عربية جيدة لا تشوبُها الأخطاء، التزمت حكومة سعد الدين العثماني بجعل التلاميذ المغاربة مُتمكّنين من إتقان 4 لغات إلزامية عند الحصول على شهادة البكالوريا؛ وهي: العربية والأمازيغية والفرنسية والإنكليزية، بالإضافة إلى لغة خامسة اختيارية، وفق مشروع قانون متعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي.

وأعلن مشروع القانون، المعدُّ من طرف الحكومة والذي يُنتظر عرضه خلال مجلس وزاري في أفق التصديق عليه من طرف البرلمان، عن إرساء تعددية لغوية بكيفية تدريجية ومتوازنة تهدف إلى جعل المُتعلم الحاصل على شهادة البكالوريا متمكناً من اللغة العربية وقادراً على التواصل بالأمازيغية باعتبارها لغة رسمية للبلاد، ومُتقناً للغتين أجنبيتين على الأقل؛ هما: الفرنسية والإنكليزية.

تجويدٌ أم إرباك؟


إجراء اللغات المتعددة هذا، ليس وليد اليوم؛ بل لا يعدو كونه خطوة لتنزيل إحدى توصيات الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم 2015-2030، المعتمدة من طرف المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.

ويرتكز هذا القانون الإطار، الذي من شأنه أن يُلزم الحكومات المغربية القادمة، على تنزيل مقتضياته على تعليم التلاميذ في المستويَين الأوليّ والابتدائي 3 لغات؛ هي: العربية والأمازيغية والفرنسية، تضاف إليها اللغة الإنكليزية ابتداءً من السنة الأولى (إعدادي)، فضلاً عن لغة اختيارية خامسة تتمثل في الإسبانية أو الألمانية أو الإيطالية.

المجلس الأعلى للتعليم، ومن مُنطلقه، يرى أن التَّمكن من اللغات عبر تعلمها والتدريس بها، يسهم في تحسين جودة التعليم، وهو الحلم المنشود بالبلاد منذ عقود، موصياً باعتماد ما سماه "هندسة لغوية جديدة"، ترتكز على التعددية اللغوية والتناوب اللغوي.

الإيجابيات المسطَّرة لتعلُّم هذا الكمِّ من اللغات لم يسْتسِغه منير الجوري، مستشار في التوجيه التربوي، مبرزاً أن "تعامل طفل في الخامسة أو السادسة من عمره مع 3 لغات مُدرَّسة؛ هي العربية والأمازيغية والفرنسية، منذ أول سنة يلتحق فيها بالمدرسة، سيُصيبُه بارتباك كبير". بحسْبِ تقديره.

وأوضح الجوري لـ"عربي بوست"، أن التلميذ سيجد نفسه أمام 3 لغات بحروف ورسوم مختلفة، مع إلزامية تلقينه الحرف نفسه بأكثر من كتابة وموسيقى، مضيفاً أن هذا الواقع سيُشتت تركيزه عن اللغة الرسمية التي من المفروض أن يتم منحها كل الإمكانات والوقت الكافي لتعلُّمها وإتقانها والتي تحمل ثقافة المجتمع وحضارته.

وتساءل المتحدث عن الهدف من تعلُّم كل هذه اللغات، معتبراً أن المسؤولين عن هذا القطاع لا يتعاملون مع اللغات وظيفياً على اعتبار أنها بوابة نحو الانفتاح على العلوم والتقنيات والتكنولوجيا مع تمكين الباحثين من الاطلاع على مساحات أخرى، إلا أنها تُدرس باعتبارها لغة حضارة بحمولتها الثقافية والتاريخية والجغرافية.

5 لغات.. كيف السبيل؟­­­­­!


إتقان تلاميذ لا يتجاوز سنهم الـ18، 4 أو 5 لغات، ليس بالأمر الهين، ما يتطلب خطوات واثقة وتدابير واضحة من طرف الوزارة الوصيّة، يتمثل أهمها في الارتقاء بمستوى التكوين والتدريس والتأطير اللغوي من خلال سد الخصاص (العجز) الذي يشوب عدد مُدرِّسي ومدرسات اللغات وتطوير قدراتهم التكوينية والمهنية.

مدير المناهج بوزارة التربية الوطنية، فؤاد شفيقي، أوضح لـ"عربي بوست"، أن تنزيل مقتضيات مشروع القانون الإطار سيتم عبر "اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج"، والتي من المفترض تعيين أعضائها وفق نصٍّ تنظيمي عبر مرسوم للوزير الوصيّ أو لرئيس الحكومة، يقول المتحدث.

ومن مهام اللجنة، وضع تصوُّر يتم رفعه للمجلس الأعلى للتربية والتكوين من أجل التصديق عليه قبل تنفيذه من طرف الوزارة المعنية.

في انتظار ذلك، تُواصِل وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي تنفيذ مهامها في تطوير اللغات الرسمية والأجنبية خلال الموسم المدرسي الجاري والسنوات القليلة المقبلة.

ولعل أولى الخطوات المتخذة في هذا الصدد، وفق المسؤول الوزاري، كانت تنويع لغات التدريس عبر اعتماد "مسالك البكالوريا الدولية" قبل سنتين من الآن؛ إذ يدرُس التلاميذ بعض المواد؛ إما باللغة الفرنسية وإما بالإنكليزية وإما بالإسبانية.

وأشار المتحدث لـ"عربي بوست"، إلى أن الوزارة شرعت منذ الموسم الدراسي الماضي في تلقين التلاميذ اللغة الفرنسية إلى جانب العربية، انطلاقاً من السنة الأولى (ابتدائي)، فضلاً عن برنامج إصلاح تدريس اللغة العربية في المدارس اعتماداً على الطريقة المقطعية، عرفت استفادة 800 ألف تلميذ وتلميذة.

فؤاد شفيقي، أوضح أن المتعلّمين المغاربة سينطلقون من تعلُّم اللغة العربية كلغة أساسية خلال المرحلة الأولية والابتدائية، زيادة على استفادتهم من اللغة الأمازيغية كلغة تواصل، واللغة الفرنسية كلغة انفتاح، تضاف إليها الإنكليزية ابتداء من السنة الأولى (إعدادي)، قبل اعتمادها انطلاقاً من السنة الرابعة (ابتدائي)، زيادة على لغة أجنبية اختيارية أخرى منذ السنة الأولى (ثانوي).

واعتبر المسؤول أن توفر المغرب على العدد الكافي من الأساتذة المدرسين للغات الأجنبية، خاصة منها الإنكليزية، ليس بالأمر الهين الذي يمكن تطبيقه على المدى القريب، لافتاً إلى أن الوزارة تتوفر على آليات مراقبة لضمان تطبيق الإجراءات المذكورة، سواء على مستوى المدارس العمومية أو الخاصة.

إجراءات لا تخلو من عراقيل


وإن كان المستقبل الذي ينتظر التلاميذ المغاربة المُتقنين للغات، واعداً كما يبدو، فإن تنزيله على أرض الواقع لا يخلو من بعض العراقيل، من أهمها توفير موارد بشرية مؤهلة للاضطلاع بهذه المهمة، وهو ما يتطلب تكثيف التكوينات، سواء الأساسية أو المستمرة لهذه الفئات.

ويرى حسن العيساتي، الباحث التربوي، ضمن حديثه لـ"عربي بوست"، أن الاقتصار وتركيز الاهتمام على لغة أجنبية معينة، وهي الفرنسية، على حساب لغات أخرى أبرزها الإنكليزية والإسبانية، يستلزمان إعادة النظر في الأمر، على اعتبار أن امتداد هذه اللغات في عالم تحكمه اعتبارات اقتصادية تفرض التكيُّف معها والاستعداد لها، خصوصاً مع اقتصادات قوية كالصين وتركيا وبعض دول أميركا اللاتينية الناطقة بالإسبانية.

وأشار المتحدث إلى أن إتقان لغتين أجنبيتين على الأقل، أصبح ضرورة مُلحّة بالنظر إلى متطلبات الانفتاح على العالم والاندماج في سوق الشغل، لافتاً إلى أن هذه الفرص تجعل التلاميذ بحاجة لتعلم اللغات.

علامات:
تحميل المزيد