(التعليم كالماء والهواء) عبارة أطلقها عميد الأدب العربي طه حسين ليوجّه الاهتمام إلى ضرورة التعليم لأي أمة تبغي التقدم، بل تبغي الحياة.
طبعاً لم يكن يقصد عميد الأدب العربي بالتعليم ذلك النوع الرديء الذي يركز كل اهتمامه على أدنى درجات التعلم وهي (التذكر)، ويقوم على حشو أدمغة الطلاب بمعلومات دون فهم أو تحليل أو نقد، فهذا النوع لا يصح أن نطلق عليه (تعليماً) أصلاً.
ما الفائدة من تعليم تنفق عليه الدولة المليارات سنوياً ويضيع فيه الطالب سنوات عمره، ثم يخرج للمجتمع لا يجيد حرفة ولا يتقن صنعة ولا يقدم ابتكاراً؟!
فما الفائدة من تعليم لا تكون مخرجاته كوادر علمية يحتاجها المجتمع، وتبني حضارته وتعمل على تقدمه، ولا يزود الوطن بما يحتاجه من كوادر وعلماء في شتى المجالات..ينهضون بالوطن ويقدمون إضافة للبشرية؟
– التعليم الحالي ليس كالماء والهواء إطلاقاً، بل ليس لنا حاجة به، ولو أن عميد الأدب العربي بيننا ما نادى ولا طالب بمثل هذا.
(أمة في خطر) A Nation at Risk عنوان تقرير قدمه الكونغرس الأميركي إلى الرئيس الأميركي ريغان عام 1983 حين سبق الاتحاد السوفييتي أميركا في مجالات مثل الفضاء والأسلحة النووية في القرن الماضي، وكذلك بعد ضعف القدرة التنافسية للطلاب الأميركان بالمقارنة بدول أخرى، كان التقرير بمثابة صدمة وصرخة مدوية هزت المجتمع الأميركي بالكامل فاستشعر الخطر الداهم.
بناء على هذا التقرير انطلق العمل الجاد لإصلاح النظام التعليمي، وعلى رأسه المعلم، ثم المناهج ونظم الامتحانات في الولايات المتحدة حتى لحقت أميركا وسبقت وأصبحت كما نرى.
هنا القاهرة .. 2017.. لم نستشعر أي خطر بعد!
طفل في الصف الثاني الإعدادي قال لي وهو يحاورني إنه رفض الذهاب مع أسرته إلى المدينة المجاورة، ولما سألته عن السبب أجاب بأن بها مدرسته، وأنه سيضطر أن يمر أمام سورها، وهو لا يحب أن يراها؛ مع العلم أنه طالب متفوق (بمعايير التعليم الحالية) والمدرسة هي مدرسة لغات، فكيف حال المدارس الأخرى!
طفل متفوق في مدرسة لغات كيف أوصلتموه لأن لا يطيق مجرد المرور أمام مدرسته.. (يا ولاد الإيه! إزاي عرفتوا تعملوها دي؟!).
– عرف البعض جودة التعليم بأنها "ما يجعل التعليم متعة وبهجة".
الحق أقول لكم: إن العديد من القيادات يتحدث عن جودة التعليم وأهمية تطويره، والحق أيضاً أن النتيجة هي مزيد من التدهور في هذا المجال.
الحقيقة أن المئات من رسائل الماجستير والدكتوراه بحثت في جودة التعليم وأهميتها ومعوقاتها وكيف يمكن تطبيقها في المؤسسات التربوية، والحقيقة أيضاً أن هذه الرسائل لم تخرج عن كونها مجرد أبحاث تمتلئ بها أرفف المكتبات، واقرأ هذه الأخبار من صحف معروفة خلال الثلاث سنوات الأخيرة:
(في مؤشر جودة التعليم.. مصر بالمركز قبل الأخير و"قطر وإسرائيل" بالمقدمة).
جريدة الوطن 24/10/2015
(مصر رقم 139 من 140 دولة في مؤشر جودة التعليم).
جريدة الفجر 27 أغسطس/آب 2016
قد تعتقد أن هذه التقارير ومثلها من تقارير دولية ذات ثقة وموثوقية قد أحدثت أثرها، ورفعت حالة الطوارئ لمواجهة هذه الكارثة الماحقة والطامة الكبرى التي من شأنها تدمير أجيال قادمة، فتفاجأ أن الانهيار يتزايد في 2017 وتقرأ الخبر الآتي:
(كشف مؤشر جودة التعليم الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي بـ"دافوس"، عن خروج مصر من الترتيب العالمي للتعليم) جريدة فيتو 7 مايو/أيار 2017.
أما عن ترتيب الجامعات المصرية، فوفقاً لموقع تصنيف الجامعات "the world university ranking" تحتل الجامعات المصرية موقعاً متأخراً عن باقي الجامعات العالمية وبعض الجامعات العربية، حيث جاء ترتيب الجامعات المصرية بعد 800 جامعة حول العالم.
– ماذا يمكننا أن نفعل حتى نستشعر الأخطار المحيطة بالوطن جراء تدهور التعليم، ونوقن بأن أي تقدم أو تنمية لا يمكن أن ينجح أو تنجح مع وجود نظام تعليمي كل ما فيه عتيق؟ وماذا يمكننا أن نفعل حتى نعي بأن التعليم هو أكبر مشروع استثماري ولا يمكن بناء أي وطن أو النهوض بأي أمة إلا بتحقيق جودة التعليم؟
– ماذا يمكننا أن نفعل حتى ندرك أن خطر تدهور التعليم هو أشد بكثير من خطر الإرهاب، وهو قضية أمن قومي من الدرجة الأولى، وهو قضية الأمة الكبرى التي إن أردت توحيد المجتمع على قضية قومية كبرى، كانت هي الأولى؟!
– ميدانكم الأول جودة التعليم، فإن انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر.
من أين نبدأ؟
(التعليم حق لكل مواطن.. وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية).
المادة 19 من دستور جمهورية مصر العربية 2014.
قد تكون البداية في تطبيق مبادئ الدستور.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.