سجينة المدرّج رقم “2”

يمرّ الوقت في حضرته كطفل في السّنتين يتهجّى حروف خطواته الأولى، تارّة أجدني أتربّص بكلّ كلمة يتفوّه بها كأنّه نبي يجب حفظ كلماته المقدّسة، تارّة أدوّن النعوت التي تدلّ على حالتي المزفّتة بحضرته، أفعل هذا عن قصد حتّى لا أضطر لرفع رأسي عن الورق فيعميني النور الذي ينبثق من وجهه الكريم، وتارّة أخرى أحْبِك خطّة مواجهته بأفكاري، لكني للأسف لست على قدر من البسالة حتّى أتحدّاه بذلك، ولو أن الشجاعة هاهنا محضُ بله.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/13 الساعة 04:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/13 الساعة 04:14 بتوقيت غرينتش

يظل يدوّن -كدأبه كلّ حصّة- عنوان المادّة التي يدرّسها لنا؛ لينكبّ لاحقاً على إلقاء محاضرة تخصّ مجالاً آخر أكثر حيويّة بالنظر للواقع.. لكن أكثر ابتذالاً بمعيّته.. يتمحور خطابه حول كلمة واحدة: "الهدف"، ما تعريفه؟ ما خصائصه؟ هل نملك نحن الطلبة هدفاً في حياتنا؟ والأهمّ، هل هذا الهدف يحقّق ربحاً مادّياً كثيفاً؟ للإجابة عن هذه الأسئلة يجد بعض الطلبة أنفسهم محطّ هزء وسخرية من الجميع؛ لأنّ الأستاذ الفاضل يستدعيهم استفساراً، لا لإشراكهم في المحاضرة عن طريق التصحيح الآني للمفاهيم كنوع من البيداغوجية التعليمية، بل لإذلالهم وممارسة مهنة "العارف بكلّ شيء" المقيتة.

لم أسلم أنا أيضاً من التجربة، ناداني بصاحبة الحجاب وأضاف: "هيّا لنرَ كيف يفكّر المحجّبات أيضاً!" كيف سيكون تفكيرنا بحقّ الله؟ ماذا كنتُ سأجيبه مثلاً؟ هدفي دخول الجنّة بإذن الواحد الأحد أم أعتذر عن الإجابة لأنّ بعض خلايا دماغي عُطّلت بدعوى الحجاب؟ دار في ذهني أن أتظاهر بأنّي لم أفهم أنّه يقصد شخصي فالفّت يمنة ويسرة، لكنها بدت لي فكرة مستهلكة ستجرّ عليّ الويلات.. فارتأيتُ أن أقوم بأقل الأضرار، طبعاً كانت إجاباتنا أرضاً خصبة لإشهار غروره.. فالهدف، بالنسبة له، أيّاً كان متعلّق فحسب بالكسب المادي الذي سيدرّه على صاحبه.. لا عجب إذاً من كون النجاح في مادّته من عدمه رهيناً بتحقّق شرطين: شراء كتابين من كتبه بمبلغ يعادل في الغالب ثلث الدّخل الشهري للطالب ثمّ أن تكون -طبيعةً- متمتّعاً بحظّ لا بأس به؛ لأنّ الأستاذ الفاضل يضع النقط "سبهللة" بلا تصحيح فعليّ.

يمرّ الوقت في حضرته كطفل في السّنتين يتهجّى حروف خطواته الأولى، تارّة أجدني أتربّص بكلّ كلمة يتفوّه بها كأنّه نبي يجب حفظ كلماته المقدّسة، تارّة أدوّن النعوت التي تدلّ على حالتي المزفّتة بحضرته، أفعل هذا عن قصد حتّى لا أضطر لرفع رأسي عن الورق فيعميني النور الذي ينبثق من وجهه الكريم، وتارّة أخرى أحْبِك خطّة مواجهته بأفكاري، لكني للأسف لست على قدر من البسالة حتّى أتحدّاه بذلك، ولو أن الشجاعة هاهنا محضُ بله.

الأساتذة كهذا النموذج الذي لا شك أنه مستفحل في جميع الجامعات ببلادنا، في حين ننتظر أن نتلقّى رسائل أخلاقية -علاوة على العلمية- نصطدم بأشخاص مهنة التعليمُ منهم براء.. يجب أن نتقبّل فكرة ضرورة اللجوء إلى التعليم الذاتي تماماً كما يجب عليّ أن أواجه جبني وأتغيّب عن حصص أشباه الأساتذة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد