لماذا يجب معادلة الشهادات الجامعية في تونس لبعض “المثقفين”؟

هذا الوضع وأكثر خلّف عدم مصداقيّة في أكثر الشهادات المعطاة، وغيّب عناصر الكفاءة والقدرة والأهلية العلميّة، ممّا أغرق -سوق الشغل- بكمّ من الإطارات والجامعيين لا يفقهون شيئاً في مِهنهم وغير قادرين على - ملء أماكنهم- ولا على تقديم إضافة تذكر.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/02 الساعة 06:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/02 الساعة 06:01 بتوقيت غرينتش

إنّ كثيراً من الشهادات العلميّة والتحصيليّة التي يحملها معظم المثقفون المتحكمون في مفاصل الثقافة والإعلام والتعليم في بلادنا تونس هي محلّ كثير من الشّكوك والرّيبة، على الأقلّ بمرجعيّة التاريخ الاجتماعي، واستقراء حال التعليم وما شابَه من تردٍّ ومحسوبيّة وغياب للتقييمات العلميّة طيلة العقود الفارطة.

ليس من الخفيّ، ولا من الجديد، أن يُذكر أنّ تلك العقود، خصوصاً الأخيرة، كانت تشكو تصحّراً فكرياً وانعداماً لكل أسباب الثقافة الفعليّة، إضافة إلى برامج تعليميّة فاشلة، وسياسة ممنهجة لإفراغ التعليم من محتواه، واختطافه عن رسالته السّامية، وبالتالي خلق أجيال فارغة العقل، تفتقر إلى أدنى متطلّبات العلوم والمعارف المؤهّلة لشغل أيّ وظيفة، أضف إلى ذلك تفشّي المحسوبيّة، وظاهرة التعليم الموازي، وبعث المؤسسات التعليميّة الاستثماريّة التي يديرها غالباً المتمكّنون من أهل التعليم والمتنفّذون ممّن والاهم واستحلّ الثقافة والتعليم ليوظّفها في بورصة المال والأعمال …

كما أنّ السّاحة الثقافيّة والإعلاميّة والتعليميّة تقريباً كانت -وما زالت- حكراً و(توريثاً) بيولوجيّاً وأيديولوجيّاً فقط لجماعات اليسار الاستئصالي، ومجموعات الفرنكوفونيين، والتغريبيين الذين سعوا بكل ما لديهم من سلطة أدبيّة ومادّية على تصفية وإقصاء كلّ من خالفهم وترصّده في كل مراحل التكوين والرسكلة، والبحوثات، وخصوصاً في فرص التقييمات، والامتحانات والشّهائد التي كانت في أكثرها، وبالأخصّ ذات الرّتب العالية تمرّ عبر بوّابات المحسوبيّة والتدخّلات، وأيضاً المقايضات مع الجنس اللّطيف..!

هذا الوضع وأكثر خلّف عدم مصداقيّة في أكثر الشهائد المعطاة، وغيّب عناصر الكفاءة والقدرة والأهلية العلميّة، ممّا أغرق -سوق الشغل- بكمّ من الإطارات والجامعيين لا يفقهون شيئاً في مِهنهم وغير قادرين على – ملء أماكنهم- ولا على تقديم إضافة تذكر.

ومن هؤلاء النّسيج -المهترئ- نجد عصابات المثقفين وعناوين الإغواء والتغريب التي تؤسس للشذوذات الفكريّة، والجسديّة، التي تتطاول على المقدّسات، وتقول في الهويّة والدين والأخلاق والموروثات الاجتماعيّة بلا هدْي ولا علم، فقط هي تنفث شطحات مجتثة وبالية وتتمارى في استعراض مفاهيم نقضَها العلم والعلماء وأثبت بُطلانها غير أنّه لم يبلغهم ذلك.

ولم يحيّنوا أدمغتهم وعقولهم على وقع التحديثات والثورات العلميّة والأدبيّة الجديدة؛ لتبقى هذه العناوين الكبيرة -في شهائدها- والخاوية في واقعها المعرفي تتشدّق سرّاً وعلانيّة بما رسب في وعيها من بقايا الدفاتر والكتب القديمة، أو يتسابقون في استعراض -"تقشقيش الأحناك"- في بلاتوهات حوانيت إعلام العار، بعد أن ثبت فراغ عقولهم من أي زاد علمي معرفي قويم، ومن بقي في خاطره شيء من الأمل فلينظر نسبة حضور هذه النخب النكبة في المحافل والملتقيات العلمية العربيّة والعالميّة، أو لينظر الترتيب المتدنّي للجامعات التونسيّة (التي يديرها ويرأسها هؤلاء )، حتّى مقارنة بالبلدان الفقيرة.

إنّ أيّ جهد وطنيّ يريد أن يتقدّم بالبلاد والعباد، ويسعى إلى رأب الصّدع الحاصل في أكبر مقوّمات أيّ أمّة وأيّ شعب، مقوّماً الثقافة والتعليم ورافد الإعلام لا بدّ أن يضع النقاط على حروفها ويبادر بطرح وتنفيذ حزمة من الإصلاحات الجوهريّة لعلّ أوّلها مراجعة كفاءة القائمين على رأس هذه المقوّمات وإعادة تقييم السّاهرين على التعليم وبرامجه وتوجّهاته وتجديد طواقم أساسات التعليم ومنابع المعرفة، ثم يوكلها إلى أهلها من ذوي الاختصاص ممّن ثبتت عندهم الكفاء والمقدرة والأهليّة حقّاً.

ملحوظة: " "تقشقيش الأحناك" في اللهجة التونسية تعني تحريك الألسنة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد