يمر الفلسطينيون هذا العام بالذكرى السادسة والسبعين لنكبة 1948، وهو المصطلح الذي يصف مأساة طرد حوالي 750,000 فلسطيني من بيوتهم وأراضيهم عام 1948، ما مهد الطريق لإقامة الاحتلال الإسرائيلي فيها. هذا الحدث، الذي يعتبر بمثابة كارثة للشعب الفلسطيني، لا يزال يلقي بظلاله على صراع الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين المستمر حتى اليوم، إذ يشهد العالم خلال سنة 2024 نفس الأحداث منذ اندلاع حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول سنة 2023.
إن قصص الفلسطينيين عن التهجير والفقدان لم تُروَ فقط من خلال السجلات التاريخية أو الشهادات الشخصية، بل أيضاً عبر العديد من الأعمال الفنية التي استطاعت أن تنقل الوجع الفلسطيني وتحكي قصة النكبة بأساليب مؤثرة ومبتكرة.
في هذا التقرير، نستعرض 5 أفلام عن نكبة 1948 التي تناولت هذه الفترة العصيبة من التاريخ الفلسطيني، مستعرضين كيف أسهمت هذه الأعمال في إحياء الذاكرة الجماعية وتسليط الضوء على الظلم التاريخي الذي تعرض له الفلسطينيون.
هذه الأفلام، التي تعتبر شهادات حية على مرور الزمن، تقدم نظرة عميقة ومتعددة الأبعاد عن معاناة الشعب الفلسطيني وصموده في وجه التحديات المستمرة التي تواجه قضيته العادلة.
وثائقي سنة 1988.. محمد بكري ونكبة 1948
حسب موقع "middleeasteye" فإن فيلم "1948" للمخرج محمد بكري يعد وثيقة بصرية قيمة تسجل شهادات حية لناجين من مجازر النكبة، مثل دير ياسين والدويمة، بالإضافة إلى شهود من مدن أخرى مثل طبريا. يعرض الفيلم تجربة الفلسطينيين الذين تحولوا فجأة إلى لاجئين، ويستكشف آثار هذه الأحداث المؤلمة التي لا تزال تؤثر على الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني.
يعمل بكري على تعزيز الرواية الوثائقية من خلال دمج الأدب والشعر، حيث يتخلل الفيلم آيات من شعر محمود درويش، ما يعكس العلاقة العميقة بين النضال الفلسطيني والتعبير الثقافي. كما يظهر بكري نفسه في لقطات من مسرحيته "المتشائل"، مستعيناً بالسخرية السوداء لتوصيل رسائله.
الفيلم يقدم نظرة شاملة على الطرق المختلفة التي يستخدمها الفلسطينيون للتعبير عن أنفسهم ومقاومتهم الثقافية في وجه التحديات المستمرة. بكري يلقي الضوء على كيفية استمرارية الروح الفلسطينية من خلال الأدب والفن، ويبين الفيلم أنه رغم الظروف الصعبة، يظل الفلسطينيون يحاولون الحفاظ على هويتهم وتاريخهم.
بالإضافة إلى "1948"، قام بكري بإخراج أفلام أخرى تتناول مواضيع متعلقة بالتاريخ والذاكرة الفلسطينية، مثل "زهرة" و"جنين جنين"، مواصلاً تسليط الضوء على القضايا الإنسانية والسياسية التي تواجه الفلسطينيين.
أفلام عن نكبة 1948.. "النكبة" لروان الضامن، وثائقي لسنة 2008
في عام 2008، أخرجت روان الضامن السلسلة الوثائقية "النكبة" التي تقدم تاريخ فلسطين منذ عام 1799 وحتى الوقت الحاضر، مركزة على الأحداث التي أدت إلى طرد الفلسطينيين وإقامة الاحتلال الإسرائيلي في عام 1948. هذه السلسلة، التي أنتجتها قناة الجزيرة وقدمت في أربعة أجزاء، تعتبر وثيقة مهمة تعكس الرواية الفلسطينية لهذه الأحداث التاريخية الجوهرية.
السلسلة الوثائقية "النكبة" حازت إعجاب كبير ونالت عدة جوائز تشمل جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان الجزيرة الدولي للأفلام الوثائقية عام 2009، وجائزة الاختيار الشعبي في مهرجان أمل في نفس العام. تم تقديمها بتنسيق DVD وتم عرضها في مركز ماتاديرو مدريد للخلق المعاصر، ما يؤكد على أهميتها والتقدير الكبير الذي حظيت به عالمياً.
الوثائقي يعرض شهادات وأرشيفات نادرة مقدمة من مؤرخين إسرائيليين وفلسطينيين وبريطانيين، ويسلط الضوء على الظروف التاريخية والسياسية التي أدت إلى "النكبة". يتميز بتغطيته الشاملة للفترة من 1799 حتى عام 1948، مركزاً على الأحداث الحاسمة مثل الاقتراح البريطاني لتقسيم فلسطين والنتائج الإنسانية للنكبة.
بفضل هذه الجوائز والتقدير الدولي، فإن سلسلة "النكبة" لروان الضامن تعد مورداً قيماً للغاية لأي شخص يسعى لفهم أعمق لتاريخ فلسطين وتجربة الشعب الفلسطيني عبر التاريخ، كما أنها تصنف حسب العديد من نقاد السينما كأفضل أفلام عن نكبة 1948.
الزمن الباقي وأفلام عن نكبة 1948
فيلم "الزمن الباقي" لإيليا سليمان، الذي صدر في عام 2009، يعد واحداً من الأعمال الفنية التي تستكشف الذاكرة الفلسطينية وتأثيرات النكبة بأسلوب فريد ومبتكر. يحاكي الفيلم المأساة التي عاشها الفلسطينيون في تلك الفترة، حيث يعالج موضوعات عميقة مثل الاستيلاء على الأراضي وتأثير النكبة على الأجيال المتعاقبة، ولكن بطريقة عبثية تجعل الرسالة أكثر تأثيراً وقابلية للتفكير.
الأسلوب الفني الذي يتبعه سليمان يمتاز بالدقة والتفصيل، حيث يقوم بتجسيد أحداث تاريخية واقعية بطريقة تجعل الجمهور يتأمل في العواقب الطويلة الأمد للظلم. على سبيل المثال، يظهر الفيلم كيف استخدمت قوات الاحتلال الإسرائيلية الكوفيات لخداع الفلسطينيين، وهو ما يعكس الطرق المتعددة التي تم بها تضليل وتهجير الفلسطينيين.
"الزمن الباقي" لا يقتصر على كونه تجربة سينمائية تقليدية بل هو استكشاف لكيفية تعايش الفلسطينيين مع التراجيديا والكوميديا في حياتهم اليومية تحت الاحتلال. الأداء البارز للممثل صالح بكري والتصوير السينمائي الرائع يعززان من قوة الرسالة الفنية للفيلم.
هذا الفيلم يعد بمثابة دعوة للتأمل في معاناة وصمود الشعب الفلسطيني، كما يعد أحد أفلام نكبة 1948 التي تحاكي المتفرج بواقعية، كما يقدم نظرة فريدة للحياة تحت الاحتلال ويبرز التأثير الممتد للنكبة على الفلسطينيين وهويتهم الثقافية. يُظهر "الزمن الباقي" كيف تواصل المجتمعات المتأثرة بالنكبة العيش والتعبير عن ذاتها رغم التحديات الكبرى.
"فرحة" فيلم عن نكبة 1948 إخراج سنة 2021
فيلم "فرحة"، الذي أخرجته دارين ج. سلام، يعد إضافة بارزة ومؤثرة لسينما القضية الفلسطينية، وقد أثار الفيلم جدلاً كبيراً حتى قبل إصداره، خصوصاً بعد محاولات الحظر من قبل حكومة الإحتلال الإسرائيلي، ما زاد من الاهتمام العام به.
فيلم "فرحة"، المتاح على منصة نتفليكس، يقدم الأحداث التي وقعت خلال النكبة عام 1948، معتمداً على قصة حقيقية أثرت بشكل كبير في سلام خلال طفولتها.
الفيلم يصور قصة فرحة، فتاة فلسطينية تعيش في قرية هادئة، تطمح لتحقيق أحلامها الأكاديمية والمهنية، ولكن تتحول حياتها وحياة من حولها إلى كابوس بعد الاضطرابات العنيفة التي شهدتها القرية. من خلال تصوير قصة فرحة وصديقتها، يعرض الفيلم الآثار المدمرة للصراع على الأفراد والأسر، ممزوجة بلقطات درامية تعكس الألم والمعاناة التي تجتازها الشخصيات.
"فرحة" ليس مجرد فيلم يروي قصة تاريخية، بل هو شهادة على الإرث الذي تتركه الأحداث المأساوية في الذاكرة الجماعية، وكيف يمكن للفن أن يلعب دوراً في حفظ هذه الذاكرة وتقديمها للعالم. النص النهائي للفيلم يؤكد على أهمية نقل هذه القصص للأجيال القادمة، متحدياً الأفكار التي تقول بأن الأجيال القديمة قد تموت والجديدة قد تنسى. بدلاً من ذلك، يظهر الفيلم أن هذه القصص تنتقل من جيل إلى جيل، وتحافظ على حيويتها وأهميتها.
نجاح سلام وتأثير فيلمها يبشر بمزيد من الفرص لصانعي الأفلام الفلسطينيين والعرب لمعالجة هذه القضايا الحيوية بشجاعة وإبداع، مؤكدين على أن الفن يمكن أن يكون وسيلة فعالة للتعبير والمقاومة.
طنطورة آخر الأفلام عن نكبة 1948 إخراج ألون شفارتس
كشف المخرج الإسرائيلي ألون شفارتس عن وجهة نظر تخالف السردية الشائعة داخل الاحتلال بشأن أحداث عام 1948. يبين شفارتس أن العديد من الإسرائيليين يحملون تصوراً مبسطاً يقوم على فكرة أن الفلسطينيين "فروا" خلال تلك الفترة، في حين أن الواقع يتضمن أعمال عنف وإكراه أدت إلى طرد الفلسطينيين من قراهم، مثلما حدث في مذبحة الطنطورة.
يتطرق شفارتس في فيلمه إلى تلك الأحداث من خلال مقابلات مع جنود احتلال سابقين شاركوا في تلك الأعمال. يُظهر الفيلم كيف أن هذه المذبحة لم تكن حدثاً معزولاً، بل جزءاً من سلسلة أعمال عنف أوسع كانت تهدف إلى إحداث تغيير ديموغرافي في الأراضي الفلسطينية عام 1948.
في سياق متصل، يُشير الفيلم الوثائقي للمخرجة الأمريكية-الفلسطينية هالة جبريل يحيى، "ليلة في طنطورة"، إلى نفس الأحداث من منظور آخر، مع التركيز على شهادات الناجين من الطنطورة والتي تؤكد على النقل الشفهي لهذه القصص عبر الأجيال. على الرغم من أن فيلم يحيى لم يحظ بنفس الانتشار أو الاهتمام الذي حظي به فيلم شفارتس، إلا أنه يمثل جزءاً مهماً من جهود توثيق الرواية الفلسطينية.
كلا الفيلمين يسلط الضوء على الأهمية البالغة للحفاظ على ذاكرة الأحداث التاريخية وضرورة الاعتراف بالتجارب المؤلمة التي مرت بها الجماعات المتأثرة بالنكبة. هذه الأفلام تسهم في تعزيز الوعي العام والفهم الأعمق لتعقيدات الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وتؤكد على أهمية المحافظة على السرديات الشخصية والجماعية في مواجهة محاولات النسيان أو الإنكار.