انتشر العديد من مقاطع رقصة أحيدوس الأمازيغية المغربية على منصات التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت تتصدر التريند في كل من اليمن والسعودية والعراق والمغرب، بالإضافة إلى عدد من الدول الأخرى؛ إذ تعتبر رقصة أحيدوس واحدة من أشهر الفلكلور الشعبي المغربي الذي يعود إلى العديد من القرون.
أحيدوس تراث موسيقي ينبعث من قلب جبال الأطلس
تعد رقصة أحيدوس واحدة من فنون العرض البارزة في تراث الثقافة الأمازيغية. تجمع هذه الفنون بين الغناء والرقص الجماعي الاستعراضي، وتنتشر بشكل رئيسي في جبال الأطلس المتوسط بالمغرب، خاصة في مناطق مدن إفران، أزرو، خنيفرة، الحاجب، إيموزار كندر، وصفرو، إلى جانب المناطق الجنوبية الشرقية من المملكة، وتحديداً في جبل صغرو.
تتميز هذه الرقصة بأدائها الجماعي، حيث يصطف الرجال والنساء على شكل خطوط أو دوائر، وتكون جزءاً لا يتجزأ من حفلات الزفاف والمناسبات الاجتماعية الأخرى كوسيلة للترفيه والاحتفال.
تمثل رقصة أحيدوس الأمازيغية مزيجاً فريداً من العناصر الموسيقية والشعرية والراقصة، وهي تعبر عن الجمال والحياة الجبلية الغنية بالمياه والطبيعة الخضراء والمنابع. يتغنى الرقص الأمازيغي بالجمال بكل أشكاله، سواء كان ذلك جمال الطبيعة أو جمال الإنسان، كما يعكس قوة وشجاعة القبائل ونضال نسائها ورجالها.
رغم مرور القرون، فإن فن أحيدوس لا يزال يحتفظ بتقاليده وإيقاعاتها الخاصة، وشكله الدائري الذي يجمع بين الرجال والنساء كرمز للفرح والاحتفال بالحياة الجبلية والزراعية في تلك المناطق الخلابة.
التاريخ أعرق أشكال الفرجة الغنائية
حسب موقع "indyturk" التركي تشتهر رقصة أحيدوس، والمعروفة أيضاً باسم "أحيداس" أو "إحيداس"، بخفة حركتها وسرعتها، وتتميز بتأرجح الأكتاف أثناء الرقص. يعتبر هذا الاسم الأصلي للرقصة شائعاً بين الأمازيغ وسط المغرب، حيث يعبر عن الطابع الجماعي والاستعراضي للرقصة.
لم يحدد المؤرخون تاريخاً محدداً لظهور كلمة "أحيدوس"، حيث يعود أصلها إلى عمق تاريخ الرقصة نفسها. انتقلت الكلمة شفهياً بين قبائل جبال الأطلس المتوسط، حتى تم توحيد تسميتها تحت هذا الاسم المعروف بها اليوم.
يعتبر رقص أحيدوس واحداً من أعرق أشكال الفرجة الموسيقية والغنائية في التراث الشعبي المغربي، بحسب بعض المؤرخين والباحثين. يعود هذا الاعتبار إلى عوامل متعددة، أولها هو امتداد الحضور الأمازيغي في تاريخ المغرب لأكثر من ثلاثة وثلاثين قرناً.
والثاني يتعلق بالوصف الدقيق الذي تحمله الأشعار التي يُغنى بها في الأحيدوس، والتي تُورث شفهياً من جيل إلى جيل، وتصوِّر جوانب من الحياة القديمة في المغرب.
يظهر فن الرقص الأمازيغي في منطقة الأطلس المتوسط الأمازيغية منذ عصور قديمة، حيث ارتبط بالوسط الطبيعي والجغرافي لإنسان الأطلس المتوسط، مع تواجد الغابات والمياه والأراضي الزراعية والجبال الخضراء والمنابع. يتميز هذا الفن بتشكيل دوائر من الرجال والنساء، ويُعتبر تعبيراً عن الفرح والاحتفالات التي ترافق حياة الناس في الجبال والأراضي الزراعية.
يتميز الأحيدوس بالرقصات الجماعية والتعابير الجسدية، التي تُعبِّر في بعض الأحيان عن المساواة بين الجنسين، حيث تشارك النساء في الفرق الفنية بنفس القدر الذي يشارك به الرجال، وتظهر في الواجهة أحياناً.
وفيما يتعلق بالموسيقى، يستخدم البندير (الدف) بشكل رئيسي في الإيقاع، ويتممه الدق على الأكف، بينما تُقدِّم فرقة الأحيدوس لوحات موسيقية وحركية متناسقة، بإشراف رئيس الفرقة أو المايسترو.
أما بالنسبة للأزياء، فإن الملابس المستخدمة تعكس طبيعة الحياة في الأطلس، حيث يرتدي النساء قفاطين ملونة بألوان الفرح والبهجة، بينما يُعتمد على الجلابيب البيضاء للرجال، مع عمامات من نفس اللون، ويُكمَّل الزي بالأحذية التقليدية وأحياناً بحمل خنجر من الفضة.
قصة الرقصة الأمازيغية
عند النظر بعناية إلى رقصة أحيدوس، يمكن اعتبارها وحدة فنية شاملة قابلة للتقسيم إلى فواصل حركية صغيرة، حيث تتكون كل فاصلة من مجموعة من الحركات التي ينفذها الراقصون بتناغم وتوافق مع نغمات وإيقاعات الشعر المختار أثناء الرقص والغناء.
يتم تحديد المراحل والانتقالات بإشارات من "الرايس" أو رئيس الفرقة، الذي ينقر بنديره لتحديد النغمة التالية بشكل سريع وحاسم. بعد ذلك، يأتي تسلسل جديد من الحركات، مما يظهر أن أحيدوس هو سلسلة مترابطة من الحركات التي تتفاعل وتتكامل معاً لتحديد مسار الفن والأداء.
وتعتبر الحركات المكونة للرقص أحيدوس العنصر الأساسي والأهم في هذا الفن، حيث يكمن جمال وروح الأداء في تناغم هذه الحركات واتساقها مع الإيقاع والموسيقى. فإذا اختلت هذه الحركات أو فقدت تناغمها، فإن ذلك سيؤدي إلى فقدان الهوية الفنية أحيدوس واندثاره، حيث يعتبر الحفاظ على هذه الحركات وتناسقها أساساً لا غنى عنه لاستمرارية هذا الفن الشعبي البارز.
الشعر المستخدم في الرقصة الأمازيغية
رقصة أحيدوس تعد مجالاً للتعبير الشعري والمسابقة بين "نظّام" الكلام، حيث يتنافس الشعراء في إظهار مهاراتهم وفنونهم، ويعكسون العلاقات الاجتماعية المحكومة بالتوتر والمنافسة. يتجلى هذا التنافس في استخدام الكلمة كأداة لإظهار الهيبة أو للحصول على الاحترام.
في بداية كل رقصة من رقصات أحيدوس، يتولى شخص أو شخصان متخصصان في الشعر وحفظه وإتقانه، إلقاء "إيزلي"، والذي يتألف من بيتين شعريين يختلف مفهومهما حسب المناسبة. تتميز كلمات الإيزلي بالبلاغة والغنى بالرموز والصور والألغاز، مما يميزها عن الكلام العادي.
يتم ترديد البيتين باللغة الأمازيغية بعد الإنشاد الفردي أو الثنائي، ثم يتم ترديدهما بصوت المجموعة بشكل جماعي على إيقاع واحد حتى نهاية الفقرة. ويتم التبديل بين مجموعات الرجال والنساء في الغناء بشكل منسجم وتناسق، حسب نوعية أحيدوس ونوع المناسبة.
تستمد أشعار أحيدوس وكلماتها من الحياة اليومية للإنسان الأطلسي، وقد تتعدى هذه المواضيع الجغرافية لتشمل أحداثاً وطنية وجهوية ودولية أيضاً. وتعد الرقصة في الأصل فرصة للتطهير وتفريغ العدوانية، حيث يظهر التنافس الشعري كأداة للتسامي الشخصي والجماعي، وغالباً ما تنتهي الرقصة بأشعار تطلب الغفران والمسامحة، مما يجسد تحول الصراع إلى تسامح ومصالحة.
ألحان الرقص الأمازيغي والمايسترو
على صعيد اللحن، تتميز أغاني رقصة أحيدوس الأمازيغية بالنغمة المتواترة التي تحافظ على الرتابة بطريقة تجعلها غير مملة، حيث يتم تثبيت اللحن منذ البداية بواسطة لازمة صوتية بسيطة خالية من الكلام والمعنى.
فيما يعتبر المايسترو أو قائد الفرقة في رقصة أحيدوس هو الشخص الذي يدير ويوجه الأداء والإيقاعات في الفرقة. يقوم بتغيير درجات الإيقاع بتوجيه من يده ومن خلال ضرباته على الدف "تالونت". وعلى الرغم من أن اللقب المستخدم لهذا الشخص يُطلق عليه بالعربية "الرايس" أو "الرئيس"، إلا أن الأمازيغ يستخدمون أيضاً لقب "أعلّام" للإشارة إلى دوره الذي يتولى فيه توجيه الفرقة وتحديد بداية ونهاية الأداء، بالإضافة إلى توجيه تغييرات الإيقاع والأداء.