في يوم 25 أبريل/ نيسان 2023، أعلنت الصحف المصرية القبض على هناء محمد حسن، سيدة مصرية من محافظة الشرقية، وهي في العقد الرابع من عمرها، وتم توجيه إليها تهمة بشعة، أثارت الرأي العام حينها، وهي قتل ابنها وتقطيعه والأكل من جسده.
تلك القصة، كانت واحدة من القصص التي ظهرت ضمن جرائم الجن في المداح أسطورة العودة، المسلسل الذي يذاع في شهر رمضان 2024. فالجرائم التي جاءت بحلقات المسلسل، وكانت صادمة للمتابعين، لم تكن إلا جزءاً يسيراً من الواقع الحقيقي، فهي جرائم حقيقية بالفعل.
هنا نعدد أبرز تلك الجرائم، ونرصد الأبطال الحقيقيين لتلك القصص التي أثارت الرعب في منازل الشعوب العربية المتابعة للمسلسل.
عائشة.. وصدمة الحلقة الثالثة من المداح أسطورة العودة
بحسب الكثير من الآراء التي يتم تداولها عن مسلسلات رمضان، فإن مسلسل المداح أسطورة العودة (الجزء الرابع من سلسلة المداح)، يحظى بمشاهدة واسعة حول العالم العربي، وكما اعتاد صناع العمل الفني بفرض الغموض والإثارة على المسلسل، فقد شهدت الحلقة الثالثة من مسلسل "المداح 4- أسطورة العودة" تصاعداً مثيراً للأحداث، وكانت الصدمة مع "عائشة"، ابنة خالة "صابر المداح" وأخته في الرضاعة، في منزلها، حيث تظهر أنها قتلت ابنتها وطبختها، وهو ما أثار الرعب درامياً مع المقربين من عائلة المداح وخوفهم من الجن، وفي ذات الوقت لدى المشاهدين.
لم يتوقع الكثيرون أن تلك الجريمة هي جريمة حقيقية بالفعل، وأن صناع المسلسل لم يقتبسوا إلا جزءاً من الحقيقة البشعة للجريمة، خصوصاً أنهم أوجدوا مبرراً درامياً للجريمة، باعتبار أن الأم كانت مغيبة عن الوعي، وتحت تأثير الجن الذي أمرها بفعل تلك الجريمة، وهو الأمر الذي لم يتوفر للأم الحقيقية التي تجرأت وأكلت من جسد طفلها.
كان هناك بعض الاختلاف في تفاصيل الجريمة، فالضحية في المسلسل كانت بنتاً صغيرة، أمام في الواقع فكان طفلاً، وكذلك اختلاف النهاية للأم، ففي المسلسل قامت بالانتحار دون محاكمة، وهو خلاف ما حدث في القصة الحقيقية.
"أغلقت مداخل ومخارج الشقة جيداً، وأخذت شومة خشب، واتجهت بهدوء حتى وصلت إلى مكان طفلها الذي لم يكمل عامه الخامس، وبدون تردد، ضربته علي رأسه بـ3 ضربات متتالية، فارق بسببها الابن الحياة، ولم تتوقف عند ذلك فقد قامت بتمزيق جسده بالكامل".. هكذا أقدمت هناء، ربة المنزل، على إنهاء حياة طفلها، وعقب ذلك أخذت تأكل أجزاء منه بعد طهيها في منزلها في محافظة الشرقية بدلتا مصر.
وأفادت المعلومات التي نشرت، على نطاق واسع حينها، بأنها قامت بطبخ أجزاء منها، وبالتحديد رأس الصغير، وتم ضبطها والتحفظ عليها تحت تصرف جهات التحقيق، فيما تم التحفظ على ما تبقى من جثة الصغير.
وأظهرت التحقيقات أن المرأة منفصلة عن زوجها منذ نحو ثلاث سنوات، وأنها كانت تعيش رفقة ابنها في منزل بقرية أبو شلبي التابعة لمركز شرطة فاقوس، وأنها حين انتهت من الذبح أخذت في سلخ الرأس وتقطيع اللحم إلى أجزاء صغيرة طهت بعضها وأكلت منها وشربت من شُربتها، على حد وصف اعترافاتها أمام جهات التحقيق، وهي تفاصيل لم يتطرق لها مسلسل المداح لفظاعة المشاهد، وإن كان تم التلميح لها، وتم تحويل هناء إلى محاكمة سريعة لم تستغرق سوى 5 شهور، حيث نفذت الجريمة في أبريل/نيسان 2023، وصدر الحكم النهائي بحقها في سبتمبر/أيلول 2023.
جرائم الجن في المداح.. وقصة هناء الحقيقية
خلال جلسات المحاكمة كشفت الأم تفاصيل قتلها لطفلها خلال جلسة محاكمتها بمحكمة، مؤكدة تعرضها لسحر جعلها ترتكب هذه الجريمة، إذ قالت إنها تعرضت لسحر تسبب في ارتكابها جريمتها وتوجب عليها فعل أي شيءٍ لفكه والخلاص منه. وأضافت المتهمة أن أحد الشيوخ أكد لها أنها تعرضت لسحر ويتوجب عليها فعل أي شيءٍ لفكه والخلاص منه، خصوصاً أنها تتعرض لبعض الأشياء الغريبة والمريبة، مؤكدة أنها شعرت بالراحة بعد قتل طفلها وطهيه.
وخلال محاكمتها، تم إيداع هناء لمدة 45 يوماً بمستشفى الأمراض النفسية بقرار من المحكمة، وأكد التقرير الطبي في هذا الشأن عدم سلامة قواها العقلية، وهي غير مسؤولة عقلياً عن جريمتها، لذلك صدر الحكم النهائي بحقها، وقضت المحكمة ببراءة الأم من تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد كونها تعاني من آفة عقلية وغير مسؤولة عن أفعالها وقت ارتكاب الجريمة، وتضمن الحكم إيداع المتهمة مستشفى الأمراض العقلية.
ولم تكن جريمة هناء هي الوحيدة في 2023، إذ قامت أم مصرية أخرى من محافظة الإسكندرية، بتعذيب ابنتها ومنعت عنها الطعام، وقامت بالتعدى عليها وتكبيلها من الأيدي والقدم، ووضعت قطعة قماش فى فمها لتمنعها من الاستغاثة، لتراضي عشيقها الذي خطط ورسم لها خطتها، للتخلص من طفلتها التى لم يتجاوز عمرها 7 سنوات.
وبعد قتلها لابنتها، وضعتها فى بطانية ملفوفة، وألقت بها أسفل كوبري على ترعة المحمودية، وبحسب ما نشرته اليوم السابع في تقريرها عن الحادث في شهر سبتمبر/أيلول 2023، فإن الأم كان عمرها 30 سنة وكانت على خلاف مع زوجها وهربت وبصحبتها أطفالها، ولكن في تلك القضية قضت المحكمة بالإعدام لأم وعشيقها.
شقيقة المداح تقتل أمها وتهرب من مستشفى الأمراض العقلية
ومن الجرائم المثيرة للجدل التي جاءت في مسلسل المداح، هي قيام هبة (الفنانة هلا السعيد) شقيقة صابر المداح، بقتل أمها في الجزء الثالث من المسلسل، ثم تكمل قصتها مع الحلقات الأولى للجزء الرابع، حيث هربت من مستشفى الأمراض العقلية التي قد تم إيداعها به.
وبحسب دراما المسلسل، فقد كان الدافع أيضاً هو تحكم الجن بها، وجعلها تقوم بجريمتها من أجل عقاب صابر، والضغط عليه للاستجابة لأوامر الجن، وتنفيذ تهديدهم بأن كل المحيطين به سوف يكونون في خطر إذا لم يتوقف عن محاربة الجن.
تلك الجريمة، هي أيضاً مستوحاة من قصص حقيقية داخل المجتمع المصري، إذ استعان كتاب المسلسل بقصة جريمة نورهان خليل، والتي تبلغ من العمر 20 عاماً، وهي الفتاة التي قامت بقتل والدتها بمحافظة بورسعيد غرب مصر، في ديسمبر/كانون الأول 2022.
وبحسب ما نشر من تفاصيل جريمة القتل، فإن الجريمة تمت بعد ضبطها متلبسة في وضع مخل مع جارها الشاب الذي يصغرها بسنوات، وقد توسلت الأم لابنتها وقاتلها بأن يتركاها قليلاً لتنطق الشهادة قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة.
وكشفت التحقيقات أن الابنة تمت خطبتها لشاب من أبناء المدينة حيث تقطن العائلة قبل شهور بعد قصة حب، واشتركت الأم البالغة من العمر 42 عاماً، في عدة جمعيات مالية لتدبير نفقات تزويج ابنتها وإعداد منزل لها ولخطيبها، كما تبين أن الابنة كانت تخون خطيبها مع جارها الشاب الصغير الذي يبلغ من العمر 16 عاماً والذي كان يتردد على شقتها في غياب والدتها حتى ضبطتهما الأم مؤخراً، ولذلك قررا قتلها حتى لا يفتضح أمرهما.
وتبين من التحقيقات أيضاً أن الابنة قامت بسكب الماء المغلي على جثتها للتأكد من وفاتها، وهي تفاصيل لم يقتبسها صناع المسلسل بالكامل، إذ كانت جريمة هبة هي قتلها داخل منزلها أثناء نومها، وكان الجن هو الدافع للجريمة، وبعد أقل من 3 أسابيع، وتحديداً في 14 يناير/كانون الثاني 2023، أصدرت محكمة مصرية حكماً بالإعدام بحق فتاة بورسعيد.
وقد سبق تلك الحادثة، جريمة أخرى مشابهة، وتحديداً في فبراير/شباط 2017، بحسب ما نشرته صحيفة "الوطن" المصرية، عندما استيقظ أهالي مدينة شبرا الخيمة، بمحافظة القليوبية، على جريمة قتل محام لوالدته، أثناء أدائها صلاة الفجر داخل منزلهما بعد إصابتها بجرح قطعي بالرأس وكدمات متفرقة بالوجه.
وبينت التحريات أن المتوفاة ترتدي كامل ملابسها ومسجاة على سجادة الصلاة بأرضية حجرة النوم، وأن المتهم كان متزوجاً ولديه طفلان، وانفصلت عنه زوجته وتركته بسبب إصابته بمرض نفسي يسمى "اضطراب وجداني ثنائي القطب" منذ أكثر من 12 عاماً، وهو المرض الذي تم ذكره عدة مرات داخل مسلسل المداح على لسان الأطباء النفسيين.
المداح تعيد للأذهان جريمة بني مزار الشهيرة
شهدت الحلقة التاسعة من مسلسل المداح العديد من الأحداث التي نجحت في تحقيق ردود فعل قوية جداً على مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث، وكان أبرزها جريمة قتل 12 شخصاً من أسرة واحدة، بينهم 5 أطفال، وهو ما أعاد للأذهان جريمة بني مزار الشهيرة عام 2005، وهي التي حدثت في إحدى مدن صعيد مصر، ومازال الغموض حول الجريمة يتردد إلى اليوم، خصوصاً مع عدم تحديد الجناة، والظروف البشعة في تنفيذ الجريمة.
وخلال المسلسل أظهرت المشاهد قيام إحسان بقتل عائلة جيرانه، المكونة من 12 شخصاً، ويكشف إحسان أن زوجته أخذت أولاده، وأهله أخذوا ورثه، وفقد وظيفته، فذهب لعرافة من أجل كتابة عمل له بالرزق، وبدأت تطلب طلبات، وهي اسمها عزيزية بنت محمود وتتواجد في مقابر أوسيم، إحدى مدن محافظة الجيزة، وهي الجريمة التي مازالت تدور حلقات المسلسل حولها، وفي انتظار ما تسفر عنه دراما المسلسل.
وبحسب ما نشرته صحيفة اليوم السابع المصرية من تفاصيل الجريمة، فإنها خاصة بمقتل 10 أشخاص فى مذبحة دموية، وتحديداً في 29 ديسمبر/كانون الأول 2005، استيقظ أهالي عزبة شمس الدين التابعة لمركز بني مزار بمحافظة المنيا، على مذبحة لا تزال عالقة في أذهان أهالي القرية حتى وقتنا هذا، لم تكن غرابة تلك القضية في أن الفاعل لا يزال مجهولاً حتى كتابة تلك السطور، ولكن أيضاً في طريقة ارتكاب هذه الجريمة الوحشية التي راح ضحيتها 10 ضحايا من 3 عائلات مختلفة، كان قد قطع فيها الجاني أعضاءهم التناسلية.
تحقيقات النيابة كشفت أن الجاني ذبح ضحاياه باستخدام السكاكين، بجرح قطعى ممتد منتصف الرقبة إلى أسفل الأذن، وأن كل الضحايا قتلوا بنفس الطريقة وحتى الأطفال، وهو ما حدث في المداح، ولكن في الحقيقة فقد مثل الجاني بجثث الضحايا، وانتزع الأعضاء التناسلية لهم ذكوراً وأناثاً، وقد انتشرت الشائعات بأن الجاني عثر على كنز كبير أسفل القرية وحاول الوصول إليه إلا أنه فشل، فقرر الاستعانة بالجن الذي طلب 5 أعضاء تناسلية لرجال و5 للنساء والأطفال و5 رؤوس لحمامات قرباناً.
وفي 2006، أعلنت السلطات المصرية عن ضبط شاب يعاني من مرض نفسي، بعد إجراءات سريعة من قبل جهات التحقيق، وجاءت النهاية بشكل أثار الغموض والاستغراب في آن واحد، فقد أسدلت محكمة الجنايات الستار على القضية، بقضائها ببراءة عبد اللطيف مما نسب إليه من اتهامات، وأوضحت فى حيثيات حكمها أسباب ذلك، بأن هناك تناقضاً بين اعتراف المتهم بارتكاب المذبحة بسبب معاناته من اضطراب نفسي، وتقرير اللجنة الطبية النفسية، الذي أكد سلامة قواه العقلية، واستحالة قيامه بذبح 10 أشخاص خلال ساعتين ونصف الساعة.
وقد شهد المجتمع المصري جرائم مماثلة خلال الأعوام الخمسة الماضية، وكان منها ذبح أسرة كاملة من 3 أفراد، أم وزوجها وطفلة رضيعة، وذلك في بداية 2020، وهي جريمة تمت بعد أقل من أسبوع على جريمة مقتل أسرة أخرى مكونة من خمسة أفراد، بينها طفلةٌ عمرها عام ونصف العام في مدينة الرحمانية بمحافظة البحيرة، وكانت الدوافع النفسية والسرقة هما دوافع الجريمتين. وكذلك في 2023، كانت هناك جريمة أخرى، حيث تم الكشف عن تفاصيل مثيرة في مذبحة الإسكندرية، التي أسفرت عن مقتل 3 أطفال وامرأتين ورجُلين، بعد أن فتح مواطنٌ النار على أسرته في نطاق حي شرق، دائرة قسم شرطة ثان الرمل، وكان دافع الجاني خلافات أسرية.
الدراما العربية تاريخ مع الجريمة
وما جاء بمسلسل المداح، هو حلقة من سلسلة طويلة وتاريخ لمعالجة الدراما العربية، مجموعة متنوّعة من الجرائم، والتي حملت قضايا اجتماعية وسياسية ودينية، وحتى فلسفية، نتيجة لذلك، شاهدنا روائع سينمائية، وقد تحوّلت قضية السفّاحتين المصريّتين "ريا وسكينة" من مجرد سلسلة جرائم قتل إلى أسطورة شعبية مثيرة، وكانت الدافع إلى عدد من الأعمال الفنية المتنوعة، أهمها قصة الأديب الكبير نجيب محفوظ، والمخرج المخضرم صلاح أبو سيف اللذين قدّما لنا فيلم "ريا وسكينة" عام 1953.
ثم عادت الحكاية إلى الواجهة بداية ثمانينيات القرن الماضي، في قالب مسرحي جمع بين كوميديا ومسرحية "ريا وسكينة"، مع عرض فيلم ساخر آخر يحمل العنوان نفسه، وكذلك المسلسل الشهير "ريا وسكينة" (2005) من بطولة الفنانتين عبلة كامل وسمية الخشاب.
وكان فيلم السفّاح (2009) بطولة هاني رمزي ونيكول سابا، تجربة سينمائية قدمت سيرة أحمد المسيري أو ما عُرِف إعلامياً بـ"سفّاح المهندسين"، وهو سفّاح مصري مارس جميع أنواع الجريمة، من قتل متسلسل وعمليات سطو مسلّح، مروراً بتخطيطه للقيام باغتيالات سياسية، ثم رغبته في الانضمام إلى الجماعات الدينية المتطرفة. كذلك نجحت السينما التونسية هي الأخرى في تقديم عمل درامي مميّز بهذا الاتجاه، وفيلم "سفّاح نابل" (2022) يحكي قصة السفّاح التونسي الناصر الدامرجي الذي ارتكب سلسلة من جرائم الاغتصاب والقتل في حق عشرات الأطفال.