إذا كنتَ من جيل الثمانينيات أو بداية التسعينيات، فلا بدّ أن ألبوم عمرو دياب "علم قلبي الغرام" له مكانة خاصة في قلبك، أو يرتبط بذكرى معيّنة عشتها. ولمزيدٍ من النوستالجيا، سنخبرك عزيزي القارئ أن 20 عاماً بالتمام والكمال قد مرّت على صدوره.
يُعتبر ألبوم "علم قلبي" إحدى العلامات المميزة في مسيرة عمرو دياب عموماً، لِما حمله من نقلةٍ موسيقية جديدة كلياً على المستمع العربي. وصفه النقاد بأنه كان سابقاً لعصره، وفي حين ظننا أنها مبالغة، اكتشفنا اليوم أنها حقيقة.
فلسنا نبالغ لو قلنا إن الألبوم لو صدر اليوم، لأحدث الضجة نفسها التي أحدثها عام 2003، ولحقق مبيعاتٍ أعلى بكثير من 750 ألف نسخة، التي قيل إنه حققها وقتئذٍ. ولا بدّ أن صوت عمرو دياب كان ليصدح في كلّ حيّ من أحياء العالم العربي، وليس مصر فقط.
يُعدّ الألبوم نقلة مهمة في تاريخ الموسيقى العربية، بسبب اختلاف شكل الموسيقى فيه عن باقي الألبومات التي سبقته. وتكمن أهميته في أن الأعمال العربية، التي جاءت من بعده، حاولت أن تلحق به وتواكب التطور الموسيقي الذي ميّزه.
ما قبل ألبوم "علم قلبي"
لم نشهد قبل عام 2003 أنواعاً موسيقية مختلفة في ألبومٍ واحد؛ فقد تضمن "علم قلبي الغرام" الهيب هوب (Hip Hop)، والآر أند بي (R&B)، والروك، بقالبٍ موسيقي عربي جديد كلياً على المتلقي العربي.
والحقيقة أن السنتين، اللتين غاب فيهما عمرو دياب عن الساحة الغنائية، جعلته يعود بقوةٍ أكبر وفي جعبته مجموعة أغنيات حملت تطوراً كبيراً في التوزيع الموسيقي واللحن.
وما بين "علم قلبي الغرام"، و"أنا عايش ومش عايش"، و"كلهم بيقولوا كده في الأول"، و"حبيبي يا عمري"، تعرّفنا على أشكال موسيقية جديدة علينا في العالم العربي ما زالت ترافقنا حتى اليوم.
الألبوم من إنتاج شركة "عالم الفن" لصاحبها محسن جابر، وكان آخر تعاون بينه وبين عمرو دياب، بعد خلافٍ جاء إثر حديث الصحافة عن فشل الألبوم تجارياً والتسويق له. وتعقدت الأمور أكثر بين الرجلين، حين جاء خبر تعاقد "الهضبة" مع شركة روتانا.
حاول محسن جابر التضييق على عمرو دياب، عبر منعه من الظهور على التلفزيون المصري بسبب عقد الاحتكار، لكن الخلاف لم يدم لأكثر من عام.
وفي أواخر مارس/آذار 2004، احتفلت روتانا بتوقيع عقدٍ مع النجم المصري من خلال مؤتمرٍ صحفي ضخم أُقيم بفندق "موفنبيك" في بيروت، ونُقل عبر شاشة ART. وأولى إنتاجات هذا التعاقد كان ألبوم "ليلي نهاري"، الذي صدر في العام نفسه.
ورغم ذلك، احتفلت قناة "مزيكا" التابعة لـ"عالم الفن" بمرور 20 عاماً على صدور ألبوم "علم قلبي الغرام"، من خلال فيديو أعدته خصيصاً للمناسبة ونشرته عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك.
في عام 2001، أصدر عمرو دياب ألبوم "أكتر واحد" الذي حقق نجاحاً ساحقاً مع بداية الألفية الثانية، وأحد أنجح الألبومات التي حققت مبيعات ضخمة في مسيرته الفنية، ما جعله يحصد جائزة World Music Awards عام 2002 للمرة الثانية في مسيرته.
في العام نفسه، أصدر كليب "القدس دي أرضنا" تزامناً مع الانتفاضة الثانية وأحداثها، لكنه في عام 2002 غاب عن المنافسة رغم بدء عمله على ألبوم "علم قلبي الغرام"، مباشرةً بعد صدور "أكتر واحد".
أهمية ألبوم "علم قلبي"
استمر العمل على "علم قلبي" لمدة عامين؛ فقد كان عمرو يعي التغيرات التي طرأت على الساحة الفنية وقتئذٍ، من ظهور مغنين جدد -مثل تامر حسني، وشيرين، وروبي، ونانسي عجرم، وغيرهم- إلى تبلور فكرة قنوات الأغاني، مثل "ميلودي" و"مزيكا"، وصولاً إلى ظهور إذاعة "نجوم إف إم".
مع كلّ هذه التطورات، أراد عمرو دياب أن يكون ألبومه المقبل استثنائياً ويحمل عنوان التجديد والتطور ومواكبة عصر السرعة، بعد 20 عاماً من وجوده على الساحة الفنية. فاختار أن يحمله على عاتقه ويشرف بشكلٍ مباشر وكامل على تنفيذه، فكان أقرب إلى ورشة عمل استمرت لسنتين.
وبالفعل، خرج إلينا بألبوم مؤلف من 12 أغنية إلى جانب موسيقى أغنية "خليني جنبك"، تعاون فيه مع 6 شعراء، 4 منهم للمرة الأولى، مثل: وليد جلال في أغنية "علم قلبي"، وربيع السيوفي في "أنا عايش"، ورضا أمين في "علمني هواك"، إضافةً إلى هاني الصغير الذي كتب أغنية "حنيت".
إلى جانب تعاونه مع شعراء اعتاد العمل معهم، مثل: بهاء الدين محمد الذي كتب "قلي الوداع"، و"لو عشقاني"، و"حبيبي يا عمري"، و"انت مقلتش ليه"؛ إضافةً إلى محمد رفاعي في "يا كنزي"، و"تقدر تتكلم"، و"خليني جنبك"، مع أغنية وحيدة من كلمات أيمن بهجت قمر "كلهم".
أما من ناحية الألحان، فكانت التجربة على بعضها مثيرة، وكرر عمرو دياب تجربة الثنائية في التلحين، التي سبق أن جرّبها للمرة الأولى في ألبوم "تملي معاك" عبر تعاونه مع خالد عز على تلحين أغنية "العالم الله".
وفي ألبوم "علم قلبي الغرام"، عاد عمرو دياب وشارك خالد عز من جديد في تلحين أغنيتي "علم قلبي" و"حبيبي يا عمري"، كما شارك عمرو مصطفى في تلحين "أنا عايش"، ونادر نور في "خليني جنبك".
وإلى جانب محمد رفاعي، ومحمد رحيم، وشريف تاج؛ جاء التعاون الأول لعمرو دياب مع العنصر النسائي، من خلال الملحنة اللبنانية رشيدة الحارس في أغنية "يا كنزي".
في مداخلةٍ هاتفية مع فريدة الخادم ضمن برنامج "حكاية ألبوم" عبر إذاعة "نجوم إف إم"، اعتبر الملحن نادر نور في أبريل/نيسان 2019 أن ألبوم "علم قلبي الغرام" من أهم الألبومات التي عمل عليها في مشواره الفني.
وقال: "حين أخبرني صديقي محمد رفاعي أن كلمات أغنية خليني جنبك أعجبت عمرو دياب، كان الأمر تحدياً بالنسبة لي لأنه قال لي مفيش وقت والأغنية لازم عمرو يسمع لحنها بعد 24 ساعة".
وأضاف: "لم تكن الأغنية التي قدمتها لعمرو بالشكل الذي طُرحت به في الألبوم، وجملة (خليني جنبك) لم تكن في البداية، لكن عمرو كانت له رؤية أخرى وقد قدّم لحن الكوبليه. بقيت الأغنية عنده 7 شهور حتى ذهبتُ إلى الاستديو وسمعت التوزيع واتخضيت".
وختم نادر نور قائلاً: "اتخضيت لدرجة إني قلت لفهد عايز أسمعها مرة ثانية. أنا كنت عامل لها إيقاع هادئ، ولكنها تحولت إلى سريع، وعمرو أخذها من طبقة عالية والأغنية نورت جداً. وقد انتظرت الأغنية وكأنها نتيجة الثانوية العامة لكي أرى رد فعل الجمهور".
ورغم كل هذه التعاونات الجديدة مع الملحنين والكتاب، ركز عمرو دياب في ألبوم "علم قلبي الغرام" على التوزيع الموسيقي. وبعد ما يقارب 3 ألبومات من توزيع طارق مدكور، بعد مرحلة حميد الشاعري، قرر الهضبة أنه حان وقت التجديد والبحث عن روح شبابية جديدة قادرة على تقديم شكل R&B جديد.
فكان التعاون مع الموزع الكويتي فهد في 7 أغنيات من الألبوم، هي: "علم قلبي الغرام"، و"قاللي الوداع"، و"يا كنزي"، و"تقدر تتكلم"، و"حبيبي يا عمري"، و"انت مقلتش ليه". كما تعامل مع الموزع هاني يعقوب في 4 أغنيات، هي: "أنا عايش"، و"لو عشقاني"، و"عملني هواك"، و"كلهم"؛ إلى جانب عمرو شاكر الذي وزّع أغنية "حنيت".
ما بعد صدور الألبوم
المفاجأة الأولى تمثلت بأن عمرو دياب قرر أن يُصدر ألبوم "علم قلبي" في فصل الشتاء، بدلاً من الصيف، كما اعتاد أن يفعل. وقد سجّل الألبوم أعلى ثمن في عصره؛ فقد كتبت جريدة "الوفد" المصرية أن الألبوم "وبمجرد طرحه في الأسواق، وصل سعره إلى 20 جنيهاً قبل أن يتراجع إلى 18 ويستقر أخيراً عند 15 جنيهاً".
ورغم أن الألبوم يُعتبر اليوم من الأهم في مسيرة عمرو دياب، وأحد أبرز الأعمال في تاريخ الأغنية العربية، والبوب العربي بشكلٍ عام؛ إلا أنه لم يحقق مبيعات خيالية في حينه، كما كان متوقعاً.
ولا شك أن عوامل عدة لعبت دوراً في ذلك، بدءاً من ارتفاع سعره وقتئذٍ، إضافةً إلى تسريب بعض الأغنيات قبيل طرحه رسمياً، ووجود نسخ غير أصلية كثيرة في السوق، وصولاً إلى قرار إصداره في الشتاء.
لكن أرقام المبيعات الرسمية ليست مقياساً أساسياً في ألبوم "علم قلبي الغرام" تحديداً، الذي حقق نجاحاً كبيراً داخل مصر وخارجها، وكان صوت عمرو دياب يصدح في الشارع بشكلٍ يومي؛ من السيارات، والباصات، والمحلات التجارية.
لم يصوّر عمرو دياب أغنية "علم قلبي"، لكنه استخدمها في الإعلان الذي صوّره لشركة "بيبسي"، الذي كان كفيلاً بأن يُساهم في شهرتها الكبيرة. لكنه صوّر أغنية "أنا عايش" الذي أصبح كليبها أيقونة في عالم الفيديوهات المصوّرة.
فإلى جانب لوك الشعر الطويل والملون الذي اعتمده عمرو دياب في الكليب وبوستر الألبوم، أصبح الكاب الصوف الذي ظهر به في الكليب -إلى جانب الأكمام الطويلة- موضةً في ذلك العصر بمجرّد طرح الفيديو.
ورغم كل هذا النجاح، ظهرت بعض الأصوات الصحفية التي انتقدت ألبوم "علم قلبي"، مثل الصحفي أحمد الشوكي الذي كتب يقول: "أن يحتوي ألبوم على 13 أغنية، بصرف النظر عن الدعوة إلى التشاؤم من رقم 13 لأنها لا تتوافق مع الدين، دليل على مجرد ملء زمن، رغم أن التسجيل على شريط كاسيت فارغ لن يزيد من وزنه".
الانتقادات كانت كثيرة لعمرو دياب في ذلك الوقت، ما دفع الصحفي عمر طاهر لأن يكتب مقالاً في "صوت الأمة" مدافعاً عن النجم المصري، حمل عنوان "ماذا فعل عمرو بعد أن تجاوز الأربعين؟".
ورغم ذلك، وبعد مرور 20 عاماً على صدوره، لسنا نبالغ لو قلنا إن ألبوم "علم قلبي الغرام" رافق جيلاً كاملاً من الشباب في أمسياته ونهاره، وكان أحد أحلى الألبومات في مسيرة الهضبة وأكثرها شمولاً وتنوعاً.
كما أننا لا نفشي سراً حين نقول إن عمرو دياب ما زال متربعاً على عرش الأغنية المصرية، وأحد أكثر النجوم تطوراً ومواكبةً للعصر، الذي يؤكد كل مرة على ذكائه الفني.