في المشهد الأول من "مسلسل رامي"، يدخل الشاب -من أصولٍ مصرية- مسجداً ليلحق بالصلاة قبل بدء مراسم عقد قران صديقٍ له. وبعد أن يشرع في الوضوء، يلحظ أحد المصلين أن الشاب لم ينزع جوربه لغسل قدميه، ويخبره أن صلاته لا تصح بهذه الطريقة.
ورغم تأكيد رامي له أن الله أكبر من تلك التفصيلة، وأنه استحمّ صباحاً، ينزع الرجل جوربي الشاب بنفسه ويشرع في غسل قدميه قائلاً: "إذا ما في مَيَّة بين الإصبع، الشيطان بيدخل بين الإصبع".
قدّم المسلسل الأمريكي، الفائز بجائزة الـ"غولدن غلوب"، إشكاليته للمشاهد منذ حلقته الأولى، واستمرّ بذلك على مدى المواسم الثلاثة التي عُرضت تباعاً؛ ويبدو أننا سنشهد موسماً رابعاً.
"مسلسل رامي"، الذي عُرض للمرة الأولى في العام 2019، هو رحلة إنسانية للوصول إلى الله، وسط ادعاءات الآخرين بامتلاكهم مفاتيحها. أبطال هذه الرحلة هم: رامي، الشاب الأمريكي ذو الأصول المصرية الفلسطينية، وعائلته وأصدقاؤه من العرب والمسلمين في أمريكا ومصر.
لكن هل يناقش "مسلسل رامي" مسألة البحث عن الله فقط، أم يغوص في متاهة البحث عن الذات والهوية أيضاً؟
قضايا مجتمعية مختلفة في "مسلسل رامي"
يحفر مسلسل رامي بعمق في أزمة الهوية والوجود الإنساني للشخصية الأساسية، "رامي"، وبشجاعةٍ نادرة والحق يُقال.
فرامي، الباحث دوماً عن إيمانه وعن الله، يبدو -ومن الحلقة الأولى- مخلصاً في رحلة بحثه، لكنه في الوقت نفسه مدمن علاقات جنسية وأفلام إباحية. هذا التناقض حمله معه طيلة المواسم الثلاثة، قبل أن يتمكن من مواجهة نفسه والاعتراف بأنه يلجأ إلى الجنس كعاملٍ مشتت.
والحقيقة أنه لا يمكن المرور بشكلٍ عاجل على نصّ المسلسل، من تأليف رامي يوسف نفسه (البطل). فالعمل مكتوب بعمق، ولا يركز على شخصية رامي نفسها ورحلة إيمانه وبحثه عن هويته، بل يعطي كل شخصية من شخصيات المسلسل حقها، ويتغلغل في أفكارها ويطوّرها تدريجياً على مدار الحلقات.
"هل يؤدي الكبت الجنسي إلى إدمان"؟ كان هذا عنوان إحدى حلقات برنامج رامي يوسف "كوباية شاي" التي تعرضه منصة هولو عبر موقعها على يوتيوب، والذي يستضيف مجموعة من أبطال مسلسل رامي إلى جانب ضيوف أخصائيين.
وفي كل حلقة، يناقش الضيوف مع نجوم العمل إحدى القضايا التي كان قد طرحها مسلسل رامي، في محاولةٍ لتسليط الضوء عليها وعلى العمل نفسه.
فبين الهوس الجنسي، والقدر، والعلاقات الصحية، والبوليغامي؛ ناقش البرنامج مجموعة من القضايا التي سبق وناقشها المسلسل، بشكلٍ أو بآخر، طارحاً إياها من وجهات نظرٍ مختلفة، لتعطي فكرة عن طريقة تفكير فريق العمل أيضاً في القضايا المطروحة.
في إحدى حلقات البودكاست، التي استضافت كاتب المسلسل رامي يوسف، أكد أنه لا يحب الكتابة بناءً على حبكةٍ ما، بل بناءً على القضايا التي يحب مناقشتها. والجدير بالذكر أن مجموعة كتاب يتشاركون، مع رامي، كتابة مسلسل رامي.
رامي في المسلسل هو شاب لأسرة عربية دائماً ما تتحدث عن الدين، لكنها نادراً ما تمارسه. وينسحب هذا التناقض إلى سباق العائلة الطويل، لإدراك المال وتحقيق الحلم الأمريكي، الذي يفضي بهم دائماً إلى ضوائق مالية كبرى.
يصرّ والدا رامي يوسف على أن وجودهما في أمريكا مؤقت منذ الموسم الأول، الأب على وجه التحديد، وأنهما سيعودان في النهاية إلى مصر بعد أن ضمنا مستقبلاً جيداً لولديهما.
لكن ذلك لا يعدو أكثر من مجرد تبرير، أو إنكارٍ للحقيقة التي تُشعر الأب بالذنب تجاه أهله في مصر، خصوصاً والده.
والإنكار يتجلى في واقع أن أهل رامي هاجروا بالفعل وغالباً لا مجال لعودتهم، لأن الوطن الذي تركوه لم يعد كما كان، ويتجلى أيضاً في واقع أنهم لم يضمنوا أي مستقبلٍ "مشرق" لولديهم.
ذلك التناقض تعيشه الابنة أيضاً، التي تتحول في إحدى الحلقات من مدافعة عن النساء والمهاجرات إلى امرأة تشبه "البيض" في تفكيرها وتصرفاتها.
يتحدث بلسان المهاجرين وليس المسلمين فقط
للوهلة الأولى، قد يبدو أن مسلسل رامي يعني الأسر والمجتمعات العربية فقط، لكن ذلك غير دقيق، لأن العمل -وبإشارته إلى حياة أسرة مصرية في أمريكا- يتحدث أيضاً بلسان جميع المهاجرين من جنسيات وديانات مختلفة.
في تدوينةٍ لها نُشرت في سبتمبر/أيلول عام 2022، كتبت نانديني باليال (أمريكية من أصول هندية) أن حيرة وضياع رامي في المسلسل يعبّران عن جميع المهاجرين. "من يجب أن نكون؟ هل ما يريده آباؤنا، أم أن رحلتنا الفردية أبعد من ذلك"؟
ورحلة رامي بحثاً عن الله، وصراعه بين نفسه العليا والسفلى، يمثلان رحلة الكثير من أبناء جيله، التي يتقاطع فيها الصدق والمصارحة مع الأنانية وحب الذات.
فرامي مشوّش، ويتهوّر في أحيانٍ كثيرة، وهو صريح مع محيطه بشكلٍ جارح. لكنه في الوقت نفسه ملتف حول نفسه (Introvert)، وفي رحلة بحثٍ عنها وعن هويته، ولم يرتح تماماً حين أضاع طريق الإيمان.
مشكلة رامي الرئيسية على مدار المواسم الثلاثة أنه لم يحدد بعد من يريد أن يكون، ويبحث عمّن يخبره من هو، بين عائلة وأصدقاء أو شيخ يتبع طريقته. يبحث عن شخص يقول له: "هذا أنت، هذا هو طريق إيمانك، هذا طريقك الذي يجب أن تسلك".
في شخصيات مسلسل رامي ما يثير التعاطف. لن تكره رامي على سبيل المثال، رغم كل الصراع الذي يعيشه. ولعلّ البطل المثالي أصبح مكروهاً؛ لأن الإنسان المثالي غير موجود، ومن هنا يتماهى المشاهد مع شخصيات المسلسل.
ستتمنى أن يجد رامي طريقه، أن يُخرج نفسه من المآزق المتكررة، لكنك في الوقت نفسه تتمنى أن يُفضح أمره حتى يتوقف عمّا يقوم به. ستكرهه في مشهد اعتقال الفتى الفلسطيني، لكنك ستشفق على دموعه وصدمته.
الموسم الثالث هو الأفضل أم الأسوأ؟
يمكن القول إن الموسم الثالث من مسلسل رامي يمثل الذروة، فهو الجزء الذي يرتطم فيه البطل بقاع المنحنى. يختلف عن الموسمين السابقين بأنه سوداوي أكثر، ومربك أكثر. نصطدم، نحن المشاهدين، مع الأبطال بالجدران الصلبة التي تحيط بالمجتمعات المهاجرة في الخارج.
ستحتار في تصنيف الموسم الأخير من مسلسل رامي: هل هو الأفضل على الإطلاق، أم الأسوأ على الإطلاق؟ ولعلّ هذه الحيرة تأتي من الشخصيات التي تتحول في هذا الجزء إلى النسخة الأسوأ منها.
فزينب تخفي على رامي أمراً بالغ الأهمية؛ لأنها غاضبة منه. صديقاه، مو وأحمد، يظهران جوانبهما الهشة تجاه العلاقات. حتى ستيفي الذي وجد الحب أخيراً لا يُشفق على صديقه رامي، وحبيبته -التي مثلت دورها بيلا حديد– من أغرب الشخصيات الدرامية التي تثير فضول المشاهد.
الموسم الثالث من مسلسل رامي يشهد تصعيداً سوداوياً لكلّ الشخصيات، ولو أنه مهم وضروري درامياً. فقد بدأت رحلة السقوط مع نهاية الموسم الثاني، وكان من المنطقي أن تصل الشخصيات إلى القاع في هذا الجزء.
ومن دون حرقٍ للأحداث، ستعتقد أن رامي قد وجد طريقه مرة أخرى إلى الله، في الحلقة الأخيرة من الموسم الثالث؛ لكن الأكيد أنه لم يجد هويته بعد، فهل سنشهد موسماً رابعاً إضافياً؟