لا يمكن الحديث عن نجمات السينما المصرية في الزمن الجميل، دون ذكر اسم الممثلة فاتن حمامة، والتي لقبت بسيدة الشاشة العربية، وذلك بعد النجاح الكبير الذي حققته في المجال الفني، ليس فقط في مصر، وإنما في الوطن العربي ككل.
فكانت فاتن حمامة الموهبة الشابة التي سطع نجمها في عالم الشهرة والأضواء، وعمرها لم يتجاوز الست سنوات، تخطو خطوات ثابتة في عالم التمثيل، إلى أن أصبحت الاسم الأشهر، وصاحبة الأدوار الأبرز في السينما المصرية.
وبعد سنوات من النجاح والنجومية، كان على فاتن حمامة أن تبتعد عن مجال الفن، إلى أن رحلت عن عالمنا في يوم 17 يناير/كانون الثاني من سنة 2015.
فاتن حمامة.. موهبة منذ الطفولة
ولدت الممثلة المصرية فاتن حمامة في 27 مايو/أيار سنة 1931، وفي بعض المصادر يشار إلى أنها رأت النور في محافظة الدقهلية، والبعض الآخر يقول إنها ولدت في مدينة القاهرة.
وقبل أن تبلغ عامها السادس، بدأ حب التمثيل يتسلل إلى فاتن حمامة، مباشرة بعد أن شاهدت فيلماً للممثلة آسيا داغر في السينما.
وبعد فترة بسيطة شاركت في مسابقة أجمل طفلة في مصر، وتمكنت من الحصول على المرتبة السادسة، لتكون هذه هي أولى خطواتها أمام الأضواء، بالرغم من عدم حصولها على اللقب.
تمكنت الطفلة فاتن من التوقيع على أول عقد تمثيلي لها، في فيلم "يوم سعيد" للمخرج محمد كريم، بعد أن توصل هذا الأخير بصورها من طرف والدها، إضافة إلى صور أطفال آخرين، من أجل اختيار أحدهم لهذا الفيلم، الذي تم إنتاجه سنة 1940، أي عندما كانت تبلغ من العمر 9 سنوات فقط.
وحسب ما نشرته مجلة "سيدتي" نقلاً عن مذكرات المخرج الراحل محمد كريم، قال إن فاتن حمامة كانت مختلفة عن باقي الأطفال الذين تعامل معهم سابقاً، بمعنى أنها لم تكن متطلبة، أو كثيرة التذمر، وإنما كانت متشوقة من أجل الوقوف أمام الكاميرا.
وبعد التعامل هذا، وقع نفس المخرج عقداً مع والد فاتن حمامة لتشارك في أفلامه المستقبلية، إذ كانت من بين أبطال فيلمه "رصاصة في القلب" سنة 1944، إلى جانب محمد عبد الوهاب.
وفي سنة 1946 شاركت في فيلم آخر يحمل عنوان "دنيا"، إلى جانب كل من راقية إبراهيم، وأحمد سالم، ودولت أبيض، الأمر الذي جعلها تقرر صقل موهبتها بشكل أفضل، ودخول المعهد العالي للتمثيل في نفس السنة.
نجمة السينما المصرية
مع مرور السنين، وفي الوقت الذي كانت تدرس مجال التمثيل، وكذا بعد التخرج، تمكنت فاتن حمامة من الحصول على عدة أدوار مهمة في السينما، إلى جانب عدد مهم من نجوم مصر، وتحت إدارة أهم المخرجين حينها.
إذ تعاملت مع الممثل والمخرج يوسف وهبي في كل من فيلم "ملاك الرحمة"، وفيلم "كرسي الاعتراف"، إضافة إلى تعاملها مع المخرج حسن الإمام في فيلم "ست البيت" سنة 1949، الذي حقق نجاحاً في شباك التذاكر، إلى جانب فيلم "اليتيمتين" لنفس المخرج.
وبعد كل هذه النجاحات، وتغير توجه السينما المصرية، التي كانت تسوق لصورة المرأة على أنها غنية تقضي معظم وقتها في الأماكن الراقية، أو فقيرة ومغلوب على أمرها، تمكنت فاتن حمامة من الحصول على نوعية أدوار جديدة، لم يسبق أن قدمتها أي نجمة من نجمات السينما في الجيل الذي قبلها.
ومن بين الأفلام التي قدمت فيها أدواراً تبرز المرأة القوية، كان فيلم "صراع في الوادي"، وهو أول فيلم يقوم يوسف شاهين بإخراجه، وقدمت فيه دور ابنة شخصية غنية، تقوم بمساعدة الفقراء ومساندتهم، وذلك في سنة 1954.
إضافة إلى فيلم "الأستاذة فاطمة"، الذي قدمت فيه شخصية طالبة في كلية الحقوق من عائلة متوسطة، تؤمن بأن للمرأة دوراً يوازي دور الرجل في المجتمع.
ومن بين أشهر الأعمال التي قدمتها في سنوات السبعينات والثمانينات، كل من فيلم "أريد حلاً"، و"يوم مر ويوم حلو"، وفيلم "خيط قصير".
قصص حب وزواج فاتن حمامة
تزوجت فاتن حمامة لأول مرة سنة 1947، من المخرج المصري عز الدين ذو الفقار، وعمرها لم يتجاوز 16 سنة، وذلك بعد أن تعاملت معه في فيلم "أبو زيد الهلالي" خلال نفس السنة.
إلا أن هذا الزواج لم يستمر طويلاً، وتم الطلاق سنة 1954، وهي نفس السنة التي قاما فيها بإطلاق شركة إنتاج مشتركة بينهما، وقاما بإنتاج فيلمها "موعد مع الحياة"، الذي كان سبب حصولها على لقب "سيدة الشاشة العربية".
تعرفت فاتن حمامة على الممثل عمر الشريف، الذين كان قد جاء حديثاً من وطنه الأم لبنان إلى مصر، من أجل المشاركة في فيلم "صراع الوادي"، بعد أن رفضت أن يلعب دور البطولة إلى جانبها الممثل شكري سرحان، وذلك سنة 1955، ليقع الثنائي في شباك الحب، وتتوج هذه القصة بزواج، نتج عنه ابنهما الوحيد طارق الشريف.
وبالرغم من قصة الحب الكبيرة التي جمعت فاتن حمامة وعمر الشريف، وجعلت هذا الأخير يسلم من أجلها للتمكن من الزواج بها، إلا أنها لم تستمر كذلك، وكانت نهايتها الطلاق، سنة 1974، بعد تسلل المشاكل إلى حياتهما الخاصة، بعد أن قرر الشريف استكمال مسيرته الفنية في هوليوود، وهو الأمر الذي لم يناسب حمامة، ومسارها الفني في مصر.
أما آخر من ارتبطت به سيدة الشاشة العربية فكان الطبيب محمد عبد الوهاب، الذي كان بعيداً كل البعد عن المجال الفني، وعاشت معه إلى آخر يوم في عمرها.
غادرت مصر بسبب ضغوط سياسية
خلال فترة حكم رئيس مصر السابق جمال عبد الناصر، وبالضبط في الفترة ما بين 1966 و1971، غادرت فاتن حمامة مصر، لتستقر بين مدينتي بيروت ولندن، وذلك احتجاجاً على الضغوط السياسية التي كانت تتعرض لها، بعد أن طلبت منها المخابرات المصرية التعاون معهم.
وبالرغم من طلب عبد الناصر من بعض النقاد إقناع فاتن حمامة بالعودة إلى مصر، بعد أن وصفها بالثروة القومية، إلا أنها رفضت طلبه، ولم تعد إلى بلدها إلا بعد موته سنة 1971.
وعادت مجدداً لمجدها الفني، وتقديمها باقة من الأفلام الناجحة، التي خولتها حق الحصول على لقب أحسن ممثلة لعدة سنوات، وكذلك ميدالية الشرف من الرئيس أنور السادات، وميدالية الشرف من قبل الرئيس اللبناني إميل لحود، ثم ميدالية المرأة العربية، من طرف الرئيس اللبناني السابق رفيق الحريري، ثم وسام الاستحقاق من طرف ملك المغرب الراحل الحسن الثاني.
فيما تمكنت عدة أفلام من بطولة فاتن حمامة أن تدخل قائمة أفضل 100 فيلم في مصري، وصل عددها إلى تسعة أفلام، وذلك سنة 1996، بمناسبة الاحتفال بـ100 سنة على نشاطها، وهو الأمر الذي تكرر سنة 2007، بعدما تم اختيار 8 أفلام من بطولتها من طرف لجنة السينما للمجلس الأعلى للثقافة في القاهرة، لتكون في قائمة أفضل 100 فيلم مصري عبر التاريخ.
اعتزال قبل 15 سنة من وفاتها
كان آخر أفلام فاتن حمامة سنة 1993، بفيلم من إخراج داوود عبد السيد، حمل عنوان "أرض الأحلام"، لتبتعد عن الأضواء لأكثر من 7 سنوات، وتعود إلى الساحة الفنية سنة 2000، بمسلسل تلفزيوني حمل عنوان "وجه القمر"، من إخراج عادل الأعصر.
وبالرغم من أن هذا المسلسل كان آخر أعمالها، إلا أن فاتن حمامة استمرت في الظهور في عدة لقاءات تلفزيونية، وتكريمات خاصة، قبل أن يغيبها الموت سنة 2015، عندما كانت تبلغ من العمر 83 سنة.
وكان سبب وفاة فاتن حمامة هو تعرضها لوعكة صحية مفاجئة، بالرغم من التدخل الطبي تحت إشراف زوجها، وتحسن حالتها لفترة بسيطة.
وتم إعلان الحداد في مصر من طرف وزير الثقافة لمدة يومين، وذلك حزناً على رحيل واحدة من بين أهم من صنع تاريخاً للسينما المصرية ابتداء من أربعينيات القرن الماضي.