يحتفل محرّك البحث العالمي جوجل بالذكرى 89 لميلاد الراحلة كريمة مختار، إحدى أبرز الممثلات المصريات اللواتي تركن بصمتهن في عالم الفن، بعدما حققت نجاحات كبيرة في السينما والتلفزيون والمسرح.
لُقّبت مختار بـ"أم التلفزيون المصري" ولطالما اعتُبرت نموذجاً للأم المصرية، بعدما اشتهرت بتجسيد أدوار الأم في السينما والمسرح والتلفزيون. فهي "أم العيال" في مسرحية "العيال كبرت" التي خلّدت اسمها، و"ماما نونا" في مسلسل "يتربى في عزّه".
في يناير/كانون الثاني 2017، ودّعتنا كريمة مختار عن عمرٍ يناهز 83 عاماً بعدما عانت من حالة صحية سيئة في الفترات الأخيرة من حياتها، لم تُعرف تفاصيلها أبداً، خاصةً أن عائلتها كانت تفرض حالةً من السرية حولها.
من هي كريمة مختار؟
وُلدت عطيات محمد البدري يوم 16 يناير/كانون الثاني عام 1934، وسط أسرةٍ مصرية من مدينة ساحل سليم في محافظة أسيوط، لطالما رفضت دخول ابنتها عالم السينما والتلفزيون.
وما لا يعرفه الكثيرون أن كريمة مختار هي شقيقة الإذاعية عواطف البدري، التي تولت مناصب كبرى في الإذاعة، كما كان لها شقيق وصل إلى رتبة لواء في الشرطة، ويُدعى محمد عبد الخالق البدري.
حصلت مختار على درجة البكالوريوس من المعهد العالي للفنون المسرحية، وبدأت حياتها الفنية عام 1955 بمسلسلٍ إذاعي اسمه "العسل المر"، قبل أن تتجه للعمل في برامج الأطفال مع بابا شارو، وتحقق شهرة واسعة نسبياً.
لاحقاً في العام 1958، تزوجت كريمة مختار من الممثل والمخرج نور الدمرداش، بعدما تعرّفت إليه أثناء تقديمها المسلسل الإذاعي "عصابة اليد الأسود".
واللافت أن مختار رفضت عرض الزواج في البداية، بحجة أنها تريد الاهتمام بدراستها وعملها والتركيز عليهما، قبل أن توافق لاحقاً في العام 1654 في ظلّ إلحاح الدمرداش الذي بدأت تقع في حبّه.
أنجب الممثلان 4 أولاد؛ 3 أبناء وابنة وحيدة، وهم: الإعلامي معتز الدمرداش، والمخرج أحمد الدمرداش، إضافةً إلى شريف وهبة. وقد عاشت كريمة مع نور قصة حب وصداقة واحترام حتى وفاته في العام 1994.
عرفت كريمة مختار نجاحاتها وشهرتها الكبيرة بمساندة زوجها نور الدمرداش، الذي دعمها للعمل في السينما والتلفزيون، بعدما كانت عائلتها ترفض ذلك، رغم العروض التي وصلتها إثر شهرتها في الإذاعة.
لكن زواجها فتح لها باب التمثيل على مصراعيه؛ فقد ساعدها نور على اقتحام عالم السينما من خلال فيلم "المستحيل" عام 1965 (إلى جانب كمال الشناوي، ونادية لطفي، وسناء جميل)، تبعه "ثمن الحرية" سنة 1967 مع عبد الله غيث، ومحمود مرسي، وصلاح منصور.
توالت من بعدهما أعمال كريمة مختار، وشاركت فيما يقارب 176 عملاً بين أفلام ومسلسلات ومسرحيات، كان آخرها فيلم "ساعة ونصف" عام 2012، ومسلسلات "كيد الحموات"، و"المرافعة"، و"دلع البنات" عام 2014.
في حديثٍ لها مع مجلة "آخر ساعة" عام 1978، تؤكد كريمة مختار أنها اتجهت إلى التمثيل من دون رغبة أسرتها، وأنها ما كانت لتصمد وتستمر في طريقها الفني لولا دعم زوجها نور الدمرداش.
وتقول: "لقد شجعني زوجي على مواصلة الطريق، كما حصلتُ على دعمٍ كبير من عبد الرحيم الزرقاني ومحمد الطوخي. جميعهم أحاطوني بنحوٍ من التقدير والاحترام وكانوا يحافظون على مشاعري، عندما كنت شديدة الخجل ولا أتكلم إلا عند الضرورة".
وتتحدث كريمة مختار عن الصعوبات التي واجهتها في بداية حياتها الفنية، وكيف أنها بذلت مجهوداً جباراً للتوفيق بين مسؤوليات المنزل، وتربية الأطفال، ومسؤوليات العمل.
وتؤكد: "عشتُ فترة طويلة وحيدة ومعي طفلان صغيران، من دون أن أجد من يساعدني من أهلي وأقاربي. كنتُ مرشحة لأدوارٍ كثيرة في الإذاعة والتلفزيون والسينما، لا سيما بعد نجاحي في الإذاعة. ولحرصي على العمل وعدم رفض الأعمال الجيدة، بذلتُ جهوداً كبيرة للتوفيق بين مسؤوليات المنزل وعملي الفني".
نجاحات استثنائية لـ"ماما نونا"
كانت كريمة مختار ترفض العمل في مجال الإعلانات رفضاً قاطعاً، لكنها تراجعت عن موقفها الحاسم في العام 2012 وشاركت في إعلانٍ لشركة الاتصالات "فودافون"، إلى جانب ابنها معتز الدمرداش، وسمير غانم، وسوسن بدر، ودرة، وغيرهم.
وعن تراجعها عن موقفها الحاسم من المشاركة في الإعلانات، قال كريمة مختار في حينه إن موافقتها على الظهور في الإعلان "كانت نابعة من رغبتها الصادقة في الإسهام برسم البسمة على شفاه المتفرجين في رمضان، خاصة أن الفقرة كانت كوميدية للغاية".
حققت كريمة مختار نجاحات كبيرة في كل أدوارها الإذاعية والتلفزيونية، وقد قدّمت مئات الأعمال الناجحة، لعلّ أبرزها: "الجنة العذراء"، و"العسل المر"، و"رسالة سماء"، إضافةً إلى "القاهرة والناس".
كما لمع اسمها في المسرح بعددٍ من المسرحيات مثل "الأرض" و"نور الظلام"، لكن يبقى لمشاركتها في مسرحية "العيال كبرت" طعمها الخاص، إلى جانب سعيد صالح وأحمد زكي ويونس شلبي وحسن مصطفى.
وما قد لا يعرفه كثيرون أن دورها في مسرحية "العيال كبرت" كانت تؤديه قبلها نبيلة السيد، التي استمرت في تقديمه طوال 3 سنوات، قبل أن تعتذر عنه وتحلّ مكانها كريمة مختار، ويتم تصوير وتسجيل المسرحية ببطولتها.
ولم تكن مختار المرشحة أيضاً لدور البطولة في فيلم "الحفيد"، إلى جانب الراحل عبد المنعم مدبولي عام 1974، وإنما الفنانة إحسان القلعاوي التي اعتذرت بسبب مشهدٍ رأته غير لائق وقد يُغضب أولادها.. فذهب الدور إلى كريمة.
في السينما حازت كريمة مختار على ثلاث جوائز تقديرية عن أفلام: "أميرة حبي أنا"، و"مضى قطار العمر"، و"بالوالدين إحساناً"، كما عُرض فيلم الحفيد في مهرجان السينما السادس بنيودلهي.
لطالما لمست كريمة مختار أرواحنا، ودخلت إلى قلوبنا من دون استئذان، تاركةً أثراً طيباً في نفوسنا؛ وكما أبكتنا في أدوارها الدرامية، استطاعت أن تدخل البسمة إلى قلوبنا في أعمالٍ رائدة استطاعت أن تحفر اسمها من خلالها.