12 عملاً هي حصيلة الدراما السورية في رمضان 2022، تمكن أغلبها من حجز مكان مناسب على الشاشات العربية، بعد فترة جفاء تعرضت لها الأعمال السورية من قِبل الفضائيات العربية.
الكثيرون اعتبروا الموسم الحالي بمثابة ولادة جديدة للدراما السورية، بعد أعمال مشوهة أسفرت عنها سنوات الأزمة، بسبب ضعف الإنتاج من جانب، وهجرة الفنانين السوريين من جانب آخر، وانتشار حمى الأعمال العربية المشتركة من جانب ثالث.
لكن الوضع اليوم يبدو مختلفاً، ويمكن القول إنه يُبشر بالخير، وإن كانت حصة الأسد ذهبت لمسلسل "كسر عظم" للمخرجة رشا شربتجي، التي نجحت في تقديم عمل يحاكي جراح السوريين وأزماتهم.
وهو ما كشفت عنه ردود الفعل عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ونسب المشاهدة العالية، ويليه من حيث الجماهيرية مسلسل "مع وقف التنفيذ" لسيف الدين سبيعي، وهو بدوره عمل معاصر يتحدث عن ظروف السوريين.
"كسر عظم".. استثناء رمضان ولكن
وسام كنعان الناقد والصحفي قال إنه لا يمكن إطلاق حكم مطلق أو حالة عامة على كل ما تم إنتاجه، ولكن يمكن القول إن ميزة هذا الموسم عودة الإنتاج السوري الخالص، وحضوره على المحطات المهمة، وخاصةً الخليجية.
وبرأي كنعان، الذي تحدث لـ"عربي بوست"، فإن مسلسل "كسر عظم" تميز عن غيره من خلال النص القوي الذي قدمه كاتب لفت النظر في تجربته الأولى، كما أنه يُسجل للرقابة أنها أجازت هذا النص.
الناقد الفني أشاد بالمخرجة رشا شربتجي، ووصفها بالمتمرسة والمتمكنة التي تعرف أدواتها، وتقترح حلولاً بصرية بعيدة عن التجريب العبثي، "وهذا ميدانها الآثر، وهي قادرة على تقديم وجبة جذابة وغنية جداً حينما تعالج مثل هذه النصوص"، يضيف المتحدث.
وبرأي كنعان، فإن ما جذب الجمهور لـ"كسر عظم" هو القصة وأداء الفنانين، والمنطق الإخراجي، ولم يتبعوا النجوم كما يحدث عادة؛ لأن العمل يضم من النجوم كاريس بشار وسامر إسماعيل فقط، وحتى الفنان فايز قزق رغم مكانته الفنية لكنه لا يُعتبر من النجوم الذين يتصدون للبطولات المطلقة.
ورغم مدحه للعمل، يقول وسام كنعان في حديثه مع "عربي بوست"، إن "كسر عظم" لم يسلم برأيه من الهفوات على مستوى "الراكور"، وشكل الشخصيات ولباسها، إذ التقط الجمهور أخطاء بالرتب العسكرية على بدلات رجال الجيش.
وبالنسبة لفحص الإيدز الذي أجرته يمنى، قال كنعان: "لا أعتقد أنه موجود بسهولة في سوريا، ولا يتم بهذه الأريحية؛ لأن الحلقات كشفت لاحقاً ذهاب شخصيات أخرى إلى بيروت لإجراء الفحص، وأنه يحتاج لـ24 ساعة كي تظهر النتيجة".
وبرأيه كان خطأ الوقوع بمطب النقد والتنظير والوعظ، وتقييم أخلاق الشخص بناءً على شكله ولباسه، وهو ما تجسّد على لسان شخصية نادين تحسين بك، التي كانت تحتاج لدراسة أكثر ومعالجة أكثر وإعادة صياغة المشاهد بمنطق حقيقي أكثر.
كتابة "كسر عظم".. من الأحق به؟
وبالنسبة للجدل حول "كسر عظم"، من تصريحات فنانين وكتاب حول نسبة العمل أو الأدوار لهم، قال وسام كنعان، الناقد والصحفي إن "مجموعة من الفنانين المعروفين، وهم: فراس إبراهيم، وأنس طيارة، وسوزان نجم الدين، ومحمود نصر، هم من عُرض عليهم العمل بالفعل، واعتذروا بسبب انشغالهم، ولكن الباقي هو محاولة التمسك بالمركب الناجي".
وبالنسبة لتصريحات كاتب الدراما السوري فؤاد حميرة، الذي قال إن "كسر عظم" سرقة لعمله "حياة مالحة"، الذي توقف تصويره سنة 2011 بسبب الثورة السورية، قال كنعان إن "حميرة غائب منذ 10 سنوات باستثناء "نساء ورئيس" الذي عرض على النت، وجاء منحدراً بمراحل متدنية جداً، ومفاجئاً لتاريخ حميرة".
وأضاف المتحدث أن هناك تقاطعاً بين نص "كسر عظم" وما كتبه حميرة، ذكر فيه إصابة مسؤول فاسد بمرض خطير، وهذه القصة ليست جديدة كُتبت عشرات المرات، وستُكتب لاحقاً عشرات المرات أيضاً.
وبرأي كنعان، دخول سيف الدين سبيعي على الخط لم يكن موفقاً، إذ نشر حميرة محادثة له مع المخرج سبيعي، الذي أكد على أن مشروع المسلسل عُرض عليه منذ أكثر من عامين لتنفيذه، إلا أنه رفضه بسبب عدم وضع اسم الكاتب الحقيقي، كاشفاً أن نسخة المسلسل التي قرأها حينها قد تم تعديلها أكثر من مرة، كما أكد سبيعي أن النسخة لم تكن باسم علي معين صالح، وإنما باسم شخص آخر يدعى فادي زيفا.
"جوقة عزيزة" و"مع وقف التنفيذ"
بالنسبة لعمل "جوقة عزيزة"، قال الناقد الفني والصحفي وسام كنعان إنه مسلسل واضح فيه الاستسهال والاستخفاف، والدليل وجود ردة فعل سلبية من الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضاف المتحدث في تصريحه لـ"عربي بوست" أن غالبية الآراء أجمعت على انحدار مسلسل "جوقة عزيزة" فنياً، بمنطق تقديمه للحكاية وبأداء نسرين طافش في العمل.
من جهته، يرى الناقد الفني نضال قوشحة، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "جوقة عزيزة" لا يمكن إطلاق حكم مطلق عليه الآن لأنه لم ينتهِ، ولكن يُسجل له أنه أول عمل استعراضي سوري.
واعتبر المتحدث أن "جوقة عزيزة" ليس عملاً شامياً كما يصنفه البعض، لكن دراما شعبية استعراضية فيها شرط إنتاجي ضخم، وقصة بمتناول الجميع، ومشاهد بصرية حققت تقدماً ما.
ويتابع قوشحة بأن العمل أثار بعض الأمور، مثل عدم وجود مدارس تعلم الرقص في دمشق في تلك الحقبة، خاصة أن صناع العمل تحدثوا أن التياترو (المسرح) الذي تدور فيه الأحداث هو مدرسة لتعليم الرقص.
أما بخصوص عمل "مع وقف التنفيذ"، فيرى الناقد الفني والصحفي وسام كنعان أن الاستسهال جاء بالحلول غير المقنعة وغير المبررة، وهي أقرب إلى الدراما الهندية، ومحتاجة لعمل أكثر.
واعتبر المتحدث في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن "مع وقف التنفيذ" لم يتمكن من منافسة "كسر عظم"، رغم أن هذا الأخير يضج بالنجوم، وأنه يُعرض على أهم المحطات العربية.
عودة باهتة لزيدان و"الكندوش" تطور
عاد الفنان أيمن زيدان هذا العام للكوميديا بعد غياب لسنوات طويلة، وتفاءل الكثيرون خيراً بهذه العودة، لكن عند العرض لم يتمكنوا من لمس هذه العودة؛ لأن "الفرسان الثلاث" لم يحقق العرض المطلوب.
الناقد الفني وسام كنعان قال في تصريح لـ"عربي بوست" إنه لم يشاهد عمل "الفرسان الثلاث" بسبب تأخر وقت عرضه، واقتصر العرض على قناة واحدة وهي الفضائية السورية.
وأضاف المتحدث أن هذا يُثير الشكوك في طريقة عمل وزارة الإعلام السورية، التي تعرض مسلسلات الشركات الخاصة بأوقات ذهبية وعلى كل قنواتها، إذ كان يجب أن تَعرض "الفرسان الثلاث" على كل قنواتها، وعلى قناتي سما ولنا، وهي قادرة على ذلك؛ إذ إن العمل من إنتاجها.
أما بالنسبة للدراما الشامية، برأي كنعان، فهي موضة قديمة، استُهلكت للحد الأقصى، وأصبح من غير المطلوب الغوص فيها، بشكل أو بآخر، فكرة أنها تلقى قبولاً من القنوات فكرة غير محببة.
وبحسب كنعان فإن "الكندوش" لم يلقَ قبولاً من الناس، لكن لم يرصد انتقاد كالذي حدث العام الماضي، والذي كان سببه المنافسة غير الشريفة بين الشركات.
وأضاف المتحدث أن نص عمل "الكندوش" مفكك، والمخرج لم يتبنَّ العمل بقدر ما اهتم بتحصيل أجره، رغم التعديلات التي أجريت على القصة بسبب النقد الكبير الذي تعرض له العمل السنة الماضية.
الدراما السورية في رمضان 2022
الصحفي والناقد نضال قوشحة، رأى أن الأعمال الدرامية المعاصرة هذا العام حققت خطوة جيدة للأمام، ففيها شيء جدي على مستوى طرح الأفكار والمواضيع الحارة، كما مسّ بعضها خطوطاً لم تكن متاحة سابقاً.
وأيضاً حققت رؤى بصرية متقدمة، وانعكس هذا الأمر بشكل جلي تماماً في "على قيد الحب"، إذ امتلك بحسب قوشحة لغة بصرية راقية وهادئة، ويُشابه الشكل الموجود في معظم الدراما العالمية، التي تعتني بالتفاصيل وتقديم إضاءة خاصة.
برأي قوشحة، فإن هناك ثلاثة أعمال تابعها الجمهور بكثافة، هي على "قيد الحب"، و"كسر عضم"، و"مع وقف التنفيذ"، وتفاعلوا معها لأنهم وجدوا فيها أنفسهم من خلال المشكلات التي طرحتها والشخصيات التي قدمتها.
أما أعمال البيئة الشامية، فبرأي قوشحة أن مسلسل "حارة القبة" هو الأكثر تميزاً، وأن البقية مازالت تراوح مكانها، ولم تخرج بعيداً عن الشكل، وهي برأيه تقدم فن التسلية من خلال حكاية بسيطة، ولها جمهورها.