بدت قصة "ديمون سلاير" في البداية كأنها قصة أنمي معتادة أخرى عن البطولة والصداقة والمعارك والتغلب على الأشرار، حتى إنها بدت أكثر عنفاً ودموية، لكن شعبية الفيلم أخذت تنمو ككرة ثلج ضخمة لتحطم شباك التذاكر في اليابان والعالم.
بدأ فيلم "ديمون سلاير: قطار موجين" يُذهل الجميع عندما جمع 100 مليون دولار باليابان في 10 أيام فقط، كما أصبح أعلى الأفلام جنياً للأرباح في تاريخ اليابان، مُزيحاً فيلم "المخطوفة" للمخرج "هاياو ميازاكي" بعد أن احتله هذا الأخير لعقدين، وفق تقرير موقع The Hollywood Reporter الأمريكي.
اجتاحت كرة الثلج العالم ليصبح أول فيلم ياباني يتخطى حاجز الـ400 مليون دولار عالمياً، ثم وصل إلى الولايات المتحدة، وحقق أرباحاً افتتاحية بلغت 21 مليون دولار، ما يجعله صاحب أكبر افتتاحية لفيلم بلغة أجنبية في تاريخ الولايات المتحدة، كما أشار تقرير صحيفة Los Angeles Times الأمريكية.
لم يكن الفيلم وحده، فقد حطمت المانجا (القصص المصورة) ومسلسل الأنمي الأرقام القياسية كذلك، وقد أطلق على هذه الظاهرة الشعبية اسم "ظاهرة كيميتسو" (في إشارة إلى الاسم الياباني للسلسلة). وهنا لا يسع المرء إلا أن يتساءل: ما السر؟ ما الذي يجعله مختلفاً مثلاً عن "ناروتو" أو "دراغون بول"؟
دعونا نحاول معرفة "الخلطة السحرية" التي جعلت فيلم "ديمون سلاير: قطار موجين" يأسر قلوب اليابانيين والعالم.
كيف أسر "ديمون سلاير" قلوب اليابانين والعالم؟
1- وباء "كوفيد-19"
جاء فيلم "ديمون سلاير: قطار موجين" في وقت كانت السوق "عطشى" فيه، حيث تم إصداره مع رفع القيود عن دور السينما في اليابان، فأقبل عليه المشاهدون المحرومون من مشاهدة السينما وحضور فعاليات الأنمي منذ بدء قيود الوباء.
في الوقت نفسه، كانت هوليوود قد قللت الأفلام الجديدة التي تصدرها، وبالتالي كان سباقاً بلا منافسين تقريباً، حتى يقال إن بعض دور السينما اليابانية عرضته لما يصل إلى 40 مرة في اليوم، وفق موقع الترفيه الأمريكي Screen Rant.
تناسب القصة أيضاً نفسية المشاهد في زمن الوباء، فهي تدور من بين أشياء أخرى، حول الفقد واستمرارية الراحلين عندما نحمل ميراثهم من المثل العليا، إضافة إلى تحمُّل العبء الشخصي والمضي قدماً في الحياة، وبالتالي وجد العمل شعبية حتى لدى أولئك الذين لا يشاهدون المانجا والأنيمي عادة.
2- أسلوب الكتابة الساحر
في الحلقة الافتتاحية للمسلسل، يعود البطل "تانجيرو" إلى المنزل ليجد كل أفراد عائلته مذبوحين بلا رحمة، لكنه يكتشف أن شقيقته الصغيرة "نيزوكو" ماتزال حية، فيحملها على ظهره ويبدأ في رحلة طويلة لإنقاذها. يلخص هذا الحدث أسلوب الكتابة الساحر للمؤلفة "كيوهارو غوتوغي".
تجمع القصة بين التراجيديا والأمل، وهو ما يجعل المشاهد يخرج من فيلم مليء بشياطين تقتل بلا مبرر عقلاني، دون أن يكون للأمر ثقل غير محتمل، وفي بعض المشاهد تستطيع الكاتبة نزع فتيل التوتر، والحصول على ضحكات من قلب المشاهدين، عبر كوميديا التفاعلات بين "تانجيرو" ورفاقه، والحس الساخر في المواقف الجادة من "الهاشيرا".
3- زخم موجود مسبقاً
تم اقتباس أنمي "ديمون سلاير" عن مانجا تحمل الاسم نفسه للمؤلفة والرسامة "كيوهارو غوتوغي"، وقد نجحت هذه المانجا بشدة منذ ظهورها في عام 2016، واحتلت المرتبة الأولى في تصنيف شركة "أوريكون" اليابانية لأعلى المانجا مبيعاً في 2019، حيث باعت 12 مليون نسخة، متفوقة على مانجا "ون بيس".
وفي عام 2019 أيضاً، فاز مسلسل "ديمون سلاير" بالمرتبة الأولى في فئة الأنمي الأكثر بحثاً على محرك البحث "ياهو" في اليابان، وحقق انتشاراً واسعاً على منصات البث في العالم.
إذن، كانت كرة الثلج تجري بالفعل قبل أن يأتي الفيلم في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وهو يتفرد عن أفلام الأنمي المشهورة الأخرى بكونه جسراً للأحداث بين الموسمين الأول والثاني من الأنمي، وليس قائماً بذاته، وبالتالي لا يمكن أن يفوته المعجبون الذين يريدون الحفاظ على اتصال الأحداث.
4- هدف البطل شخصي للغاية
بعد تحوُّل "نيزوكو" شقيقة "تانجيرو" إلى شيطانة، يصبح هدف "تانجيرو" هو إنقاذ شقيقته الصغرى وإيجاد علاج لها يعيدها إلى طبيعتها البشرية، وفي سبيل ذلك، ينضم إلى فيلق قتلة الشياطين، ويحمل طوال رحلته شقيقته في صندوق صغير على ظهره، لكي يحميها من ضوء الشمس.
إنه هدف شخصي للغاية. ربما يتحول أحياناً إلى عام، لكن منطلقه شخصي جداً؛ ليس إنقاذ العالم/الكوكب/المجرة، إنه فتى يريد حماية شقيقته فحسب، ما يخلق تقاطعات مع حياة المشاهد العادي، خاصةً المشاهد في زمن الوباء الذي تحصره الجائحة في زاوية العائلة، ويعيد تقييم روابطه.
5- مشاعر بعمق غير معتاد
ينتمي أنمي "ديمون سلاير" إلى فئة "شونن" أي "الأولاد اليافعين"، وهي نفس فئة "كونان" أو"دراغون بول"، وغير معتاد من هذه الفئة من الأنيمي أن تكون لها شخصيات وقصة ومشاعر بهذا العمق.
الجانب الروحي والحلم ثيمة حاضرة بقوة في فيلم "قطار موجين"، والروح هي الثغرة الأساسية التي يستهدفها الشيطان، الذي ليس قوياً بما يكفي ليهاجم في العالم الماديّ، ومثل هذا البُعد مفقود في كثير من نظراء "ديمون سلاير" من الأنمي والأعمال الغربية.
وبينما يبدو الأبطال نائمين فحسب، يمتلئ عالمهم الروحي بالذكريات والحياة والحركة، ويصبح الحلم حقيقياً جداً أكثر من الواقع ذاته.
6- قلب "تانجيرو" أَسر قلب العالم
كان يُفترض بالسلسلة الأصلية التي تصورتها المؤلفة والرسامة "غوتوغي"، أن يكون اسمها "كيساتسو نو ناجاري"، التي تعني "قتل"، لكن المحرر المتعاون معها وجد أنها مظلمة ومقبضة جداً، وشجع "غوتوغي" على تطوير "شخصية أكثر إشراقاً وأكثر طبيعية" في عالم القصة القاتم.
والواقع أن إحساس المحرر كان صحيحاً، فشخصية البطل "تانجيرو" تعد الآن من أهم ركائز شعبية السلسلة، فيما يعود بشكل كبير لتفاؤله الذي لا يتزعزع في وجه العنف المستمر والخطر.
لدى "تانجيرو" قلب طيب- يمنح لنا الفيلم نظرة داخل هذا القلب- وموهبة فريدة تمكنه من إدراك نوايا الأشخاص من رائحتهم، ورغم أن "تانجيرو" لم يكن الأقوى مادياً في الفيلم، فإنه كان كذلك روحياً.
ووفقاً لاستطلاع أجري على طلاب الابتدائية باليابان في عام 2020، ونشره موقع Anime News Network المتابع لأخبار الأنمي، اختار الطلاب "تانجيرو" كشخصيتهم المفضلة الأولى من بين قائمة بـ10 شخصيات تضم أمهات الأطفال وآباءهم ومعلميهم.
7- مقاومة التحول للشر
هناك ثيمة متكررة في السلسلة بشكل عام، عن مقاومة التحول لشياطين، وفيما يبدو، هذا محض خيال لأول وهلة، إلا أنه يبدو بعد إعادة التأمل اختباراً إنسانياً واقعياً للغاية. ومع اختيار أبطاله لإنسانيتهم؛ يعزز الفيلم تصوره عن الهشاشات التي تصبح مصدر قوة، وعن الخلود الحقيقي للإنسان.
8- تحفة بصرية مذهلة
لا يأسر "ديمون سلاير" القلب فقط، بل العين أيضاً، حيث يبرع أستديو "يفوتابل" في مزج الرسم اليدوي ثنائي الأبعاد، مع البيئات ثلاثية الأبعاد، مما يجعل الفيلم تحفة بصرية، خاصةً المعارك، التي تغرِق المشاهد فيها تماماً.
تمكَّن المخرج "هارو سوتوزاكي" من جعل مشاهد القتال مليئة بالخلفيات الديناميكية ثلاثية الأبعاد، والحركة المرنة للشخصيات، محققاً حركات معقدة للكاميرا، مع دمج الألوان المشرقة والمشبَّعة مع العنف الدموي، في أسلوب فريد من نوعه، ليصنع بعضاً من أجمل مشاهد القتال في صناعة الأنمي على الإطلاق، وفقاً لما يراه الناقد "رافايل موتامايور" في مقالٍ له نُشر بصحيفة The Observer البريطانية.
كان الفيلم ناضجاً في صنعته الفنية وفي قدرته على توريط المشاهد عاطفياً في القصة. بمرور السنوات، ربما ينسى المرء مدى الفتنة البصرية في معارك "ديمون سلاير: قطار موجين"، لكنه لن ينسى كيف أفلتت منه الضحكات والدموع الصادقة أمام فيلم مثل الحكاية المناسبة في زمن الوباء.