في كل مرة ستتحدث حلا شيحة ستراها تتكلم بمنتهى الثقة والثبات، ستخبرك مرة أنها لن تتزوج لكنها ستهرول بعدها للزواج، وستقول إنها من المستحيل أن تترك التمثيل لأجل زواج يُبعدها عن مهنتها المفضلة، فتفعل ذلك حرفياً لاحقاً، ستقول إنها لن تخلع الحجاب حتى الموت فتخلعه، ستعود لتقول إنه ليس فرضاً، وإنها لن تكون محجبة بعد الآن، ثم تعود إليه.. هكذا هو الحال مع حلا شيحة، امرأة "تعود" باستمرار إلى ذات النقطة التي تركتها بنفس الإصرار، يهلل لها الناس تارة ويهاجمونها بضراوة مرة أخرى، وهي بين هذا وذاك لا تتوقف عن "العودة".
لماذا تكره شكلها؟
استوقفني كثيراً ذلك السؤال المباغت الذي ردّت به حلا شيحة على الإعلامي محمود سعد، حين سألها عن إمكانية اعتزال ممثلة جميلة مثلها مستقبلاً إن تزوجت، فهتفت بسعادة "إنت شايف إني أنا حلوة؟"، تركت حلا السؤال الأساسي وركزت على ملاحظة المذيع، لتسأله إن كان يعتقد حقاً أنها جميلة، هذا السؤال بالذات يفسر الكثير بشأن حلا شيحة، التي وصفت نفسها في المقابلة ذاتها بأنها ترى أن شكلها "مقبول".
لم يكن هذا مجرد رأي عابر من حلا شيحة تجاه نفسها، هي فعلا لا تشعر برضا كبير عن نفسها، لا عن تمثيلها الذي تراه في أحيان كثيرة ليس جيداً، ولا عن نفسها، ولا عن محيطها الذي لطالما أطالت الابتعاد عنه داخل غرفتها الخاصة، وهو ما أكدت عليه في لقائها مع محمود سعد، حيث بدا أنها اشتهرت بوحدتها وبقائها بعيدة عن الجميع طوال الوقت، تمارس هواياتها وتفكر وتخطط وحدها.
حين ظهرت في مهرجان الجونة، عام 2019، لفتت النظر إلى جلسة التصوير التي سبق أن نفذتها لحساب إحدى المجلات العربية، مؤكدة "حلوة مش وحشة.. الناس حبت شكلي في اللوك في (الشوت) ده، وأنا كمان اتبسطت".
تأكدتُ من عدم قبول حلا لشكلها من ذلك المقطع الذي ظهرت فيه خلال شهر رمضان 2021، حيث أكدت لـ"الميكب أرتيست" رشاد، بينما كان يضع لها المكياج، على عدة مناطق في وجهها لا تحبها، فيما لفت هو أكثر من مرة دون قصد أنها سبق أن أخبرته أنها لا تحب تلك المناطق، ذقنها وأنفها ورقبتها، وغيرها من المواضع في وجهها.
ربما حالة عدم القبول تلك لشكلها جعلتها وبرغم جمالها اللافت في جلسة التصوير المذكورة، تلجأ عقب مشاركتها في مسلسلها الأول عقب الأول "زلزال" إلى عملية تجميل فاشلة أفسدت مظهرها تماماً، لتندم عليها لاحقاً، وتؤكد أنها "لحظة جنان" مشيرة إلى رغبتها في تغيير شكلها، والتي انتهت بها إلى مأساة أفسدت شكلها وأدائها في المسلسل التالي "خيانة عهد"، رغم النجاح الساحق للمسلسل بقيت هي النقطة السوداء، حيث تم وصف أدائها بالمتواضع.
خشيت حلا شيحة أن تزيل التعديلات التي أجرتها على شكلها، خوفاً من حدوث مضاعفات "وشي رفيع، كنت عاوزة شوية خدود طلعت دبل خدود، لكن خفت أصلح أحسن الدنيا تبوظ أكثر، الناس قالولي هو هيروح لوحده".
حلا شيحة تحب نفسها وتعشق الهجوم
عكس كثيرين تنظر حلا شيحة إلى الهجوم والغضب منها باعتباره أمراً جيداً، يغذي ذلك لديها الشعور بالتميز والقوة، وأنها تمشي على طريقها الذي رسمته لنفسها ولو كره الكارهون. الممثلة التي حظيت في مرحلة ما من حياتها بلقب "أم هنا" قررت ارتداء الحجاب قبل أكثر من 12 عاماً، ثم تراجعت بسبب الهجوم لتصر على قرارها لاحقاً، وتتخذ مجموعة من الخطوات المفاجئة، فتترك زوجها عقب عقد القران -هاني عادل- وتقرر ارتداء النقاب. ثم تذهب إلى صديقها القديم الذي سار قبلها على الدرب نفسه "يوسف هيرسن"، الذي لم يكن يُبدي لها أي عواطف من قبل –على حد تعبيره- لكنها هي من قررت أن ذلك الشخص قد أصبح مناسباً لها في هذه المرحلة من حياتها، ليتزوجا وتنجب أربعة من الأطفال خلال 12 عاماً، بدا من بعيد أن كل شيء على ما يرام، وحلا التي اختارت النقاب والابتعاد عن كل شيء سعيدة. مازلت أتذكر ذلك المنشور الذي قامت بنشره عبر مجموعة SURVIVE HIJAB عبر فيسبوك، تنتقد فيه صديقتها التي كانت منتقبة، وتعتبرها حلا من أقرب الناس لله، ثم قامت الصديقة لاحقاً بخلع النقاب، ثم الحجاب، ثم بدأت في ارتداء البكيني والملابس العارية، انتقاد حلا العنيف لصديقتها جعلها قدوة في الصلاح للكثير من الفتيات، حاولت العثور على المنشور مرة أخرى، لكن حلا التي قامت بمسح حسابها الخاص بالمنشورات الدينية لم تدَع فرصة للعثور على المنشور مرة أخرى، وإن بقيت أصداؤه، وكذلك ذلك الفيديو الذي روت فيه قصة ارتدائها الحجاب والنقاب وزواجها كاملة عبر قناة الناس، توضح كيف تتخذ قراراتها بقوة وتعود عنها بالقوة ذاتها.
في كل مرة تهتم حلا شيحة بشعورها فقط، قبل 12 عاماً اهتمت بمشاعرها المتضاربة، وكيف تبتعد عن شعورها بالاغتراب، وهو ما بددته بقرار الالتزام والابتعاد عن الوسط الفني، ولكن يبدو أنها وصلت هناك في الأراضي البعيدة إلى شعور الوحشة من جديد، صحيح أنها لم تذكر يوماً سبب انفصالها، لكن السبب انفلت من لسانها حين قالت في رمضان قبل الماضي: "محدش فاهم الأسباب، مش لازم أشرحها لحد، خدت القرار بقوة، قلت هرجع بلدي وهشتغل، ومش هحتاج حد في أي حاجة، وهسيب ولادي وأنا مش قادرة أسيبهم، عيطت جامد في المطار، كل شوية ألفّ ورايا عشان أشوفهم ودموعي ماوقفتش عليهم، أعمارهم 11 و10 سنين، أنا عارفة الموقف قد إيه صعب، لكن جوايا يقين إن ده هيتغير، ولادي في كندا بكلمهم، وعلى طول تليفونات، وبسأل عليهم، وقد إيه نفسي أحضنهم، وعارفة بيحبوني وبيحبوا باباهم، وعلاقتنا تكون كويسة عشان الولاد، لكن غصب عني أنا أُم"، هكذا ولأجلها قررت "الأم" ترك نصف أبنائها سعياً وراء ما رأته مناسباً لها، تاركةً خلفها الزوج الذي اختارته بنفسها يبكي بحرقة، ولتبكي هي بعد أن التأم شملها بعائلتها أخيراً، عقب 12 سنة من الاعتزال، عادت أيضاً من أجل شعورها "حاسة إحساس حلو 12 سنة، حاسة دلوقتي إني أحسن بكتير لما رجعت، مايهمنيش الناس ولا رأيهم ولا تفكيرهم، أنا مش من الناس اللي بتتأثر بالناس اللي حواليها، اللي أنا حساه ونفسي أعمله بيأثر فيا، كان نفسي أعمل حاجات معينة وعملت اللي أنا عاوزاه، ودلوقتي نفس الحاجة، أنا عاوزة أبقى أنا، وحسيت إني مش الشخصية دي -شخصيتها المتدينة السابقة- مش قادرة أحس نفسي، خليك دايماً مع أحلامك وطموحاتك وأحلامك، محدش بيرضي حد، ومحدش بيبسط حد، أنت القائد".
كان ذلك هو أصدق ما قالته حلا شيحة عن نفسها والأكثر تطابقاً مع حياتها، بالفعل الشيء الوحيد الذي لطالما التزمت به حلا هو إيمانها أن القادم في حياتها سيكون أفضل، قالت ذلك بوضوح في لقائها مع محمود سعد، وعادت لتؤكده في عدة لقاءات بوضوح، مشيرة أن حالة عدم الاستقرار والتخبط ما هي إلا مقدمة لما ترى أنه سيكون جيداً "كل ده بيديني قوة مش حزن إني هنجح وهبقى حاجة كويسة وممثلة جيدة، عاوزة حياتي تكون أحسن وولادي يكونوا معايا".
حلا شيحة التي تمنت عقب عودتها أن تقدم فيلماً رومانسياً حققت هدفها بتمثيل فيلم "مش أنا"، عقب تقديمها مسلسلين "خيانة عهد" و"زلزال"، لتشعر من جديد بالاكتفاء وتقلب الطاولة في وجه ما أحبته، وتثير الجدل من جديد، لكن هذه المرة كانت العاصفة أعنف، فالممثلة التي تبرأت من مشاهدها في فيلم "مش أنا"، والذي قامت بتصويره قبل عام، هاجمت زميلها تامر حسني، عقب نزول الكليب الخاص بهما، عقب عرض الفيلم في السينمات قالت حلا شيحة: "الكليب ده ميرضيش ربنا، وأنا عيطت لأني شفت نفسي في المشاهد دي، دي كانت نتيجة ظروف مريت بيها وكلنا بنغلط"، ثم وجهت انتقادها للفن عموماً "الفن لو بيخلينا نبعد عن منهج ربنا ومنبقاش قدوة لولادنا يبقى باطل وميبقاش فن"، الأمر الذي أثار ضدها عاصفة انتقادات وسخرية، وصلت إلى حد الإهانة، من مخرجين وممثلين ومنتجين، حيث ربط الجميع بين زواجها من الداعية معز مسعود قبل عام تقريباً وبين تصريحاتها التي أثارت عاصفة من الجدل، وفي الوقت الذي أعلن فيه نقيب الممثلين ندمه السماح لها بالتمثيل، وأنه لن يسمح لها بالعودة للمهنة مرة أخرى، خرج زوجها ليعلن تضامنه الكامل معها، بينما حظي الفيديو الذي تفجرت بسببه كل المشكلات بنسب مشاهدة حولته إلى "ترند"، بينما بقيت ردود كل من تامر حسني ومخرجة العمل والشركة المنتجة نقطة سوداء في ثوب حلا شيحة، الذي تحاول تبييضه طوال الوقت، وأبطلت حججهم حجتها، ووصل الأمر إلى مقاضاتها لعدم الالتزام، ما يهددها بالغرامة أو الحبس أيهما أقرب، لكن الخسارة الأكبر برأيي كانت هذه المرة مع والدها الذي خرج عن صمته لأول مرة، الرجل الذي لطالما أعلن احترامه رغبات بناته وعدم تدخله في اختياراتهن مهما كانت، خرج لأول مرة ليعلن أن ابنته مخطوفة، وأن التصريح الذي أثار في وجهها موجة الغضب تلك لا يمكن أن يصدر منها أبداً، لتخرج هي وترد على والدها بطريقة بدت عنيفة، توحي بأنه ليس ثمة اتصال حقيقي بينهما سوى مواقع التواصل، حيث أكدت له "لماذا يعتبر كل متدين إخوانياً".
هل هي ممثلة جيدة أصلاً؟
حين قابلها محمود سعد أخبرها أنه يرى أن أداءها متذبذب بين القوة والتواضع، وأمّنت هي على حديثه، على المستوى الشخصي لا أراها ممثلة قوية، هي هادئة ولطيفة وتفي بالغرض أينما وضعت، لكنها لا تُحدث فارقاً، لهذا دائماً ما يتم انتقادها، حيث ينتظر منها المشاهدون والنقاد ما لا تتمكن من تقديمه في كل مرة، ربما كان الأداء الأكثر قوة في حياتها هو ذلك الذي قدمته في فيلم "السلم والثعبان"، لينهار أدائها التمثيلي عقب ذلك، بدا ذلك واضحاً في مسلسل "زلزال" الذي عرّضها لانتقادات عنيفة جداً وصلت إلى حد مطالبتها بالعودة لدراسة التمثيل من جديد، لكنّ أياً من تلك الانتقادات لم يعن لها شيئاً، بل اعتبرتها دليلاً على النجاح، وحالة من الغيرة، مؤكدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي "البعض يكره أن يراك ناجحاً لأنهم لا يستطيعون أن يحصدوا نسبة 1% مما تحققه، لذا استمر بالتألق لتحرقهم أكثر"، لكن الهجوم تواصل مع بقية الأعمال اللاحقة، حتى إن البعض اعتبرها واعظة أكثر منها ممثلة، لكن ما لا يعلمه الجميع أنه بالنظر لتاريخها ستظل حلا شيحة تعود مرة بعد أخرى حتى تصل إلى ذلك الأمر المفقود الذي تبحث عنه منذ وقت طويل.. نفسها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.