"هوي أصحابي.. شوفتوا امبارح حصل إيه؟".. بهذه العبارة تفتتح شخصية الطفل النوبي "بكار" حلقات مسلسل الرسوم المتحركة المصري، الذي كان يتم بثه خلال شهر رمضان على مدار سنوات.
وكانت شخصية "بكار" أحد أبرز الأسباب وراء التعريف بثقافة النوبة وبعض من لهجتها وعاداتها التقليدية، إذ أصبح المسلسل من أكثر الأعمال شهرة على شاشات التلفزيون في مصر ثم العالم العربي بعد ذلك.
وكان يستعرض بحلقاته ذات القالب الاجتماعي الكوميدي بعض القيم والدروس الأخلاقية التي رغم استهدافها للأطفال لاقت قبولاً لدى البالغين أيضاً.
كيف كانت البداية؟
لم يبدأ "بكار" بنيّة أن يكون مسلسلاً كرتونياً، ولكن بدأ على أن يكون فيلماً كرتونياً قصيراً من إنتاج وإخراج المؤلفة المصرية منى أبو النصر.
وبدأت الفكرة بحسب صحيفة المصري اليوم عام 1997، حينما اقترحت رئيسة التلفزيون المصري سهير الإتربي، صُنع فيلم بمناسبة اختيار هذه السنة عام "طفل الجنوب"، من بطولة طفل مصري من النوبة.
واقترحت الإتربي فكرتها على المخرجة الراحلة منى أبوالنصر، التي عملت عليها مع المؤلف المصري عمرو سمير عاطف، الذي تحمّس للفكرة وبدأ في كتابتها. وتم الاتفاق بالفعل على صنع فيلم يسلط الضوء من خلال البطل النوبي الصغير على المعابد والآثار المصرية وعادات وتقاليد أهل الصعيد، في عمل لا يتجاوز الخمس دقائق.
تطوير الفكرة ونجاح غير متوقّع
وبسبب نية صنع الفيلم للدخول به في مسابقة بمناسبة "طفل الجنوب"، دارت أحداثه عن طفل نوبي بملابس تقليدية ولا يتجاوز عمره 6 أو 7 سنوات، يتصف بالجرأة والشجاعة والذكاء. ويعيش بكار في الفيلم مع والدته في منزل من الطوب اللبن برسومات مزركشة، وله عدد من الأصدقاء من البشر وحتى الطيور والحيوانات. ويشارك الطفل بمسابقة للرسم ويفوز بها.
وقد قامت الفنانة المصرية نيفين الجبلاوي برسم وتصميم الشخصية التي كانت ترتدي عمامة سودانية في البداية، قبل أن يتم استبدالها بالطاقية النوبية.
كما صرح المؤلف عمرو سمير عاطف في لقاء تلفزيوني على قناة Ten، بأن الفيلم الذي لم يكن من المفترض أن يتجاوز 5 دقائق تطور ليصبح لمدة 20 دقيقة، ثم ما لبث أن تم صنع أكثر من 250 حلقة تلفزيونية منه في 9 مواسم.
وفاز بكار وفقاً للمؤلف بجميع جوائز مهرجان الإذاعة والتلفزيون المصري، رغم أنه شخصياً توقع فشل العمل بسبب "بساطة المحتوى". مرجعاً سبب ذلك الفوز والقبول إلى رغبة المصريين في مشاهدة تفاصيل الحياة التقليدية في الصعيد، ولإقبال المشاهدين في العالم العربي على معرفة هذا الجانب من التفاصيل المصرية التي ليس من العادة مشاهدتها في الأعمال الأخرى.
مسلسل من 9 أجزاء
وبدأ المسلسل الكرتوني "بكار" برسوم بسيطة جسدته وأصدقاءه "حسونة" و"همام" ونعجته الأليفة "رشيدة" لأول مرة عام 1998. واستطاع أن يجذب إليه جمهوراً واسعاً من الصغار والكبار بسبب تنوع أحداث المسلسل، حتى أصبح أحد ملامح الثقافة المصرية النوبية.
وساهمت شارة التتر وأغنية النهاية من كلمات المؤلفة المصرية كوثر مصطفى، وغناء المطرب النوبي الأصل محمد منير، وتلحين عمرو أبوذكري، في رواج المسلسل وانتشاره لتُصبح الكلمات والموسيقى أحد أبرز معالم العمل الأيقونية حتى اليوم.
وبداية من الجزء الأول حتى الجزء السابع، ازداد نجاح المسلسل بالتدريج مواكباً تطورات العصر ولغة الجيل الشاب سواء من خلال أحداثه أو صورته وإخراجه الفني.
وقام أكثر من 5 أطفال بالأداء الصوتي لشخصية "بكار" على مدار 9 سنوات، كان أشهرهم وأكثرهم كفاءة هو عمرو مصطفى، وفقاً لمنشور المؤلف عمرو سمير يوسف عبر حسابه على فيسبوك.
وقف المسلسل بسبب غياب التمويل
وبعد أن أشرفت منى أبو النصر على إخراج 5 أجزاء من إجمالي 9 أجزاء، واستكمل العمل في الأجزاء التالية نجلها المخرج شريف جمال، تقرر وقف المسلسل عام 2007 بسبب ضعف الإمكانات المادية.
وحول أسباب وقف إنتاج "بكار"، أوضح المؤلف عمرو سمير عاطف لموقع مصراوي، أنه جاء نظراً لـ"صعوبة تطويره اعتماداً على ميزانيات التلفزيون الهزيلة في هذا الوقت"، على حد تعبيره.
عودة جديدة بتقنية الـ3D
وبعد 10 سنوات تقريباً من الإيقاف، قرر المؤلف عمرو سمير والمخرج شريف جمال إعادة تقديم المسلسل عام 2015. على أن يظهر "بكار" بتقنية الأبعاد الثلاثية 3D في محاولة لإعادة إحياء الشخصية وعرضها من جديد خلال شهر رمضان، وفقاً لصحيفة الشروق المصرية.
ومنذ عام 2015 وحتى اليوم، يتم إنتاج جزء جديد للمسلسل سنوياً ويتم عرضه على القنوات المصرية والعربية الكبرى خلال شهر رمضان بخاصية الـ3D.
ووفقاً لموقع صدى البلد المصري، فقد طرأت على القصة العديد من التطورات والتحديثات لكي يواكب نمط معيشة الجيل الجديد من المشاهدين، وتمت إضافة شخصيات جديدة للمسلسل مثل صديق "بكار" الجديد "فارس" أو اللص الذي يؤدي بطولة الشر في الحلقات "مشرط"، وغيرهم.