تنويه هام: إذا كنت لم تشاهد مسرحية "بودي جارد" فننصحك بتأجيل قراءة الموضوع خشية حرق بعض أحداثها.
احتفل رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ بتجاوز عدد مشاهدات مسرحية "بودي جارد" لعادل إمام النصف مليون مشاهدة في اليوم الأول من عرضها (26 فبراير/شباط 2021)، لكن بعضاً ممن شاهدوها كتبوا في التعليقات أنها لم تعجبهم، وأنها ليست بمستوى مسرحيات عادل إمام السابقة، ولا تستحق الاحتفاء الكبير بها.
محرر قسم الفن في "عربي بوست" شاهد المسرحية (180 دقيقة) عبر تطبيق "شاهد" التابع لمجموعة قنوات MBC، كما جمع عدداً من التعليقات المحتفية والمنتقدة، لعمل عرض سريع للمسرحية التي تأخر عرضها 11 عاماً، ظلت خلالها حبيسة الأدراج ولم تعرض على أي شاشة، رغم أنها عرضت على المسارح لـ11 موسماً سابقة (منذ عام 1999: 2010) في عدد من الدول العربية.
لكن منذ 2010 توقف عرضها بقرار من منتجها سمير خفاجي، مع حالة الكساد التي طالت المسرح خصوصاً في مصر، وخلال تلك الفترة فشلت محاولات خفاجي وعادل إمام، ومخرجها نجله رامي إمام لبيعها للعرض عبر شاشات التلفزيون، وذلك بسبب المبالغة في سعر بيعها، كما ذكرت صحيفة "اليوم السابع".
مسرحية بودي جارد لعادل إمام
كوميديا غير مضحكة ومبالغة في "الإفيهات" الجنسية
تعرضت المسرحية لكثير من الانتقادات حتى إن أحد نجوم المسرحية؛ شريف إدريس، الذي عمل ضمن فريقها بين عامي 2006 لـ2010، كتب منشوراً يبرر فيه عدم الإعجاب الحالي بها باختلاف الزمن، وأنه إبان عرضها كانت تحضر جماهير عريضة، وبعضهم كان يحضر أكثر من مرة فقط لرؤية "الزعيم".
أبرز الانتقادات التي تعرضت لها المسرحية الكوميدية أنها لم تكن مضحكة كفاية، وربما اختلاف الزمن كان عاملاً فعالاً، لكن النسخة التي تعرضها "شاهد" ليس بها أصوات مبالغة لجمهور قتل ضحكاً مثلما نسمعهم في مسرحيات أخرى للزعيم مثل "مدرسة المشاغبين"، و"العيال كبرت"، و"الزعيم"، و"الواد سيد الشغال"، و"شاهد مشافش حاجة".
أيضاً، ربما كانت جرعة الإفيهات (النِكات) الجنسية مبالغاً فيها أكثر من أشهر مسرحياته وأكثرها متعة، بداية من مشهد دخول أدهم الجبالي (عادل إمام)على المسرح، حيث يقبل ويتغزل بمساعدات رجل أعمال مسجون معه بنفس السجن يسمى سعدالدين فارس (عزت أبوعوف)، واستمرت الإفيهات الجنسية مع ظهور الكثير من الصديقات والزوجات لرجال الأعمال والمسؤولين، وعلاقته بزوجة زميله السابق في السجن؛ سعد، الذي خرج من السجن أساساً ليكون "بودي جارد" خاصاً لها، لكن علاقته بها تخطت ذلك.
ولا شك أن يكتب "شاهد" تنويهاً في بدايتها أنها مخصصة للكبار فقط، ولا تلائم من هم دون الـ18 سنة بسبب احتوائها على مشاهد وعبارات "حادة".
السيناريو غير محبوك، والكثير من الارتجالات غير الموفقة
تدور مسرحية "بودي جارد" لعادل إمام حول سجين في قضية فساد مالي واختلاس يدعى سعد (عزت أبو عوف) متهم بسرقة 700 مليون جنيه، ويسجن في ظروف استثنائية فريدة لدرجة أنه بدخول زميله السجين أدهم (عادل إمام) بالخطأ لم يصدق أنه سجن، وظنه منتجعاً أو ربما سجناً في سويسرا، ثم تركز بعد ذلك على حياة طبقة الصفوة من رجال الأعمال والمسؤولين.
وهنا إسقاط سياسي من المسرحية، خصوصاً أنه قارن بين ظروف السجناء العاديين والسجناء من رجال الأعمال، وعرج إلى سجن رموز الفكر والأدب والسياسة أيضاً، لكنه لم يكن صلب السيناريو، فالسيناريو بدا فارغاً في مناطق كثيرة، غير عميق ورسائله الموجهة محدودة، خصوصاً السياسية، مقارنةً بسيناريو أعمال أخرى لإمام مثل "شاهد مشافش حاجة"، و"إحنا بتوع الأتوبيس"، و"الواد محروس بتاع الوزير"، و"الإرهابي"، و"السفارة في العمارة"، الذي جعلها تقع في شباك المنع من العرض ومقص الرقابة.
بالأساس، اختفاء المسرحية لـ11 عاماً جعل كثيرين يظنون أن مقص الرقابة كان السبب، لكنه لم يكن كذلك، والسبب في هذا الاعتقاد أن إمام كان قد حكم عليه بالسجن 3 أشهر والغرامة 50 ألف جنيه له وزميله سمير خفاجي، الذي كان مؤلفاً لمسرحية "شاهد مشافش حاجة"، بسبب مشهد منها، ومنعت بعض أعماله من العرض لفترات طويلة بسبب رسائلها السياسية، وأشهرها "إحنا بتوع الأتوبيس". لكن
خلو السيناريو من الكلمات الرنانة سواء لقضايا مجتمعية متجذرة أو تلميحات سياسية معهودة في بعض أعمال الزعيم، ترك مساحة كبيرة من الارتجال لإمام، وكانت مضحكة فعلاً للجمهور وحتى لطاقم التمثيل الذي ضحك أكثر من مرة، لكن مقارنة بمشهد الارتجال في مسرحية "الواد سيد الشغال" ودقائق الضحك التي لم يتوقف الجمهور عنها لحظة، ولا حتى تمكن مصطفى متولي وعمر الحريري من إكمال مشاهدهما لنحو 10 دقائق، يشرح كيف لم تكن الارتجالات موفقة كثيراً، خصوصاً أن معظمها ركز على "إطلاق الغازات" مثلاً، أو مشاركة "كومبارس" في عمل آخر لإمام، أو الركض المستمر على المسرح خلف رجل لا يفهم سياق مشاركته في قصة العمل.
مسرحية البطل الواحد
إذا نظرنا إلى أبطال العمل، نجد أن نجوم الصف الأول اختفوا من المسرحية، وكان العمل كله قائماً على ظهور إمام، فمثلاً في النسخة التي عرضها "شاهد" كان الأبطال الأساسيون السورية رغدة، وسعيد عبدالغني، وعزت أبو عوف، لكن باقي النجوم من الصف الثاني والثالث، وبعضهم لم يكن قد شارك في بطولة أعمال فنية كبيرة قبل المسرحية، مثل ضياء عبدالخالق، أو لم يشارك في أعمال فنية مطلقاً مثل أحمد التهامي، لكنهما حصلا على أدوار كبيرة نوعاً ما بالنسبة لأرشيفهم الفني، وأداؤهم كان متواضعاً للغاية في نهاية المطاف.
أيضاً كان هناك نوع من التساهل مع ظهور فناني الكومبارس، إذ ظهر الممثل مصطفى هريدي في دورين مختلفين؛ الأول بظهوره في دور الرجل الذي يخرج حياً من النعش، ومرة ثانية في دور حاجب المحكمة.
وذلك رغم أن نسخاً أخرى من المسرحية شاركت فيها شيرين سيف النصر مكان رغدة، ومصطفى متولي شقيق زوجة الفنان عادل إمام، الذي توفي (عام 2000) قبل تسجيل العمل تلفزيونياً واستبدل بالفنان محمد أبوداود، لكن يظل غياب أبطال يوازون نجومية إمام نقطة ضعف، مقارنةً على الأقل بأشهر مسرحياته سالفة الذكر. (يبدو أن هذه النسخة سجلت بين 2007 إلى 2010، إذ أشار إمام في أحد إفيهاته إلى فيلمه "مرجان أحمد مرجان" الذي صدر بالعام 2007)
هل ملّ الجمهور من التكرار؟
جمهور الزعيم يحب حركات وجهه وجسده المتكررة تقريباً في كل أعماله، والتي تعتبر جزءاً من الكوميديا المعتمدة في هذه المسرحية وباقي أعماله، لكن كان هناك تكرار آخر في نمط الشخصيات والديكور والسيناريو.
مثلاً في الشخصيات، ستجد المرأة العجوز الثرية موضع سخرية طوال العمل، والعجوز الآخر يظهر خارج السياق، ويجري خلفه أدهم بلا سبب مفهوم، وفي أكثر من مشهد، كذلك كان هناك الكثير من الكومبارسات الذين يتعرضون للضرب من البطل، سواء سيدات يضربن على مؤخرتهن أو يمسك البطل ملابسهن ويسخر منها، أو رجال ينالون بعض الصفعات على الوجه والقفا، بل وأيضاً رجل افترش الأرض ليقف إمام بإحدى قدميه عليه نحو 5 دقائق.
كذلك كانت هناك شخصيات فرعية تظهر بأدوار منخفضي ذكاء لا يفهمون أبسط الكلمات والتعليمات، مثل عسكري لا يفهم طلب البطل منه إحضار شاي وبسكويت له، وينطوي مشهده ومشهد حاجب المحكمة مثلاً على كثير من السخرية من ذكائهم المحدود، وتقتصر أدوارهم على الاستعراض بجمل محفوظة يرددونها بأصوات مرتفعة، مع حركات أجسادهم المضحكة.
كل هذه العوامل متكررة إلى درجة أنك في مشهد المحكمة ستشعر أنك تشاهد جزءاً من مسرحية "شاهد مشافش حاجة" (1967)، سواء في الديكور أو السيناريو أو الشخصيات، وكذلك ستشعر باقتباس كبير جداً من مسرحية "الزعيم" (1993)، في مشهد حفلة لمجموعة من الأثرياء في فيلا سعد، بداية من مشهد دخول إمام للمسرح، وطريقة التفاعل مع الحفلة، وأيضاً في مشهد غرفة النوم، التي تذكرك بغرفة "فخامته".
لماذا شاهدها نصف مليون؟
إذا اعتبرنا أن رقم نصف مليون مشاهدة في أول 24 ساعة غير مبالغ فيه، فهناك أسباب كثيرة تشرح سر هذا الإقبال، بينها أن المسرحية لم تعرض قبل ذلك على شاشات التلفزيون، واقتصر عرضها على المسارح فقط، ثم اختفت لسنوات كثيرة تالية، بالإضافة لعوامل أخرى مثل توقعات الجمهور لعمل يوازي أشهر مسرحيات الزعيم، وكفاه هنا استخدام اسمه للترويج لعمل فني خالٍ من السيناريو المحبوك والتمثيل الجيد والقصة القوية.
لكن في النهاية كان هناك الكثير من العوامل الإيجابية اللافتة في المسرحية، منها الإسقاطات السياسية عن دخول السياسيين والكتاب للسجون، أو اختلاف التعامل مع السجناء حسب قضاياهم ومراكزهم، أو الفساد المالي لكبار المسؤولين، أو قضية تهريب الأموال لسويسرا، أو الوحدة الوطنية "السلبية" في مصر، وظهر هذا عندما قال: "إحنا عندنا وحدة وطنية؛ مسيحي مسلم، كله هياخد على قفاه"، وأيضاً قضايا العروبة والقومية العربية، وإن مر على الأخيرة بشكلٍ ساخر، ونشاط الاشتراكيين الذي تبعه نشاط رأسمالي.
كذلك مر سريعاً على قضايا مجتمعية ودينية مثل إلحاد الشباب، أو ظهور أفكار شبابية غريبة، جسدهم في ظهور "عبدة الشيطان"، وإن مر على معظمهم مروراً خاطفاً، ولم تكن صلب الحوار، رغم أن مدة عرض المسرحية الطويلة كانت تكفي لطرح أطول لهذه القضايا، وأيضاً مؤلفها يوسف معاطي قدم لنا سابقاً أعمالاً بها قصة أكثر تأثيراً، وحوار أكثر عمقاً في أعمال أخرى من بطولة الزعيم، مثل "الواد محروس بتاع الوزير" (1999)، و"التجربة الدنماركية"، و"السفارة في العمارة".
إلا أننا لا ننسى أن عامل الزمن سيمثل عامل إحباط لا محالة، فهناك بعض المشاهد والعبارات كانت مفهومة في توقيت عرض المسرحية أكثر من الآن، مثل رد أدهم على سيدة تحرشت به: "ليه؟ فكراني كلينتون؟"، ويقصد رئيس أمريكا الأسبق بيل كلينتون وقضيته مع مونيكا لوينسكي، بالعام 1998، وهذه تمثل محور أزمة دائمة في كوميديا الاستهلاك السريع التي تعتمد على "الترند" أو التي تعيش أزماناً.
أما العامل الأهم بعد كون المسرحية للزعيم، فهو شراء الهيئة العامة للترفيه بالمملكة العربية السعودية لحقوق عرضها في صفقة لم تعرض تفاصيلها، لكن يدور حديث عن صفقة بالملايين أقنعت إمام بعرضها بعد كل هذه السنوات.
في النهاية قدّم لنا إمام أرشيفاً فنياً كبيراً، بعضه فاق التوقعات، وبعضه الآخر كان دونها، وهذا العرض للمسرحية ليس انتقاداً لأعمال الزعيم، بل على العكس، فقد انتظرنا كما انتظر جمهوره أعمالاً بمستوى أعمالٍ سابقة له، وربما لهذا السبب جاءت الانتقادات أساساً