كان حاتم علي طفلاً صغيراً في العام 1967، عندما نزح من منزله في الجولان إلى دمشق بالقرب من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين. وهناك كان شاهداً على المأساة التي عاناها الشعب الفلسطيني وانتهت بهم في ذلك المخيم، الأمر الذي بقي راسخاً في ذاكرته وتشكيل وعيه ليجسده فناً بعد عقود في التغريبة الفلسطينية، الملحمة الإبداعية التي تعاون فيها مع الدكتور وليد سيف، شريكه في أبرز وأنجح الأعمال التاريخية التي قدمها على الشاشة.
لكن بدايات حاتم، لم تكُن كما أراد لها؛ كان الشاب الطموح يحلم بدراسة النقد والدراسات المسرحية وليس التمثيل، لكن عندما تم تأجيل الاختصاص لعدة سنوات في دمشق، انضم لقسم التمثيل ليتخرج العام 1986.
ورغم الابتعاد بعض الشيء عن طموحه الأولي، إلا أنه بقي في الفلك الفني الذي أراد أن يكون جزءاً منه، فألف للمسرح، وكتب القصة القصيرة وحتى السيناريو. كما عمل ممثلاً مع المخرج هيثم حقي في مسلسل "دائرة النار" العام 1988، لتتوالى أدواره الفنية بعد ذلك، وتحديداً في الأدوار التاريخية والبدوية.
ورغم امتهان التمثيل، إلا أنه لم يكن كافياً هو الآخر، واكتشف علي أن التمثيل لم يكن الطريق المناسب "لتأسيس فكرته الخاصة" ومدرسته الفنية.
وفي فيلم وثائقي بثته قناة الجزيرة العام 2014، اعتبر أن مهنة الإخراج هي المهنة الوحيدة التي تكاد أن تشبه مهنة الصانع، وهو ما أراد تحقيقه.
من الشعر إلى الدراما
في الأردن، وليس بعيداً عن دمشق، كان الدكتور وليد سيف يقود مسيرته الأدبية.
فهو الكاتب الفلسطيني من مواليد طولكرم في الضفة الغربية العام 1948 أو "عام النكبة"، والذي كان شاهداً على التحولات السياسية العربية ومحورها القضية الفلسطينية.
انتقل للعيش في الأردن، حيث حصل على شهادة البكالوريوس في اللغة والأدب العربيين من الجامعة الأردنية؛ كما حصل على شهادة الدكتوراة في اللغويات من جامعة لندن عام 1975.
بدأ بكتابة الشعر وألف 3 دواوين، قبل أن يبدأ العام 1977 الكتابة الدرامية التاريخية بعد عودته من بريطانيا.
كان أول أعماله الدرامية مسلسل "الخنساء" عام 1977، تلتها أعمال أخرى منها: شجرة الدر وعروة بن الورد وطرفة بن العبد، وغيرها الكثير.
اعتُبرت هذه الأعمال لاحقاً نوعاً من "الأدب التلفزيوني"، لكن نقاط ضعفها- بحسب رأيه- كانت دائماً مستوى الإنتاج قياساً إلى ما وصل إليه لاحقاً في الإنتاج الدرامي المعاصر.
كان سيف يشكو دائماً إمكانات الإنتاج المحدودة والتي منعته من أن يبدع على الورق ما كان يعرف أن لن تتمكن الدراما من تنفيذه تلفزيونياً، أو أن يتم تنفيذه بطريقة هزيلة، وهو ما كان يرفضه جملةً وتفصيلاً.
وفي عام 2001، شاء القدر أن يلتقي درب الرجلين عبر مسلسل صلاح الدين الأيوبي، والذي كان باكورة التعاون بين سيف وعلي.
فبعد أن كان سيف أعرب عن رغبته في تنفيذ مسلسل عن صلاح الدين الأيوبي، عرّف الممثل السوري أيمن زيدان المخرج حاتم علي على الكاتب عبر الهاتف، وكان الحوار الأول والاتصال الأول في سلسلة اتصالات ستخرج لاحقاً بأبرز الأعمال التاريخية في تاريخ الدراما العربية.
حاتم علي ووليد سيف.. سر الانسجام
يقول سيف إن التوافق وقع من اللحظة الأولى من حيث الرؤية والأسلوب الدرامي والمضمون الفكري والسردي وحتى الرؤية الفنية بشكل عام.
أما علي فقال إنه شعر أن ما يجمع الرجلين أكثر مما يفرقهما، ليس فقط على الصعيد الفكري، بل على الصعيد النفسي والشخصي، الأمر الذي أدى إلى شراكة استطاعت أن تنجو من المطبات المعتادة التي سرعان ما يقع فيها الشركاء أثناء التجربة العملية، على حد تعبير الراحل.
كما أسند علي الفضل لنجاح هذه الثنائية إلى شركات الإنتاج الذي أتاحت لهما تنفيذ الرؤية الفنية على الشاشة بأريحية وراحة سمحت بتيسير أمور الكتابة وتصويرها وتطوير الأعمال الفنية كما تصورها سيف وعلي سوياً.
أدى نجاح مسلسل صلاح الدين إلى مزيد من التعاون بين الرجلين أثمر عن مسلسل صقر قريش الذي تم تصويره في المغرب.
نجاح العمل الثاني ألهم الرجلين إلى طرح فكرة الثلاثية الأندلسية (صقر قريش وربيع قرطبة وملوك الطوائف)، علماً أن سيف أكمل كتابة الجزء الرابع منها وهو "سقوط غرناطة" منذ سنوات ولكن عدم توافر جهة إنتاجية جعل العمل رهينة الورق.
كان الهدف من هذه المسلسلات تقديم "ملف درامي تلفزيوني" عن تلك الحقبة الغنية بالأحداث التاريخية والشخصيات الخالدة في الذهن العربي، فتقدم صورة عن ازدهار واندثار الحقبة الأندلسية، حسب ما قال سيف.
كان آخر تعاون بينهما هو مسلسل عمر عام 2012، والذي شكل بصمة تاريخية لتصوير أحد الخلفاء الراشدين لأول مرة على شاشة التلفزيون، الأمر الذي قسم الرأي العام بين مؤيد ومعارض.
ويعتبر مسلسل عمر أضخم مسلسل تاريخي بتكلفة 200 مليون ريال سعودي، وهو إنتاج مشترك بين تلفزيون mbc ومؤسسة قطر الإعلام قدم خلاله حاتم علي بالصوت والصورة ما خطه سيف بعد إشراف مراجع إسلامية عدة.
الثنائيات الدرامية
1- صلاح الدين الأيوبي: العام 2000.
2- صقر قريش: العام 2002.
3- ربيع قرطبة العام 2003.
4- التغريبة الفلسطينية العام 2004.
5- ملوك الطوائف العام 2005.
6 عمر العام 2012.
وبعد 8 أعوام على آخر تعاون بينهما، انتهت حكاية حاتم علي ووليد سيف بوفاة علي في غرفة بأحد الفنادق بمصر عن عمر يناهز 58 عاماً إثر أزمة قلبية حادة أثارت موجة من الحزن اجتاحت كل محبي ومشاهدي إبداعات الرجلين.