من الحواري إلى أذن المستمع مباشرة.. لماذا انفجر الراب المصري فجأة؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/10/06 الساعة 15:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/06 الساعة 15:10 بتوقيت غرينتش

صاحبي هو ده الجديد، مولوتوف على الإنتاج

هكذا يفخر مغني الراب المعتزل مروان بابلو بالفن المميز الذي يقدمه في واحدة من أغانيه الأخيرة مع المنتج الموسيقي الأشهر لأغاني "التراب هوب" والمهرجانات حالياً، مولوتوف. 

فكيف ومتى استطاع هؤلاء الشباب من حواري ومناطق مصر الشعبية أن يحتلوا الساحة الفنية في وقت قصير؟ بالنظر إلى حالة الركود التي طالت السوق الفني المصري، والقمع السائد لكل أشكال الإبداع المختلفة في المجتمع. وما هو "التراب هوب" وعلاقته بالراب والمهرجانات، وكيف استطاع هذا اللون الموسيقي الجديد أن يحظى بقاعدة عريضة من المستمعين الشباب في وقت قصير؟

سر الانفجار 

لا يحتاج إنتاج أغنية راب لأكثر من ميكروفون وجهاز كمبيوتر، إذ تعتمد الموسيقى في أغاني الراب بدرجة كبيرة على برامج الكمبيوتر التي تعمل على إنتاج الـ"Beat" الخاص بالأغنية، أو التحكم في طبقة صوت المغني وتصحيحها دون الحاجة إلى استخدام معدات باهظة الثمن. ليصبح الطريق ممهداً أمام المغنين الصاعدين نحو خوض تجربتهم الفنية والتعبير عما بداخلهم من داخل غرفهم.

كما ساعد انتشار المنصات الرقمية مثل Youtube و Soundcloud وغيرهما على نشر الأعمال الموسيقية المختلفة على الجمهور والتربح منها كذلك، وهو ما حدث في مصر، حيث بدأ المغنون في البداية بتسجيل أغانيهم وتصويرها بإمكانات بسيطة، حتى ارتفع سهم نجوميتهم، وأصبحت الشركات تتهافت عليهم لإنتاج الكليبات ذات الإنتاج الضخم. 

كان لتلك المقومات أثر كبير على استقلالية وحرية موسيقى الراب في مصر بدرجة كبيرة، إذ إنها لا تخضع -حتى الآن- للقيود التي تفرضها شركات الإنتاج الفني على الكلمات أو الموضوعات المُتناولة، ما يجعلها معبرة عن الشارع بدرجة كبيرة، وإن كانت بعيدة بدرجة كبيرة عن تناول المشكلات الاجتماعية والسياسية بشكل جذري وجريء، بسبب حالة القمع الجماعي والقبضة الحديدية التي تفرضها السلطة على المجتمع المصري. وذلك على عكس المدرسة القديمة للراب، التي كانت سائدة في السنوات السابقة لثورة يناير، والتي ركزت بشكل كبير على المشكلات الاجتماعية كالبطالة والفساد، بالإضافة لتناول القضية الفلسطينية في العديد من الأغنيات، والدعوة للوحدة العربية التي حققها مجموعة من الرابرز في الوطن العربي، تحت مظلة عائلة Arab League، التي ضمّت فنانين وفنانات من المحيط إلى الخليج، وقدموا من خلالها العديد من الأعمال الفنية المشتركة.

من الحارة إلى المستمع 

تتميز موسيقى الراب، أو التراب بنسختها الحالية، عن غيرها من أنواع الموسيقى الأخرى بأن مؤدي الأغنية هو من يقوم بكتابة كلماتها بالكامل، إذ يعد ذلك شرطاً أساسياً لكي تُصنف الأغنية كأغنية راب. يجعل هذا الأمر أغنية الراب تجربة ذاتية أكثر مصداقية من غيرها من الأغاني، يعبر فيها المغني عما يدور بداخله وما يصادفه في حياته اليومية، التي يعبر عنها من خلال كلماته التي تعتبر النافذة التي ينظر من خلالها الجمهور على المغني، وهو الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من التقارب بين المغني وجمهوره، فإذا تفقدت بعض التعليقات الموجودة على صفحات أو أغاني الرابرز في مصر فسوف تجد الجمهور يفضل مخاطبة المغني بكلمة "ياسطى"، وكأنه أحد أفراد "بفتنا" التي لا تعاشر سوى "المظابيط" بالطبع.

ارتبطت موسيقى الراب بثقافة الشارع منذ بداياتها في الأحياء الفقيرة التي يسكنها الأمريكيون الأفارقة، ما انعكس على كلمات الأغاني والموضوعات المُتناولة في الأغاني، ولم تتغير الأمور كثيراً منذ وقتها، فإذا ألقينا نظرة على الجيل الجديد من "الرابرز" في مصر سنجد أن أغلبهم قد نشأ في مناطق شعبية، وهم يتفاخرون بانتمائهم لمناطقهم التي نشأوا فيها ووصولهم للنجومية والشهرة من خلال كدهم وكفاحهم في الموسيقى "شقينا في اللي احنا فيه دا، ع الدوغري شوفنا بهدلة" "اتربينا في حواري بنشتغلوا بالدولار" أو كما قال ويجز. 

يستخدم مغنو الراب لغة الشارع في أغانيهم، يستخدمون الكلمات الدارجة على المقاهي وفي الحواري بجرأة ودون تنميق، الأمر الذي يجعل تلك الموسيقى أكثر اتساقاً مع ذاتها لتجذب شريحة كبيرة من الشباب من مختلف الطبقات الاجتماعية، فتجد الشباب الجامعي من الطبقة المتوسطة ينجذب إليها باعتبارها "أنظف" مقارنة بالمهرجانات، وكذلك الشباب في المناطق الشعبية الذين يجدون موسيقى الراب تتشابه مع المهرجانات في الكثير من الجوانب.

راب أم مهرجان؟

تشغل تلك الجدلية حيزاً كبيراً في مشهد الراب المصري، فقد أصبح الكثير من الرابرز يصدرون العديد من الأغاني التي تتشابه مع المهرجانات في العديد من النواحي، مثل الألحان والأصوات الموسيقية والتوزيع، مازجةً بين الراب والمهرجانات، بل أحياناً يمكن تصنيفها على أنها مهرجانات، وهو الأمر الذي يروق للبعض ولا يروق للبعض الآخر. 

بالنظر إلى موسيقى المهرجانات نجد أننا أمام لون موسيقي مصري بامتياز خرج من قلب الحواري المصرية، فهو يمزج بين الموسيقى الشعبية المصرية بتطورها وبين الموسيقى الإلكترونية، ولكن هذا الاختراع الذي خرج إلى النور من مدينة السلام (اللي مدخلش السلام متعلمش الكلام) يُنظر إليه باحتقار بسبب تصنيفه الطبقي المرتبط بالطبقات الشعبية، على الرغم من كونه معبراً عن جانب كبير من الثقافة المصرية الحقيقية.

تقاطعت موسيقى الراب والمهرجانات في الكثير من المحطات، بل أصبح في الوقت الحالي هناك العديد من المغنين والمنتجين الذين يقدمون أعمالهم على الجانبين بنفس القدر. فمع بداية الموجة الجديدة للراب المصري في 2018، قدم السادات، نجم المهرجانات وأحد الأيقونات البارزة في الموسيقى الشعبية المصرية خلال العقد الأخير، العديد من الأعمال المشتركة مع الرابرز الصاعدين آنذاك، مثل ويجز ومروان بابلو وعفروتو، كما قدم مولوتوف، المنتج الشهير والذي وضع بصمته بلون خاص به يمزج بين المهرجانات والموسيقى الإلكترونية، العديد من الأعمال المشتركة مع نجوم المهرجان مثل سادات وفيفتي وغيرهم، كما لعب وزة منتصر، مطرب المهرجانات والمنتج حلقة وصل هامة بإنتاجه للعديد من الأعمال التي حملت هوية المهرجانات بصوت نجوم الراب، الذين لا يفضلون بالمناسبة تصنيف نفسهم كرابرز، بل يعتبرون أنفسهم "فنانين"، ليحرروا أنفسهم من القيود، بتقديم لون معين من الموسيقى، بل يخوضون تجاربهم ويستكشفون أنواع الموسيقى المختلفة.

بذلك امتزجت موسيقى الراب مع موسيقى المهرجانات، لنصبح أمام جيل جديد من الفنانين المطورين الذين نجحوا في تطويع الأدوات التي امتلكوها لنصبح أمام موجة جديدة من الموسيقى التي تتحدث كلماتها وإيقاعاتها بنبض الشارع وبصوت جيل جديد لم يجد من يستمع إليه ويعبر عنه، في وسط عالم صاخب سريع، ودولة تعادي الإبداع وتمنع مطربي المهرجانات.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
ميادة سمير
كاتبة مصرية
كاتبة مصرية
تحميل المزيد