حتى وإن لم تكن من متابعي عالم موسيقى الراب، فلا بد أنك صادفت على الأقل مرة واحدة فيديو لمغنٍّ إفريقي أمريكي وهو يلوّح بعدائية تجاه الكاميرا، أو ربما يمسك بسلاح ناري، بجور مجموعة مصاحبة أنصاف عراة، يمارسون الأثقال في الهواء الطلق.
إذا كنت قد فعلت فأنت في عالم موسيقى (راب العصابات) الشهير، والذي أثار الجدل لسنوات طويلة، حتى في الغرب نفسه قبل الشرق، في تقريرنا التالي نتعرف على قصة موسيقى راب العصابات وكيف بدأت.
من قلب معاناة المجتمع الإفريقي الأمريكي
بعدما شهدت الولايات المتحدة اضطرابات داخلية عنيفة في الستينات والسبعينات، إثر ما يُعرف بحركة الحقوق المدنية التي أفرزتها العنصرية تجاه المجتمع الأسود، كانت النتائج هي احتقان موروث لم يُفرغ بشكل كبير، زاده التاريخ الطويل من العنصرية والعنف والعبودية تجاه الأفارقة الأمريكيين.
وبما أن الموسيقى كانت ولا تزال دائماً هي المهرب، ووسيلة التنفيس غير المباشر عن الذات كان لا بد أن تبرز الأمور المحتقنة على السطح.
كان السود في شوارع المدن يبتكرون الألحان ويرددون على خلفياتها بضع كلمات متناغمة، تحكي قصص معاناتهم مع الفقر والعنصرية، وهو ما عرف بموسيقى الراب التي بدأت في الانتشار في أواخر السبعينيات، وبما أن شوارع الأحياء الفقيرة الزاخرة بالسود كانت ملجأً لجميع الأطياف، كانت عصابات الشوارع تفعل المثل أيضاً.
ويمكننا بالطبع إدراك الفرق بين حكايات العامة من العمال أو الطلاب وحكايات أفراد العصابات وموزعي المخدرات، من هنا نشأت موسيقى راب العصابات.
فرقة NWA وبداية شهرة راب العصابات
في منتصف الثمانينات تقريباً، وبعدما لاقت قصص راب العصابات المليئة بالبذاءات والعنف والانتقام من الخصوم إعجاب البعض؛ انتشرت أغنيات بعض الفرق والمغنيين الفرديين التي تحمل اللهجة العدائية والسباب والمصطلحات البذيئة.
وكانت بمثابة صدمة لمجتمع اليمين المحافظ في أمريكا، وكانت كذلك لليسار الليبرالي أيضاً، الذي آمن على استحياء بحرية التعبير، ولكن من دون تناول غير اللائق.
من بين فرق راب العصابات وقتها، برزت فرقة لها شعبية كبيرة في ولايات الساحل الغربي، عُرفت باسم NWA اختصاراً لاسم "Niggaz with attitude"، أي "زنوج عدائيون". وهو الاسم الذي يحمل الوصمة الضمنية بمناداة الأفارقة الأمريكيين بـ "الزنوج"، المصطلح المُشين العنصري الشهير، الذي لطالما عانى منه المجتمع الإفريقي الأمريكي.
وبعدما صارت حفلات فرقة NWA تزداد انتشاراً وكثافة جماهيرية، كانت الشرطة دائماً تتربص بمرتاديها اشتباهاً في أية ممارسات غير قانونية، وهو ما أغضب الفرقة بشدة، وكان الرد العنيف الذي لا يبدر إلا من رجال العصابات.
الأغنية التي فجّرت غضب الشرطة
جاء رد الفرقة في شكل أغنية أطلقت عام 1988، التي كان عنوانها سبّة بذيئة مباشرة للشرطة بعنوان: F*ck the police، وهو ما اعتبرته شرطة ولاية لوس أنجلوس الأمريكية إهانة كبيرة، وبدأت في التربص بالفرقة وجمهورها، وهو ما أسفر عن مناوشات غير عنيفة بين الشرطة والفرقة.
بعد إطلاق الأغنية الشهيرة شنّت مجموعة من جرائد اليمين المحافظ هجوماً كبيراً على الفرقة والمجتمع الأسود بشكل عام، ورُفعت دعوى قضائية لمنع الأغنية ومعاقبة الفرقة، ولكن في نهاية الأمر حكمت المحكمة لصالح الفرقة بموجب حرية التعبير، وأنها بمثابة رد مكفول ضد عنف الشرطة وعنصريتها ضد السود.
لاحقاً بعد الحكم وجّهت المباحث الفيدرالية FBI خطاباً مباشراً للشركة المنتجة للأغنية، لمحاولة ردعها عن توزيع الأغنية وتهديدها بمنع الأغنية بموجب القانون.
في مذكراته التي نشرت في كتاب بعنوان Ruthless، قال جيري هيللر مدير أعمال الفرقة، إن الخطاب لم يكن يمثل المباحث الفيدرالية بشكل رسمي، وإنما كان رد فعل من ضابط في الجهاز ضايقته طريقة تعبير الفرقة عن غضبها في الأغنية، وحكم القضاء لصالحهم، وهو ما تسبب لاحقاً في نقله من الجهاز.
ومع بداية التسعينات ازدادت شهرة أغاني راب العصابات بشكل أكبر، وامتلأت بمزيد من العنف، والبذاءات، وإن كانت جميعها تتمحور حول أمر واحد: عدائية العصابات وقسوتها تجاه خصومهم ومنافسيهم. وظل الجميع في منصات إعلام اليمين الجمهوري -المحافظ بشكل أكبر- يهاجم راب العصابات، ويحذر من ترسيخ هذا النوع من الغناء لحياة الجريمة في عقول الصغار.
من الأغاني إلى طلقات الرصاص.. صدمة العالم بموت توباك وبيجي سمولز
في منتصف التسعينات، برز نجم مغني الراب توباك شاكور Tupac shakur، وبدأت أغنياته في حصد اهتمام الجماهير، والأموال أيضاً، بنسب مبيعات وصلت إلى 75 مليون نسخة حول العالم، بحسب تقدير موقع Forbes، وإجمالي أرباح يقترب من 60 مليون دولار، وهو الأمر الذي أدهش المجتمع والقائمين على صناعة الموسيقى في أمريكا.
ولأن طبيعة المغني الصاعد كانت في الأصل عدائية نابعة من عالم راب العصابات، كان لا بد من خصوم ومنافسين في المجال.
وهو ما حدث بالفعل، واشتدت المنافسة والعدائية بينه وبين أحد (شِلل) مغني راب العصابات بقيادة مغنٍّ آخر له شعبية كبيرة آنذاك، هو بيجي سمولز Biggie smalls، الذي كان صديقاً مقرباً لتوباك قبل أن تتحول الأمور بينهما إلى العداء.
بعدما قضى توباك فترة عقوبة 9 أشهر بالسجن، بعدما اتهم باغتصاب فتاة، خرج منه محمّلاً بالعداء، نظراً لقناعته بأن التهمة كانت ملفقة له من قِبل أعدائه، وبدأ في انتاج المزيد من الأغنيات المسيئة لبيجي سمولز وكل من يساعدونه.
بعدما اشتد الصراع والسباب المتبادل، وتحديداً في 7 سبتمبر/أيلول 1996 قبيل منتصف الليل، أطلق عليه مجهولون 40 عياراً نارياً من سيارة متحركة، أصابته منها ثلاثة، وبعد 6 أيام في المستشفى توفي توباك شاكور عن عمر يناهز 25 عاماً فقط.
تسبب مقتل توباك في صدمة وموجة من الأسى في المجتمع الأمريكي، نظراً لما آلت إليه الأمور من عنف، في عالم من المفترض أن يجلب البهجة لجماهيره، بينما من جهة أخرى أشارت أصابع الاتهام إلى صديقه اللدود ومنافسه الأول بيجي سمولز ورفاقه.
ولم يمر عام، وتحديداً في مارس/آذار 1997، تلقى بيجي سمولز 4 أعيرة نارية من مجهول، تتبعه بعد إحدى حفلاته في ولاية كاليفورنيا، توفي بعدها مأثراً بالإصابة.
وبينما أغلق العالم صفحة الصراع الدموي بين أحد أكثر مغنِّيَي راب العصابات شهرة لم يختفِ هذا النوع من الغناء تماماً، وشهدت الساحة الفنية الموسيقية في عالم الراب عدة صراعات عدائية، وتراشقاً بالأغاني المسيئة حتى يومنا هذا.
أشهر مغني راب العصابات
2pac shakur
Bigge smalls
Ice cube
Dr.Dre
Eazy E
Snoop dogg
50 Cent
The Game
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.