وهل رأيتها لأشتاق إليها؟
وهل عانقتها يوماً وهي تبكي مظالم العرب والغرب؟
الإجابة: لا!
ولكنني شاركتها النصر حين رقصت على ركح من الضفة الأخرى من العالم، هناك في هوليود وحين حققت الحلم وحين قالت بأن المستحيل هين أمام سمراء النيل وردت على الطعنات بثغر باسم. ذاك الثغر الذي يجعلني أدمع كلما رأيتها تتمايل على المسارح وتمسح برقصها آلام وصم اجتماعي اسمه الفقر والنظرة الدونية لكل امرأة قادمة من قاع المجتمع.
نعم نشتاق لمن يخبرنا بأننا قادرات على الحلم ونحن لا نملك من الدنيا سوى خصر مشرقي وابتسامة وسمرة ريفية وقلب لا يخاف وكان فؤاد سامية شجاعاً ولم يكسره بلاط الملوك. فمن كان يظن أن فريد الأطرش فطر قلبها حين رفض الزواج منها هو مخطئ. لأن سامية بعشقها له أخبرت صديقاتها من بني سويف هناك في ريف مصر المنسي بأنها تجيد عشق ابن الملوك وتجيد أيضاً الإطاحة بمجلس الملك فاروق حين رقصت أمامه حافية القدمين هكذا كما شاءت هي فشاءت برقصها الأقدار. وشاء برقصها تاريخ مصر الذي جعل منها راقصة مصر الرسمية فغدا رقص شرق بخصرها فناً يضاهي فنون الأوبرا وراقصات الباليه الرسمي فسُميت تلك الغزالة بالفراشة الراقصة.
عند كل حركة يد واستمالة كتف كانت تقول: أنا أنتصر وأنا صاحبة بديعة مصطبلي وأحيا في كل فضاء حر، كانت الحرية مسكناً لسامية اتخذته حين هربت من بطش زوجة والدها في بني سويف وحين قررت أن تهرب مرة أخرى من عنف زوج أختها في القاهرة مصر. كانت سامية لا تحتمل العنف ولا الذل فكلما أهينت شدت الرحال وغادرت وأعادت البناء من جديد، لم تكن جبانة بل حالمة بالحرية.
بعد خمس سنوات من الغربة أصبحت أؤمن بالرحيل مرادفاً للحرية فلا حرية تحت سياط الجلادين ولا حرية بين أناس يراقبون الضحكات ويعدون لك كم من مرة عدت متأخرة للمنزل وكم من مرة لامس العشق فيها قلبك؟ هناك في بلادنا حيث نحارب حب الحياة باسم العادات والتقاليد.
الحرية كلمة لمست معانيها حين رقصت أمام الجمهور الصيني والإفريقي هنا في العاصمة بكين حين وقفت أمامهم وأنا أرفع يدي في السماء وأهدي السلام لسامية جمال ولكل راقصات الشرق وأقول لهن: موسيقى الشرق وطن وموسيقى الشرق بطولة تثور على جميع المسلمات. كنت أحاول أن أفتح يدي وأمشي وأدور فوق المسرح كنت أرفع ذقني إلى السماء عالياً وأبقي على ضحكتي وأنظر في وجه الحاضرين بثقة، كانت صديقتي البولندية الدكتورة مونيكا تصفق بحرارة وكانت إلى جانبها شقيقة روحي سنية التونسية التي رفضت أن تمسك بالكاميرا لتلتقط صوراً قائلة: أنا الآن أستمتع.
كنت أتهادى على المسرح روحة ورجعة، يمنة ويسرة وتتحرك يداي بكل سلاسة وكأنني أحاول الطيران، ولكن في الحقيقة أنا كنت قد رحلت حينها إلى الزمن الجميل هناك يوم كان الرقص الشرقي إجابة عن سؤال كيف للمرأة أن تكون أجمل النساء.
انتقدني الكثير من أصدقائي قائلين بأنني بصدد بعثرة عملي الحقوقي ومشاريعي الأدبية بمثل هذه العروض فأجبتهم بقول صديقتي ماجدة التي كانت تصفق لي بين الحاضرين حين أخبرتني بأنني أشبه راقصات الزمن الجميل فأخبرتها بأنني أعانق سامية والحرية حين يتمايل خصري فوق مسارح بلاد الصين "كيدي أعظم وأتحدى".
يوم كُسر كعب حذاء فاتنة الشرق وهي تحاول الاستدارة على الركح اختارت الفاتنة أن تقف بثغر باسم وتنزع عن ساقيها زوج الحذاء وتستكمل الرقص حافية فمنحها تاريخ مصر لقب: الراقصة حافية القدمين.
كانت سامية تصنع أمجاداً فوق الزوابع والبراكين فكلما علا الموج علت هي فوقه وعلى قلبها معه رغم عقد مجتمعنا العربي ومشاكله التي تتحول إلى سكاكين تطعن ظهر سامية كخيانة زوجها رشدي أباظة لها والعنف الأسري والنسب غير الرفيع ونظرة المجتمع للراقصات.
وفي الغربة لا نبكي الفراق على الأرض هنا نفتح الأذرع للحرية، ونقول نحن من طينة راقصات الشرق.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.