في بداية الحلقة الأولى في مسلسل The Good Doctor، نرى البطل الدكتور شون ميرفي ينقذ حياة طفل صغير فقد الوعي عقب سقوط لافتة زجاجية ضخمة عليه في المطار.
ويتبين للمشاهدين لاحقاً أنَّ ميرفي مصاب بالتوحد ولديه "متلازمة العباقرة"، ويكتشفون كيف يؤثر ذلك في خبرته خلال عمله جراحاً تحت التدريب.
بحسب مدونة British Medical Journal Blogs البريطانية، ساهم هذا المسلسل في تصوير حياة الجراحين تصويراً دقيقاً، واستطاع عكس ما يمرون به من عقبات لاسيما المتدربين منهم.
ماذا يميز مسلسل The Good Doctor؟
ما يميز مسلسل The Good Doctor عن غيره من المسلسلات الطبية هو أنه يركز على تجربة الشخصية الرئيسية في التكيف مع متطلبات التدريب الطبي.
وربما تكون التحديات، من خلال عدسة بطل يعاني من التوحد مبالغاً فيها، لكن من هنا تُثار تساؤلات في ذهن المشاهد حول ما إذا كان ميرفي سيستطيع التكيف وكيف سيتمكن من فعل ذلك.
الأمر الذي يجعل مشاهدة مسلسل The Good Doctor يستحق العناء فعلاً.
سلط الضوء على قضية "التنمر"
وفي الحلقات القليلة الأولى من المسلسل، نرى أمثلة عديدة على الصراع بين المتدربين والمشرفين، وهي تجربة يتعرض لها غالبية الأطباء المتدربين، مع التركيز على كيف يجتاز ميرفي هذه المواقف مقارنة مع أقرانه.
ففي أحد المشاهد مثلاً، يحذر الجراح المُشرِّف الدكتور نيل ميلينديز متدربته الجراحة المقيمة الدكتورة كلير براون "هل أنا بحاجة لتذكيرك أنني رئيسك؟ ما يعني أنه عليكِ التصرف وكأنك مخطئة".
ثم في حلقات لاحقة، نرى ميلينديز يرفض الاعتراف بأنَّ التشخيص الذي قدمه ميرفي كان صحيحاً، ويكلفه في المقابل بالكثير من الأعمال "التافهة" ويوبخ ميرفي؛ لأنه عارضه أمام مريض.
هذه الأمور التي سلَّط المسلسلُ الضوءَ عليها جذبت انتباه الأطباء في الحياة الواقعية.
ففي هذا الصدد، يلفت الدكتور أرشيا فاهابزاده، طبيب نفسي ومتخصص في التوحد لدى البالغين والأطفال، إلى أنَّ القبول الذي أظهره ميرفي هو طريقة يوضح بها المسلسل استراتيجية بقاء ضرورية يطبقها الجراحون المتدربون، لكن يمكن أن يمثل اتباعها صعوبة لشخص يعاني من التوحد.
كما أعربت الدكتورة باميلا ويبل، خبيرة في الصحة العقلية للمتدربين الأطباء، عن اعتقادها بأنَّ تصرفات ميلينديز تعكس الكثير مما يواجهه المتدربون.
وفي سياق كتابتها عن المسألة تفصيلياً على موقعها، تقول: "التنمر والمضايقات والتعلُّم بالخوف جميعها أمور شائعة".
التنمر الذي يمارسه المشرفون على المتدربين لم يعد سراً، ففي السنوات القليلة الماضية، كتب أطباء عن هذا الموضوع باستفاضة، كما قام العديد من العلماء بدراسة هذه الظاهرة.
لذلك من المنطقي أن يسلط مسلسل طبي عام الضوء على هذه القضايا.
متلازمة "الاحتراق النفسي"
كما يركز المسلسل أيضاً، في حلقته الخامسة، على متلازمة "الاحتراق النفسي"، من خلال ملاحظة الدكتورة كلير براون، الجراحة المقيمة، أعراض اكتئاب (مزاج سيئ وصعوبة التركيز)، وتناقشها مع طبيبها النفسي في مشهد قوي.
لكن لا يكتفي The Good Doctor بإلقاء الضوء على هذه العناصر فحسب، بل يقدم حلولاً من خلال مرشد الدكتور ميرفي ورئيس المستشفى، الدكتور آرون غلاسمان.
إذ يبدو أنه يضع معايير عالية للتدريس والتوجيه بين الأطباء المتدربين والمشرفين.
ففي إحدى الحلقات، نرى ميلينديز يشكو من ميرفي لغلاسمان، فأجاب الأخير: "علّمه إذاً"؛ موجهاً ميلينديز لاستعادة دوره كمعلم في هذا المستشفى التعليمي.
ولاحقاً نرى غلاسمان ينصح مشرف ميلينديز بأنَّ "ينحي غروره جانباً" حين يشتكي من عدم إطاعة أوامره.
تصوير دقيق لحياة الجراحين المتدربين
وخلال الحلقات الأربع الأولى، نجح المسلسل في تصوير كثير من الجوانب الأخرى "الصحيحة" من حياة الجراحين المتدربين.
فعلى سبيل المثال في الحلقة الثانية، نتعرف عن قرب على التحديات التي يشملها الإفراط في الفحص، بعد أن وجه ميرفي بعمل أشعة رنين مغناطيسي لمريض مصاب بالتهاب بسيط في الأذن.
وقد تأسست جهات مثل Choosing Wisely المعنية بالتوعية حول الفحوصات الطبية غير الضرورية، باعتبار ذلك مشكلة مهمة في النظام.
إلى جانب ذلك، بدأت مدارس طب وبرامج تخصصات طبية كثيرة في الانخراط في المسألة.
وحث رواد فكريون أيضاً، مثل الجراح الأمريكي أتول غاوانديه، المرضى والأطباء بأن يكونوا أكثر تحوطاً بمخاطر الإفراط في إجراء الفحوصات الطبية وتكاليف ذلك.
وفي سياق متصل، يكتشف المشاهدون أيضاً كيف يصارع الأطباء مع الشكوك الطبية والمواضيع الحساسة الكامنة وراء التفاعلات بين الأطباء والممرضات.
وأيضاً في حلقات لاحقة من المسلسل، يتم التعرض للأخلاقيات المتعلقة بكشف المعلومات للقاصرين، والحصول على موافقتهم، ومدى قوتهم.
وقد تناولت الحلقة 9 من مسلسل The Good Doctor من الموسم الأول، بعمق القواعد الأخلاقية لخدمة الشعوب المحرومة في العالم، من خلال عيون عائلة من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التي أحضرت طفلها للخضوع لجراحة معقدة.
ساهم متخصصون في الرعاية الصحية بكتابة المسلسل
كتب سيناريو الحلقتين الأخيرتين من الموسم الأول متخصصان في الرعاية الصحية؛ هما: كارين ستراك، ممرضة رضوح من ولاية بوسطن الأمريكية، وديفيد رينوود، طبيب في لوس أنجلوس.
وهو ما ساعد كثيراً في أن تعكس القصة بصدق تجارب مختصي الرعاية الصحية.
هل حقاً "متلازمة العباقرة" أمر شائع؟
من الأمور المميزة التي حصلت في المسلسل، تصويره لطبيب يعاني من إعاقة بطريقة طبيعية.
كما يجسد المسلسل نقاشات حالية في المجال الطبي حول عمل الأشخاص ذوي الإعاقات في الطب، والشعور بالخزي المقترن بالعديد من حالات الإعاقات.
لكن على الجانب الآخر، يبالغ مسلسل The Good Doctor في تبسيط مرض التوحد إلى الدرجة التي دفعت بعض المشاهدين للاعتقاد بأنَّ شخصية شون ميرفي غير واقعية.
لاسيما أن "متلازمة العباقرة" نادرة بين الأشخاص المصابين بالتوحد، وهناك حدود لتصوير الشخصية في قالب نمطي.
وبالرغم من أن التعميم صعب، لكن طبيعة شخصية الدكتور ميرفي التي نراها في المسلسل لا تنطبق على الكثير من المصابين بالتوحد.
التدريب الطبي والإعاقة الفكرية
مع ذلك، يعد The Good Doctor مسلسلاً جديداً مختلفاً يصور التدريب الطبي والإعاقة الفكرية وكأنهما شخصان في حد ذاتهما.
وفي الوقت نفسه يبرز القيادة الكفء -من خلال شخصية غلاسمان- على أنها تقدم حلولاً تتجاوز مجرد الردود المعهودة المتعلقة بالصحة العقلية في أثناء التدريب الطبي.
خطوة نحو تعزيز الاحترام بين المشرفين والمتدربين
في 14 أكتوبر/تشرين الأول من 2017، راجعت الجمعية الطبية العالمية قسم أبُقراط الطبي لضمان أن يكون الاحترام بين الأطباء المتدربين والمشرفين متبادلاً.
إذ كان يتعين على المتدربين سابقاً احترام مشرفيهم، لكن ليس العكس.
وعلى الرغم من أنَّ إظهار التعاطف يشكل تحدياً نموذجياً لبعض مصابي التوحد، قد يكون هذا استراتيجية أخرى يستكشف من خلالها المسلسل خفايا ثقافة المستشفيات، والسبب الذي يجعل شخصيات مثل ميلينديز تعتاد على التصرف بهذه الطريقة، وخلفيات أكثر الشخصيات التي لاقت صدى لدى مشاهدي المسلسل.