لسبب غامض ينقطع المصريون عن تناول الكشري خلال رمضان، ثم يشتعل ولعهم بالكشري في العيد الذي يرتبط بطقس آخر يستحرمونه في رمضان، وهو الأفلام التجارية.. الأفلام والكشري لا يتضافران فقط سوياً في العيد بطقس واحد (رمز العيد هو علبة كشري وتذكرة سينما بوسط البلد)، ولكنهما أيضاً متشابهان في الاعتماد على خلطة حريفة من عناصر رخيصة، ورغم هذا تستمر نفس الخدع في حصد الإيرادات بكل عام.
لا نتحدث هنا عن الكشري، بل كيف يستمر المنتجون كل سنة في فتح شهية جمهورهم باستخدام نفس الإضافات القديمة.
هنا مشاهدة نقدية لأفلام العيد الخمسة على شاشات مصر، من الأقل في إيرادات إلى الأكثر.
5- كارما
خالد يوسف يعود بخلطة عمرها 11 سنة
هنا يجمع المخرج خالد يوسف كل العناصر التي قدمها بنجاح في أفلامه السابقة، لكن المشكلة أن هذا النجاح كان منذ 11 سنة.
من شاهدوا فيلمه "حين ميسرة" بالسينما في 2007، يتذكرون الشعور بالاكتفاء خلال فترة الاستراحة بمنتصف العرض، فالفيلم كان مزدحماً بالحكايات والزوايا الواقعية ضعيفة الترابط درامياً، مما يجعلك تشعر بالتخمة وكأنك في نهاية الفيلم.
هذا الإحساس ستجده مضاعفاً في فيلم "كارما"، بقصة عن رجل أعمال فاسد ورجل مسيحي فقير، يحلم كل منهما بحياة قرينه، ثم ينهار فاصل الأحلام ويجد كل منهما نفسه مكان الآخر.
الفيلم ضل طريقه لدور عرض العيد، فهو من النوع الاجتماعي الذي انقرض حالياً، ومن الطبيعي أن يجده جمهور العيد كئيباً وسط منافسيه، حتى أن الفيلم تعرض لاختصارات فادحة ليناسب جداول العرض الضيقة للسينمات في العيد.
يحاول خالد أن يضع إضافاته القديمة، مثل تقديم وجه نسائي جديد كما فعل كثيراً من قبل، وهي الممثلة سارة التونسي هذه المرة. ممثلة مسطحة تماماً تكافح من أجل إجادة التنفس واستخدام اللهجة المصرية.
المشاهد الجريئة جزء آخر من خلطة خالد، لكن الوسط الفني وسلطات الرقابة والجمهور تغيروا كثيراً عن السابق.
خالد نفسه أصبح معروفاً كبرلماني أكثر منه كمخرج.
كارما
إيرادات الأسبوع الأول: 2.8 ملايين جنيه
4- الأبلة طمطم
ياسمين لا تعرف أن العيال كبرت
محاولة للعودة إلى الماضي، تسويق الفيلم وأغنية التترات تعتمد على بطلته ياسمين عبد العزيز التي ربما تحاول التواجد بأي شكل في السوق هذا العام.
الفيلم يُعد أحدث أفلام الموسم، فقد بدأ تصويره قبل رمضان بسرعة للحاق بموسم العيد، ويا ليته ما فعل لإنهم أصبح أضعفهم.
تعتمد خلطة ياسمين على كوميديا يشارك بها الأطفال مثل "الآنسة مامي" و"الدادة دودي" (لاحظ ثبات وزن العناوين)، فتدور الأحداث في مدرسة يحتلها مجرمون هاربون من السجن، ياسمين والأطفال رهائن لديهم.
لكن من الواضح أن الخلطة لم تجذب جمهور العيال، كما أن ياسمين لم تعد بطلة الفيلم بعد استخدام خلطة أخرى معاصرة تعتمد على مشاركة نجوم "مسرح مصر" و"SNL بالعربي" مع بيومي فؤاد، هؤلاء هم نجوم أيامنا، ليصبح الفيلم عبارة عن اسكتشات مزعجة وبطيئة كما اعتادوا في عروضهم التليفزيونية المجانية.
الأبلة طمطم
إيرادات الأسبوع الأول: 4 ملايين جنيه
3- قلب أمه
شيكو وهشام ضائعان في عالم السبكي
بعد انقسام فريق "الحرب العالمية الثالثة"، يستمر شيكو وهشام ماجد في المحاولة، مع نص ليس من كتابتهم هذه المرة كما اعتاد الفريق سابقاً.
ثم يضيعان بالتدريج في عالم السبكي.
هذا فيلم الفانتازيا الوحيد في العيد (مع اعتبار حرب كرموز كفيلم أكشن تاريخي)، بقصة بسيطة عن شاب ضعيف الشخصية تتوفى أمه، بنفس الليلة يصل للمستشفى رجل عصابات بإصابة بالقلب، فيتآمر معه الطبيب لنقل قلب الأم له.. وينتصر حنان الأم على قسوة المجرم.
من المفترض أن يكون الأمر سهلاً، بحيث نرى تنويعات عن هذه المفارقة، عندما يجد المجرم نفسه متورطاً رغماً عنه في كل لازمات الأمهات الحانية والدافئة مع شاب بمثل عمره، المشكلة أن اللازمات نفسها تم استهلاكها مراراً على فيسبوك، هناك ضحك على تمثيل تلك المواقف على الشاشة، لكنه نسخة لضحك ضحكناه سابقاً.
أيضاً غاص شيكو وهشام أكثر من اللازم في عالم عائلة السبكي الذي يختزل العناصر الفنية والجمالية. يبدو هذا بوضوح في فقر الصورة واختيار مواقع التصوير، ثم يصل الأمر إلى إدماج أغنية أفراح لمحمود الليثي بالفيلم، وهو المغني المعتمد بأفلام عائلة السبكي الشعبية.
قلب أمه
إيرادات الأسبوع الأول: 5.6 ملايين جنيه
2- ليلة هنا وسرور
الرجل الأخضر محمد إمام يتفوق على الشيخ أحمد السقا
القصة بسيطة ولم تكن لتستمر على الشاشة لأكثر من 34 دقيقة، ولهذا تم دعمها بدستة من الشخصيات الغريبة والجذابة رغم ضعفها، وعندما يهدأ الضحك يأتي دور الأكشن والخدع البصرية لكي تقدم هذه الخلطة أفضل أوقات الترفيه ضمن أفلام العيد.
هكذا تجري القصة: يتزوج سرور وهنا بعد تعارف سريع وغير مشرف مع عائلته، في ليلة الدخلة تبدأ المطاردات، لنعرف أن سرور هو لص آثار نجح في النصب على 3 عصابات.
كلهم الآن يطاردونه للحصول على تمثال فرعوني.
لكن هذه من المرات القليلة التي لا تزعجك بها القصة الضعيفة، فطوال الوقت هناك بهارات إضافية تداري هذه العيوب، مثل أن الفيلم به أفضل تصميم معارك يدوية في تاريخ السينما المصرية، إضافة إلى المصارع الأولمبي كرم جابر الذي ربما استدعت حركاته العنيفة إجراء وثيقة تأمين على حياة بطل الفيلم.
البطل هو محمد إمام؛ من المعتاد إحالة نجاحه لوالده عادل إمام، ونادراً ما تجد شخصاً يبدي إعجابه به بدون هذا التحفظ. لكن في الحقيقة يكتسب الابن استقلالاً مستمراً عن عالم الوالد، أو أن الوالد نفسه أصبح خافتاً.
محمد إمام هنا لديه استعداد لمشاركة مباريات الكوميديا، ليس فقط مع الممثلين الداعمين مثل محمد عبد الرحمن الذي يقدم تنويعة جديدة للدور المعتاد كشاب محبَط ومهزوز، ولكن أيضاً مع طابور من الممثلين الكوميديين بأدوار ثانوية، ويتلقى صفعات غير ضرورية درامياً من صديقه ضيف الشرف أحمد صلاح السعدني، وهو ما لم يسمح به عادل إمام طوال تاريخه.
أيضاً يتمتع محمد بمستوى لياقة بدنية قد يجلب له حقد أحمد السقا شيخ نجوم الأكشن، الحقيقة أن كثيرين يحقدون على امتلاكه لكيمياء التوافق مع ياسمين صبري، وهي نجمة صنعت شهرتها خلال العام الماضي معتمدة فقط على حساب إنستجرام، مع دعم لوجيستي من خبراء التصوير والتجميل والأزياء.
لكنها هي الأخرى تظهر مستوى لياقة غير مسبوق بالسينما المصرية، ونذكركم بأن المستويات القديمة كانت تدور حول المرأة الحديدية ومغامرات سماح أنور.
التترات تضع أحمد فهمي في مرتبة ضيف الشرف، ربما حفاظاً على كرامته كنجم كوميدي، وهو يقدم دورا متناقضا كمجرم شرس مثلي الجنس، مما أتاح له استخدام دور عابر كان قد قدمه في برنامج "SNL بالعربي".
وبيومي فؤاد (وهو العنصر الأكثر تكراراً بأفلام العيد) في دور أب مزيف ومدير فرقة أفراح على طراز شفيق جلال في فيلم "خلي بالك من زوزو".
السعي للإبهار يستمر أيضاً بتقديم مشهد باستخدام خدع كمبيوتر بدائية يتخيل فيه البطل نفسه بشخصية الرجل الأخضر، ثم يحارب جحافل الزومبي بسيف الليزر المشهور من سلسلة أفلام "Star Wars".
ليلة هنا وسرور
إيرادات الأسبوع الأول: 13 مليون جنيه
1- حرب كرموز
الفتوة الوطني كرارة كلبش يهزم جيش الإمبراطورية
عروق رقبته المنتفخة وهو ينادي رجاله واحداً واحداً بالاسم ليتأكد من رغبتهم في الموت معه، قبلها أخبرهم بأنه لا أحد سيموت اليوم، لقد بدأ كل شيء بمبادرة شهامة منه، لكنه في النهاية يسير بفخر نحو المشنقة ليفتدي أحد رفاقه متجرعاً الهزيمة بالنيابة عن الجميع.
هذه ليست ملحمة بطل شعبي أو فتوة حارة، بل هي أحدث السرديات السينمائية لشخصية ضابط الشرطة المصري في دراما من فترة الأربعينات، والأشرار فيها ليسوا إرهابيين أو جواسيس، بل هم الاحتلال البريطاني بجنوده ومدافعه ودباباته.. كل هذا يتعثر أمام صلابة ضابط مصري واحد يلهم الجميع من خلفه.
سردية الشرطة الجديدة تعتمد على التماهي مع موقعة 25 يناير 1952، عندما رفضت قوات الشرطة بمدينة الإسماعيلية تسليم أسلحتها ومواقعها لقوات الاحتلال، بأمر من المحافظ ووزير الداخلية "المدنيين"، مما أدى إلى معركة غير متكافئة قُتل فيها 50 شرطي مصري، ليصبح هذا اليوم عيداً رسمياً للشرطة حتى 2011 عندما تفجرت الثورة الشعبية بنفس اليوم.
هذه المرة كانت أسلحة الشرطة تتجه نحو المصريين.
منذ هذا اليوم، حاولت وزارة الداخلية المصرية تبييض صورتها إعلامياً بعد ما تعرضت له خلال
الثورة؛ آلاف الساعات من المواد الدعائية والبرامج وأطنان من المطبوعات، لكن هذا لم يتجاوز في نجاحه 1% فقط مما أنجزه المخرج بيتر ميمي خلال أقل من 15 شهراً فقط عبر موسمين ناجحين من مسلسل "كلبش" ثم فيلم "حرب كرموز".
في "كلبش" نجح ميمي في بعث شخصية ضابط الشرطة في قالب شعبي لا تمكن مقاومته، من خلال التركيز على صفات القوة والشهامة، مع تلميحات تحتية بأن ليس القانون هو ما يحكم أفعال رجل الشرطة، بل مجرد إحساسه بالواجب.
في "كرموز" يعود ميمي لجذور الشخصية الشرطية، بدون أن يدعي ربطها المباشر بموقعة الإسماعيلية، ولكن باستخدام الروايات والأساطير الشعبية حول جهود مقاومة الاحتلال في حي كرموز السكندري، لتصبح القصة عن ضابط شهم قرر احتجاز ضابطين بريطانيين قام أحدهما باغتصاب صبية مصرية.
بالطبع تحمل القصة كل المغريات الشعبية الملحمية عن الشخص الذي يعطل جيش كامل ويُلهم الشعب بالوقوف معه، هذه خلطة لا يمكن مقاومتها حتى مع استمرار حوادث الوفاة الطوعية للمواطنين في أقسام الشرطة.
جمهور العيد مستعد للتغاضي عن الواقع المحيط لكي يحصل على ترفيه بهذا الحجم الفاخر غير المسبوق، ويمكن أيضاً التغاضي عن تفصيلة بسيطة، مثل أن كل هذه الملحمة كانت ستتبخر إذا طلب الجنرال البريطاني من الداخلية المصرية تسليمه الضابطين والصبية كما كان يحدث بالفعل.
عوضاً عن هذا يلجأ لعضو بالبرلمان لنقل أوامره إلى الضابط الوطني.
إغراء الملحمة كان له ثمن آخر، وهو إظهار وطنية كل شخصيات الفيلم: عاملة الجنس، لص المنازل، الضابط المطيع للأوامر وحتى عضو البرلمان والتاجر المتعاون مع البريطانيين، جميعهم يكتشفون وطنيتهم عندما يأتي النداء.
الضابط محور الأحداث تبدو شخصيته عارية تماماً من التفاصيل البشرية، وكأن الفيلم يحيلنا لشخصية سليم الأنصاري في مسلسل "كلبش" إذا أردنا معرفة المزيد عنه، والبطل واحد في الحالتين، وهو الممثل أمير كرارة الذي حقق إنجازاً غير مسبوق بتقديم مسلسل ناجح على مدى 30 حلقة في رمضان ثم الاستمرار بنفس الشخصية في فيلم احتل قمة إيرادات عيد الفطر.
العيب ليس في الجمهور كما يكرر المنتجون، لأن الشخصية الوحيدة ذات المعالم الإنسانية لاقت أفضل تفاعل من الجمهور، وهي شخصية عزت التي قدمها محمود حميدة بلازمته الشهيرة "أمك صاحبتي"، وهو ضابط جيش متمرد وانضم لمقاومة الاحتلال، لكن المفارقة أنه كان محتجزاً لدى نفس ضابط الشرطة الوطني، بدون أن يثير هذا سؤالاً عن هذه الوطنية الانتقائية.
ورغم ضخامة ميزانية الفيلم (65 مليون جنيه)، إلا أن أسلحة وديكورات الأربعينات تكلفت 13 مليوناً فقط، وهذا يجعلك تعرف لماذا يبدو الاصطناع واضحاً في ديكورات الحي.
العربات والدبابات والانفجارات كانت جيدة بالمعايير المصرية، لكن لقطات المعارك نفسها كانت سريعة وخاطفة بشكل متعمد للتغطية على ضعفها وفوضويتها.. الحقيقة أن أفضل اللقطات تم استخدامها بالفعل في إعلان الفيلم.
ورغم الفجوات الواسعة، هذا هو أعلى أفلام المنتج محمد السبكي من ناحية الطموح، بل هو فيلمه الوحيد الذي حاول به الخروج عن السائد، مع مصادفة سعيدة وغير عفوية أن ينال الفيلم رضا الأجهزة الأمنية، ولكنه يظل خاضعاً لقواعد عالم السبكي التي تتعمد دائماً اختزال القصة والدراما في مقابل توظيف أكبر عدد من النجوم بأقل أجر ثم وضع كل رهاناته في حملة التسويق والسيطرة بشراسة على دور العرض.
حرب كرموز
إيرادات الأسبوع الأول: 24 مليون جنيه