"لم يكن مرتاحاً في أيامه الأخيرة، كان قلقاً يُسابق الزمن لإنهاء كتابة العاصوف، تلك القصة التي عكف على كتابتها حتى مماته، لم يساعده فيها أحدٌ، وكان يعتكف ليل نهار في مكتبه حتى ينتهي من كتابة تفاصيله".
حرص عبد الرحمن الوابلي، كاتب القصة المأخوذ عنها المسلسل السعودي "العاصوف"، على أن يُتم كتابة القصة التي أدخل فيها تفاصيل حياة السعوديين خلال فترة السبعينيات، ليظهر في حكايته رجل دين سوري يحض على قراءة القرآن وترتيله، في رمزية لوجود الشوام بالمملكة.
ويركز على دور الأم التي تعد عمود البيت، فهي تقبَّلت اللقيط وأرضعته، وطوال الحلقة كانت تقنع الجميع بأنه هدية من الله وليس مصيبة.
كيف كانت حياة الوابلي والظروف التي كتب فيها هذه القصة؟ تحكي لنا زوجته التي كان لنا معها هذا اللقاء.
- كيف كانت علاقة الوابلي بالتيار الديني في السعودية؟
عبد الرحمن كان إنساناً محبوباً من جميع التيارات، لا يعرف للكره طريق، وهذا ما عرفته من تعامله ونقاشاته، وإذا أتت سيرتهم لا يذكر عنهم ما يكرهون، وحين يلاقي أي اعتداء من طرف، فإنه لا يردُّ الظلم باعتداء مماثل مهما كانت الأسباب، ويحاول كثيراً ضبط ردود فعله.
- من المقابلات السابقة، اتضح أن الفقيد قضى معظم فترات حياته خارج السعودية.. فأين كان خلال فترة السبعينيات؟
لم ننتقل للعيش في الرياض إلا في مطلع الثمانينيات. إلا أنه وقبل استقراره هنا، كان يقضي فترة الصيف مع والدته بالرياض؛ لكون أهل أمه من سكانها، لذلك كان حريصاً على استعراض حياة المجتمع السعودي خلال هذه الفترة.
- هل كان الوابلي يعيش بالرياض في السبعينيات؟ بأي حي كنتم تقيمون؟
كنا نعيش في مدينة بريدة في منطقة القصيم.
- هل كان في حيكم سكّان من غير السعوديين؟ هل كان فعلاً لديكم جيران سوريون؟ وهل كانوا ملتزمين؟
نعم، كان لنا جار سوري وهو أستاذ في الجامعة، وكان دائماً ما يحكي لنا عبد الرحمن عنه، لكن لم يذكر سيرته إلا بالخير.
- هل كان الوابلي – رحمه الله – يصلي ويصوم؟ كيف كانت علاقته مع الله؟
غريبٌ سؤالك عن الصلاة والصيام! إنها سريرة بين العبد وربه، والله لو سألتني هذا السؤال وأنا أمامك حية أُرزق لما أجبتك، فكيف تسألني عن إنسان سلّم أمانته لرب عزيز رحيم؟!
- هل عانى الفقيد اضطهاداً من التيار الديني في السعودية؟ هل من الممكن أن تذكروا لنا أمثلة محددة؟
التيار الديني المتطرف اضطهدنا كلنا كبشر وليس في السعودية فحسب؛ بل في جميع الدول، وذهب ضحيتهم آلاف، وأعدموا الإنسانية بتوحُّشهم. أما الوابلي رحمه الله، فكان يدعو للإنسانية التي افتقدوها فقط لا غير.
- هل تشعرون بأن "العاصوف" كان من الممكن أن يُعرَض لولا التغييرات التي قام بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؟
نعم، لأن "العاصوف" لم يتعرض لشخص أو شعب بعينه، إنما هو قصه من الخيال.
- هل تعرضتم لأي تهديدات أو مضايقات بسبب "العاصوف"؟
لا، لم نتعرض لأيه تهديدات أو مضايقات، بالعكس الجميع يذكر عبد الرحمن بالخير ويطلبون له الرحمة.
- لو اعتبرنا أن عبد الرحمن الوابلي شخصية من شخصيات "العاصوف"، فإلى أي شخصية هو أقرب؟
شخصيه الكاتب الناجح، وهذا ما يليق به.
- على حد علمكم، هل شارك ناصرُ القصبيُّ عبدَ الرحمن الوابلي في كتابة "العاصوف"؟
لم يساعده أحد في كتابة القصة وإلا لما كان عكف ليل نهار على كتابتها.
- كيف تصنفون أنفسكم كعائلة؟ هل أنتم أقرب إلى التيار الليبرالي، أم الديني، أم المحافظ؟
نحن عائله تربَّينا على يد إنسان لا يعرف للكره مكاناً ولا يفرق بين عربي ولا أعجمي؛ ولا دين ولا مذهب؛ ولا لون، ولا غني ولا فقير، الكل عنده سواسية؛ فإن كان الليبرالي أو الديني أو المحافظ يخدم الإنسان فنحن معه، أينما تكن الإنسانية نكن معها.
- يقول البعض إن "العاصوف" يتجنّى على السوريين، ويلقي عليهم اللوم في نشر التطرف بالسعودية.. بينما يجامل المصريين؛ بسبب التقارب السياسي الحالي بين السعودية ومصر. ما رأيكم؟
لا أعتقد أنها تهمة للسوريين إطلاقاً؛ لأنني أعلم أن السوريين من أوائل كُتاب الدراما ومختصون بترجمتها ويفهمون ويقدرون الدراما، ولا يمكن أن يؤولوها إلى تهمة أو شخصنة، هي فقط دراما، وأي قصة درامية تكون من وحي خيال الكاتب.
- ما أكثر ما تفتقدون له في الوابلي؟
ااه سؤالك الأول خنقني وضيّع أفكاري.
- كيف تحافظي على ذكراه بين أطفاله؟
وضعت في المجلس مكتبته وكل مقتنياته بين أعينهم وفي متناول أيديهم ليظل حياً بينناً دائماً.
- ماذا مثّل لك المسلسل عندما شاهدتيه؟
عندما شاهدت المسلسل شعرت أن قلبي كان ينخلع من مكانه من فرط ما اشتقنا إليه.
- هل هناك شخصية بالمسلسل جسدت شخصيته؟
برأيي أن شخصيات المسلسل لم تجسد شخصيته لأنه لم يكن له مثيل .
- بماذا تصفي ناصر القصبي ؟
صديق مخلص.
الأيام الأخيرة في حياة الوابلي
مات الوابلي عن عمر يناهز 57 عاماً، مُلئت حياته بالأحداث والتجارب، منذ أن غادر البلاد مبتعثاً إلى الولايات المتحدة الأميركية، ليكمل هناك دراسة الماجستير والدكتوراه، ويعود محاضراً بكلية الملك خالد العسكرية.
وعن آخر يوم كان فيه الدكتور عبد الرحمن الوابلي معها في المنزل، قالت زوجة الوابلي، "كان يوماً لا يُنسى، فقد كان متعَباً وأخذ موعداً بأحد المستشفيات، وعاد مجهَداً، وعندما سمعني في مكالمة هاتفية ألغى مناسبة عندي بالمنزل، رفض وقال: أنا بخير".
وتابعت، "ذهب إلى غرفته وخلد إلى النوم، بعد يوم متعب له بالمستشفى، في حين جلسنا بخيمة صغيرة في المنزل مع بعض الضيوف، وكانت ابنتي (تفاني) تذهب ما بين الفترة والأخرى لتطمئن عليه في غرفة نومه، وعندما غادر الضيوف دخلت غرفته، ووجدته ملقىً على الأرض، فرفعتُه إلى السرير وقمت بتغطيته، لكنه كان متعباً، وعندما طلبنا سيارة إسعاف، كان الموت أسرع من إسعافه فرحل".
تدور أحداث المسلسل، الذي يلعب دور البطولة فيه الممثل ناصر القصبي وحبيب الحبيب وريم عبد الله والبحرينية دانة آل سالم، حول طبيعة الحياة في المجتمع السعودي من عام 1970 وحتى 1975.
وما ظهر بعد ذلك من نشاط لتيار ديني عُرف بالـ "صحوة"، وما رافقه من تغيرات اجتماعية صدّرت رجال الدين للواجهة في مختلف جوانب الحياة، خاصة الاجتماعية، وهو مقتبس عن رواية الراحل عبد الرحمن الوابلي "بيوت من تراب"، ومن إخراج السوري المثنى صبح، ومن إنتاج شركة "نوافذ" التابعة لناصر القصبي.
وقد أشار مغردون إلى أن "العاصوف" كان من المفترض عرضه في العام 2017، وتم تأجيله مرتين، ليتزامن عرضه مع فترة تشهد فيها السعودية تحوّلات تاريخية على الصعيد الديني والسياسي والاجتماعي، يقودها ولي العهد الشاب محمد بن سلمان.
وكان محمد بن سلمان تعهَّد، في أحد لقاءاته الصحفية، بتدمير التطرف في المجتمع السعودي؛ إذ قال إن السعودية لم تكن متشددة قبل في العام 1979 -فترة الثورة الخمينية في إيران- وانتشار الصحوة فيها، متعهداً بإعادة الحياة إلى طبيعتها، وللإسلام الوسطي الذي كان سائداً قبل تلك الحقبة.