استطاعت الدراما التركية، في وقت وجيز، أن تخترق العالم العربي وتصل لنقاط تماسّ مع المشاهد في معظم الدول العربية، بلهجات مدبلجة إلى المصرية مرة والشامية في مرات أخرى. علاقة جزائرية-تركية وصلت لحد الإنتاج المشترك لإخراج عمل درامي جزائري بلمحة تركية.
حرصت القنوات الجزائرية، مؤخراً، على إرضاء رغبات جمهورها وقدمت لهم دراما يبحثون عنها بين القنوات العربية بلهجتهم الخاصة وتذيعها على قنوات حكومية وخاصة.
مسلسلات تركية باللهجة الجزائرية
وبدأت القنوات في الجزائر الاتجاه إلى هذا الطريق؛ وهو دبلجة الدراما التركية إلى اللهجة الجزائرية، في محاولة لاستمالة أكبر عدد ممكن من المشاهدين.
وكانت قناة "الشروق" الجزائرية، السبّاقة والوحيدة التي بدأت تبث المسلسلات التركية باللهجة الجزائرية، بدايةً بمسلسل "إيليف"، والمعنون في بعض القنوات العربية بـ"الربيع المورق".
كما قامت أيضاً بترجمة مسلسل "وادي الذئاب" الشهيرة إلى اللهجة الجزائرية، والذي بُث على 9 أجزاء كاملة.
وآخر مسلسل تركي تتم ترجمته الى اللهجة الجزائرية، وهو لا يزال في مرحلة البث، هو مسلسل "زهرة القصر".
الدراما جمعت العائلة الجزائرية
بث المسلسلات التركية باللهجة الجزائرية مكَّن القنوات الراعية من لمّ شمل العائلة الجزائرية من مختلف الأعمار والمستويات.
وتعتبر جميلة عقون، (68 عاماً)، خطوة ترجمة تلك المسلسلات إلى اللهجة الجزائرية خطوةً مكنتها من متابعة أعمال كانت لا تفهم في متابعتها شيئاً؛ لما كانت تبث باللهجات المشرقية أو التركية.
وتقول جميلة لـ"عربي بوست": "أنا أمازيغية، وكنت حين مشاهدتي أبنائي وزيوات أبنائي يشاهدون المسلسلات التركية باللهجة الشامية، كنت أرى الصور متحركة لا غير، ولا أفهم ما يقولون".
وأضافت: "يوماً ما، تمنيت لو أفهم وأتابع مسلسل (وادي الذئاب)، الذي أخذ عقول أولادنا. وبالفعل، تحقق ذلك لمّا ترجم إلى اللهجة الجزائرية، وأصبحت أتابعه بفهم كبير، وتأكَّدت حقاً لماذا أخذ المسلسل العقول".
وتتمنى هي الأخرى أن تقوم القنوات بترجمة مسلسل "أنت وطني"، الذي حرمتهم قناة "إم بي سي" من تكملته بحلقاته كاملة.
MBC فاجأتنا
اعتادت سمية منصوري، ربة بيت من ولاية سطيف الجزائرية، مشاهدة مسلسل "أنت وطني" التركي، الذي كان يبث عبر قناة "إم بي سي"، وكانت تجالس في الغالب والدة زوجها الأمازيغية، التي لا تفهم من اللبنانية التي تُرجم إليها المسلسل سوى كلمات.
سرعان ما أوقفت القناة بث هذا المسلسل وغيره من الدراما التركية، بقرار من الحكومة السعودية، وهو ما جعل سمية ووالدة زوجها "جميلة" تلتفان حول قناة "الشروق" العامة الجزائرية، التي باتت تبث مسلسلات تركية باللهجة الجزائرية.
هذه الخطوة استحسنها كثير من الجزائريين، خاصة أن نسبة منهم بمنطقة القبائل والاوراس وكذا الجنوب، لا يفقهون كثيراً اللهجة المشرقية، رغم أنهم مولعون بالمسلسلات التركية.
وفي تعليقها على وقف بث المسلسلات التركية عبر القناة السعودية التي تُبث من الإمارات "إم بي سي"، تقول سمية منصوري، في تعليقها لـ"عربي بوست"، إن ذلك من عدم الاحترام، وتلاعب بعقلية المشاهد العربي.
وأضافت مستاءةً: "كان الأجدر إعلام المشاهدين بموعد توقيف تلك الأفلام، وتقديم الحجج اللازمة، وعدم قطع المسلسلات في حلقات غير مكتملة".
فالدراما التركية، تضيف، "أصبحت تسيطر على عقول الجزائريين؛ بل والعرب من المحيط إلى الخليج، ووقف بثها عبر قناة "إم بي سي" وبتلك الطريقة، يعد ضربة موجعة للقناة وإدارتها".
وتمنت أن تتم ترجمة المسلسل الذي كانت تتابعه، "أنت وطني"، والمزيد من المسلسلات الأخرى إلى اللهجة الجزائرية، وبثها قريباً.
شراكة جزائرية – تركية
لم تكتفِ القنوات الجزائرية ببث الأعمال التركية مترجمة إلى اللهجة الجزائرية؛ بل تطورت لتصبح شراكة في الإنتاج والإخراج، والأمور التقنية المعروفة.
ويعد مسلسل "تلك الأيام" سابقة في الدراما الجزائرية، باعتباره عملاً جزائرياً بإشراف تركي.
يقود الفريقَ التركيَّ المخرجُ التركي الألماني محمد جوك، الذي أخرج ما يزيد على 20 مسلسلاً في تركيا وأذربيجان وبلغاريا وألمانيا وروسيا، ويعاونه فريق العمل التركي، المؤلف والسيناريست أركان شيبلاك، ومدير التصوير حقي توبجو، ومدير الإضاءة أحمد إيدن، ومهندس الديكور أوزجور كميرتاش، والماكييرة أسماء إيرين، والكوافير شاهين جول.
ويقول مدير المؤسسة الراعية للعمل "الشروق"، علي فوضيل، لـ"عربي بوست": "مؤسستنا أنتجت العديد من المسلسلات الكبيرة للسوق الجزائرية، وكنا نسعى هذا العام (2018) للمنافسة والخروج بالمسلسل الجزائري إلى فضاء الشاشات العربية".
وهناك عمل آخر كان الجميع يترقب مشاهدته خلال شهر رمضان، ويتعلّق الأمر بـ"الرايس قورصو"، وهو المسلسل الذي كان سيُصوَّر في دولة تركيا من الحلقة الأولى إلى الأخيرة.
وكان يؤدي الممثل الجزائري الشهير صالح أوقروت، دور البطل في دور "سيد البحر" لا هو قرصان شرير ولا هو شخصية نبيلة، أي على العموم كان يؤدي دور روبن هود، وهو متزوج بامرأتين جمعتا بين المال والنسب.
المسلسل من 30 حلقة، كان مبرمجاً بثه خلال شهر رمضان عبر قنوات "الشروق" الخاصة في الجزائر.
هروب أم شراكة؟
الناقد السنيمائي الجزائري محمد علاوة حاجي، يمزج بين الهروب والشراكة في تحليله لظاهرة الاعتماد على الدول العربية والأجنبية، من قِبل المخرجين الجزائريين في إنتاجهم للأفلام والمسلسلات.
ويقول لـ"عربي بوست": إن "إمكانات تصوير مسلسلات في الجزائر بمستوى الأعمال العالمية، فذلك صعب إن لم يكن من ضرب المستحيلات، بالنظر إلى انعدام الإمكانات والوسائل".
فمدينة للإنتاج السينمائي، على سبيل المثال لا الحصر، غير متوافرة بالجزائر، وأغلب المخرجين يجدون صعوبة في التصوير والتمثيل والإخراج؛ لذا "أصبح هؤلاء مرغمين على البحث عن مدن لتكملة أعمالهم، منها تونس وتركيا".
وعاد "حاجي" إلى حادثة توقيف تصوير مسلسل "هيليوبوليس" التاريخي في مدينة عين تيموشنت غرب الجزائر، بعدما أقدم الشباب على منع التصوير بحجة رفع العَلم الفرنسي، واعتبارهم ذلك إهانة.
وأكد: "لو أن للجزائر مدينة للإنتاج السينمائي، لوجد المخرج راحته في إخراج العمل بما يوافق السيناريو، بعيداً عن الضجة والفوضى والتوقيفات المتتالية في التصوير".
وأشاد في المقابل بالتقارب التركي-الجزائري، الذي اعتبره فرصة لتبادل الخبرات والاهتمامات؛ لأن الدراما التركية أصبحت تسيطر على المشهد عبر قنوات التلفزيون العربية برأيه.
حلم رمضان يتبخر
أفاد بيان عن شركة "الشروق" للإنتاج بأن عملية تصوير المسلسلين "الريس قورصو" و"تلك الأيام" قد تم توقيفها بصفة رسمية ونهائية منذ الخامس أبريل/نيسان 2018؛ وذلك لأسباب مادية.
وشدّد البيان على أن الشركة وحدها المخوّل لها للحديث عن الموضوع، وأن أي طرف آخر يحاول إقحام نفسه في الموضوع لا يمثل إلا نفسه.
واغتنمت المديرية العامة البيان لتشكر جميع شركائها والمتعاملين معها على الثقة المتبادلة، كما أكدت لجميع الفنانين والتقنيين أنه ستتم تسوية أوضاعهم الإدارية والمادية في الأيام المقبلة.
إشادة بالتجربة التركية
محبوب الشاشة الجزائرية، الذي سيؤدي دور البطولة في مسلسل "الريس قورصو"، صالح أوقروت، وبعد توقيف تصوير العمل، بث عبر اليوتيوب تصريحاً، حمل إشادة كبيرة للعمل مع الفريق التركي.
وقال أوقروت إنه منبهر بالإمكانات التي تتمتع بها تركيا من حيث الديكور، والأمور التقنية، وتمنى أن يكون للجزائر ولو جزءاً من هذه الإمكانات، وأثنى على التجربة التي اعتبرها واحدة من المراحل المهمة في حياته.
وردَّ الممثل أسباب توقيف تصوير الفيلم إلى ما جاء في بيان مؤسسة "الشروق" الجزائرية، وتمنى أن يتم تدارك النقائص؛ لمباشرة التصوير من جديد وإنتاج هذا العمل، الذي وصفه بالضخم والكبير.