تقف امرأة وسط الجموع في انتظار نجمة حفل السبت، تتساءل "هل هذه منصة عرض أزياء؟".
ترد أخرى: إنها بيونسيه، بالطبع ستكون منصة عرض أزياء!
تتساءل الأولى: هل ستحضر بيونسيه نجوماً آخرين معها إلى المنصة؟ إنها لا تريد لأحد أن يقيد أسلوبها، صح؟
يأتيها الجواب: يا هذه، إن أسلوبها غير قابل للتقييد.
لكن بيونسيه التي تبحث عن تفردها وحريتها سمحت لآخرين – منهم زوجها – بالغناء معها، بل أنها اجتمعت للمرة الأولى مع صديقاتها بطلات فريق Destiny's Child.
هكذا كانت بيونسيه أول فنانة سمراء تحيي حفلاً غنائياً في مهرجان "كوتشيلا" السنوي، والذي أقيم في ولاية كاليفورنيا الأميركية، ليكتب الإعلام عنها أنها صنعت التاريخ خلال ساعتين – مدة وصلتها -، مساء السبت 14 نيسان/أبريل 2018، وفق ما ذكرت صحيفة The Guardian البريطانية.
من يتابع المسيرة الفنية الطويلة لنجمة الغناء السمراء بيونسيه يعرف أن لها أسلوباً فنياً لا يمكن تقييده. كانت بيونسيه التي بدأت الغناء قبل 20 عاماً حققت إنجازاً كبيراً عندما تصدرت قائمة نجوم مهرجان "غلاستونبيري" في العام 2011 بمناسبة مرور 40 عاماً على انطلاق المهرجان، أما في حفل السبت، فقد كان الشرف من نصيب مهرجان "كوتشيلا" الفني في كاليفورنيا الذي استضاف للمرة الأولى مغنيةً سمراء على منصته، ما منحه نكهةً سياسيةً مع نشاط نسوي.
في البدء كانت كليوباترا: هل أنتم مستعدون؟
أطلت بيونسيه في بداية العرض برداء عصري للملكة المصرية القديمة كليوباترا التي تحبها بيونسيه كثيراً من آخر منصة عرض الأزياء ومن وراء عشرات الراقصين والراقصات الذين ارتدوا زيا يعلوه رمز حزب Black Panthers.
ثم صدح مكبر الصوت يقدم نجمة الحفل بقول، "سيداتي سادتي، أهلاً بكم في حفل عودة بيونسيه للعام 2018″، فيما تقدمت فرقة من الراقصين والعازفين لتعتلي هيكلاً هرمياً ضخماً نصب على المنصة. تغير بيونسيه زيها إلى شورت قصير وسترة رياضية وحذاء طويل قبل أن تؤدي أغنيتها الأولى مباشرةً، التي تبدؤها بمخاطبة الجماهير قائلة "هل أنتم مستعدون يا جمهور كوتشيلا؟" لتنطلق أنغام أغنية Crazy in Love وراءها.
هكذا كانت انطلاقة حفل ليس مجرد حفل غنائي تحييه بيونسيه وحسب، فقد جعلت بيونسيه من حفلها رسالة فاقت أبعادها مشوارها الغنائي إلى تميز العرق الأسود وقوة المرأة وقوة الإيمان بالنفس التي لا تلين، كما وصفتها The Guardian في تقريرها. لم يكن من بين الراقصين الـ 100 سوى قلة معدودة من الراقصين البيض، أما أنغامها فتعددت بين السول والجاز والغناء الديني (غوسبل) والموسيقى الراقصة، إضافة إلى عذوبة الألحان والموسيقى بحد ذاتها؛ ومع دخول أغنيتها الثانية Freedom تتحد حركة بيونسيه مع حركة الأوركسترا من ورائها ليس حركياً فحسب، بل كأنها حركة ومسيرة ذات هدف وغاية.
تنتقم للنساء وتستعرض محطاتها الموسيقية
تأخذ بيونسيه أبعاداً سياسية شديدة الصراحة دون مواربة في الحفل بلعبها على وتر الـ "فيمينست" – أو الحركة النسوية -، فأثناء أدائها لأغنية Sorry، حيث كانت تتغنى بها مفعمة بالغضب، تتأرجح بيونسيه في أسلوب مخاطبتها للجمهوربين الشدة وبين العذوبة والرقة. كما تنتقل بسلاسة بين الأغاني وتتنقل عبر محطات مسيرتها الغنائية التي تمتد 20 عاماً.
لم تكتف بيونسيه بغناء أعمال مسيرتها فقط بل كذلك استعارت أغاني من التاريخ الموسيقي الذي تنتمي إليه، فقد مزجت أغنيتها Drunk in Love بأغنية Lilac Wine لنينا سيمون التي أدتها من فوق رافعة رفعتها فوق الجمهور. كذلك استعارت من نتاج زوجها Jay Z عزف الأوركسترا لمقتطفات من أغنيته Dirt Off Your Shoulder. كما انتقت أيضاً مختارات من أنجح أغانيها القديمة عندما كانت تغني منفردة، مثل Baby Boy. كذلك ترنمت بأسطر من أغان كـ Flawless و Don't Hurt Yourself مرتدية زيها الثالث لليلة – زي جلدي لميع أسود – بأداء استعرضت به نجوميتها في عالم الروك، وحينما تغنت بعبارتها الشهيرة I woke up like this التفتت إلى الجمهور لتسأله، "كيف استيقظتم هذا الصباح؟".
الحقيقة أن بيونسيه فعلاً استيقظت على هذه الحال؛ ثمة تورية واضحة في استخدامها لكلمة wake التي تحمل عدة معان، بيد أن الحفل طرب ولم يفق إلا على نشوة وسعادة الجمع الغفير الحفل الفني الساهر والحي.
ترتدي الزي العسكري.. وتلم شمل الصديقات
أثبتت بيونسيه نفسها عدة مرات خلال الحفل، فدار في الأذهان تساؤل إن كان ثمة احتمال بحلول ضيوف على منصة الحفلة. ثم فجأة يعتلي Jay Z الخشبة ليغني Deja Vu، وبعدما غنت ساعة كاملة من أغاني الغضب الأنثوي ضد الخيانة، أذاب الزوجان القلوب باستعراض كيمياء مشاعر الحب بينهما. لكنها عندما انتقلت إلى أغنية Run the World تظهر بزي عسكري كاكي اللون، على العكس من أدائها لنفس الأغنية في حفلات أخرى
في اللحظة التي انتظرها الكثيرون عندما سمح القدر بلم شمل بيونسيه مع كيلي رولاند وميشيل ويليامز – أفراد فرقة Destiny's Child – من جديد. وقد عادت الفتيات الثلاث إلى ذكريات الماضي بغناء Lose My Breath، ثم يغنين توزيعاً جديداً مبهجاً لأغنية Say My Name، تليه أغنية Soldier التي لم يخلُ أداؤها من المرح؛ أما آخر الضيوف فكانت أخت بيونسيه الصغرى، صولانج، التي ختم دخولها سلسلة الحب العائلي برقصة أدتها مع أختها بيونسيه عبرتا فيها عن جمال التضامن الوثيق وعن علاقة الأخوة بين البنات، فيما كانت نهاية الحفل كانت على وقع أنغام Single Ladies و Love on Top.
وسط أجواء الحفل استدارت بيونسيه مخاطبة الجمهور بكل صراحة وتواضع قائلة "شكراً لسماحكم لي أن أكون أول امرأة سوداء تتصدر حفلات مهرجان كوتشيلا". أما الجمهور فغادر أفراده ملعب البولو وعلى لسان كل منهم عبارة واحدة "كنت هناك".