تقول نبيهة إقبال: "لقد بذل والداي جهداً كبيراً ليتيحوا لنا ممارسة الكثير من الأنشطة غير المدرسية والإبداعية، لكنني لا أعتقد أنهم في الواقع تصوروا أن أياً منا سوف يمارس ذلك كمهنة".
إن التخلص من الصور النمطية للآسيويين هو عبء تعيَّن على معظم الجيل الثاني من المهاجرين التعامل معه، بحسب التقرير الذي نشرته صحيفة The Guardian البريطانية. في الواقع، بالنسبة للموسيقية البريطانية-الباكستانية إقبال، ربما يكون الشيء الوحيد الصحيح هو الأهل الذين يشعرون بالقلق بشأن حصول أبنائهم على ما تصفه مازحةً بأنه "عمل مناسب".
نشأت إقبال في ريجنتس بارك في لندن، ولها خمسة من الإخوة، هي أكبرهم. في وقت لاحق، أثناء العمل في مجال حقوق الإنسان، بعد اجتياز امتحانات المحامين، قامت بالعمل على العديد من المشاريع الموسيقية. ومن أهم هذه الأعمال عملها تحت اسم "Throwing Shade"، التي عملت من خلالها (دي جي)، ومقدمة في محطة NTS الإذاعية.
تقول، وهي تحتسي مشروب شوكولاتة ساخناً "لا أعتقد أن والديّ مرتاحان لانتقالي من المحاماة إلى الموسيقى، لكنهما يعتادان ذلك ببطء. عزفت في تيت مودرن في العام الماضي، مع فولفغانغ تيلمانز، وأعتقد أن والدتي رأت في ذلك تأكيداً على أنني أفعل شيئًا يُقبل عليه الناس".
يجب أن يكون القلق من "الأشياء التي يقبل عليها الناس"، في هذه المرحلة، مصدر قلق متناقض بالنسبة إلى امرأة لديها حزام أسود في الكاراتيه، وشهادة في الموسيقى العرقية والتاريخ، من مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية (سواس)، التابعة لجامعة لندن. في الأسبوع الذي سبق المقابلة، عزفت إقبال أول عرض رئيسي لها، وقد بيعت كل التذاكر في آرتك سبيس (ArchSpace) في شرقي لندن.
لإقبال وجود دافئ على خشبة المسرح. ترتدي بدلة مصمَّمة خصيصاً وحذاء مخططاً مثل خطوط الحمار الوحشي، وتغطي شعرها بقبعة سوداء، ثم تعزف غيتارها بقوة غامضة. تقول بابتسامة: "جاءني شخص ما في نهاية العرض، قائلاً إنه من الجيد حقاً رؤيتي، لأنها كانت المرة الأولى التي يشاهد فيها امرأة سمراء على المسرح تعزف الغيتار".
هذا موضوع ساخن بالنسبة لإقبال. وبينما كانت أعمالها التي أدتها تحت اسم "Throwing Shade" مسجلة إلكترونياً ومناسبة للملاهي الليلية، فإن الألبوم الأول الذي ظهر في العام الماضي، واسمه "Weighing of the Heart"، والذي أُصدر تحت اسمها الحقيقي، عزفت به العديد من الآلات الحية.
ألبومها الأول هو تتويج لتجربة حياتها كلها، التي مرَّت بها من قبل. وهو متأثر بشكل كبير بموسيقى سنوات مراهقتها -كل شيء من مايكل جاكسون إلى بريت بوب إلى موسيقى سكا-بانك، التي كانت تذهب لمشاهدة عروضها في كامدن في شمالي لندن في نهاية كل أسبوع. ومع ذلك، في المقطوعات التي ألفتها على نمط سينثبوب، مثل Slowly العاطفية، وSaw U Twice، يمكن مقارنة عمل إقبال بأمثال New Order وPet Shop Boys.
جاء قرارها بالتخلي عن لقب "Throwing Shade" لأنها أرادت تبنِّي تراثها الآسيوي البريطاني. أدى هذا إلى مراجعة خاصة (أُزيلت منذ ذلك الحين) على موقع الموسيقى XLR8R، الذي علق بأن الألبوم يبدو "أبيض" للغاية، مما دفع إقبال إلى طرح القضية على وسائل التواصل الاجتماعي، وكتابتها مقالاً لمجلة Dazed بعنوان: "اسمي نبيهة إقبال، وأنا عازفة غيتار". تتساءل إقبال: "لماذا أتعرض للانتقاد لأن لدي مشاعر وإلهامات لا ترتبط علناً بالصورة النمطية عن الأشخاص الآسيويين؟"
إن الوقوف في وجه الظلم أمر مهم بالنسبة لإقبال. عندما عادت من جلسة تسجيل مع مشروع دامون ألبارن "إفريقيا إكسبرس"، في جنوب إفريقيا، في وقت سابق من هذا العام، انضمَّت إلى الفنانة بتيت نوار، التي نشأت في مدينة كيب تاون، في انتقاد ما اعتبراه عقوداً غير عادلة. كانت الاثنتان تشعران بالقلق من أن الاتفاقية تطالب الفنانين بالتخلي عن حقوق الأداء العلني لأعمالهم الموسيقية، مقابل جنيه إسترليني واحد.
لكن، ألا تجد أن التحدث إلى المنشورات والفنانين المشهورين أمر محفوف بالخطر؟
تقول: "يسألني الناس دائماً أسئلةً مثل: "ما الذي تشعرين به كمنتجة نسائية أو دي جي أنثى؟"، وتتابع: "نعم، هناك عقبات، لكن حقيقة أنني أفعل ذلك يثبت شيئاً، أليس كذلك؟ في الوقت نفسه، ما فائدة أن أكون أنا نفسي؟ ما الفائدة من كونك فناناً آسيوياً بريطانياً يفعل ما أفعله، وأن أحتل هذا الموقع إن كنت سأظل صامتة عندما أرى أشياء كهذه تحدث؟ كان بإمكاني بسهولة تجاهل هذا التقييم والمراجعة، لكني أشعر أنه إذا لم يبدأ جيلنا في الحديث عن هذه الأشياء، فمتى ستتغير؟"
في الوقت الذي أصبح فيه مروّجو الحفلات الموسيقية أكثر انفتاحاً على العمل مع النساء، تعتقد إقبال أن نساء الأقليات العرقية لا يزلن محصورات في كثير من الأحيان في مساحات خاصة، سواء كانت مسارح موسيقية "حضرية" أو سهرات ذات طابع مرتبط بـ"بوليوود"، أو الترويج لها باعتبارها المرأة الوحيدة السمراء في المجموعة. إقبال، إذن، هي إحدى الرائدات وواحدة من حفنة من النساء السمراوات في تاريخ موسيقى الغيتار البريطانية (بولي ستايرين من فريق X-Ray Spex وبولين بلاك من فريق Selecter وسكين من فريق Skunk Anansie هن الأخريات اللاتي يتبادرن إلى الذهن). إن الأداء تحت اسمها الحقيقي وتأليف الموسيقى التي لا ترتبط ارتباطاً واضحاً بتراثها لا يجب أن يثير التحيز العرقي، لكنه يفعل.
هذا لا يعني أنها لا تهتم بموسيقى جنوب آسيا. أثناء دراستها لعلم الموسيقى العرقية، تعلمت إقبال كيف تلعب السيتار، وهو ما أثر على كيفية تفكيرها في الموسيقى بشكل عام. تقول، "في الثقافة الغربية، نستمع إلى الموسيقى باعتبارها تسلية بحتة، ولكن بمجرد أن تنظر إلى ما تعنيه الموسيقى للناس في الثقافات والمجتمعات في جميع أنحاء العالم، تدرك أنها تأخذ دوراً أكثر ملاءمة وأكثر أهمية، سواء باعتبارها أغنية شافية للأميركيين الأصليين أو موسيقى صوفية تعبدية".
وتتابع: "إن السيتار آلة معقدة وعميقة، وهي تدفعك للتفكير في الموسيقى بطريقة مختلفة… الطريقة التي تتداخل بها في أعمالي تجعلني أؤلف موسيقى تثير رد فعل عاطفياً لدى المستمع، أياً كان. لا يمكنك فعلاً تحديد ذلك أو المطالبة بما يجب أن يكون، لكنني لم أكن أريده أن يكون موسيقى خلفية".
وهو لم يكن موسيقى خلفية على الإطلاق. على المسرح في عرضها الأخير في شرقي لندن، تذكر إقبال أنها تلقت عدداً من الرسائل من المعجبين الذين بكوا لسماع ألبومها. تضحك قائلة: "أرجو أن يكون بكاؤهم تطهيرياً. وليس بكاء بسبب الكآبة والإحباط، إنه شعور غريب حقاً وغامر، أن تكون الموسيقى التي ألفتها لها هذا التأثير على الناس، إنه شعور رائع".
ليست فقط الموسيقى التي يتردد صداها: تعلِّق إقبال تركيزاً كبيراً على أهمية الكلمات، فاختارت شاعرين للعمل معها في عرض Archspace، شقيقها حسيب إقبال وسناء راشد. وتقول: "طلبت منهما كتابة أعمال جديدة تتعلق بنفس النوع من الإلهامات التي كنت أبحث عنها في موسيقاي، لقد أرسلت لكل منهما مقتطفات من كتب أو أشعار كنت أقرأها أثناء كتابتي للألبوم".
يمكن سماع المواضيع التي اختارها الشاعران -لا سيما طبيعة الحياة والحب العابرة – في ألبوم "Weighing of the Heart". في Saw U Twice ، تستحضر إقبال جواً رومانسياً كلاسيكياً ("رأيتك في القطار/ هل سأراك مرة أخرى؟") ، في حين أن ألبوم Zone 1 to 6000 هو استكشاف مذهل للناس صغاراً وكباراً، الذين يتأقلمون مع حياة العاصمة المخدرة للإحساس. يبدو الألبوم وكأنه قصيدة للمدينة التي نشأت فيها إقبال، وكانت تلك الأغنية على وجه الخصوص، بعبارة "عمل فقط ولا حب"، مستوحاة من قصيدة وليام بليك "لندن". تظهر التلميحات للتاريخ في مكان آخر أيضاً؛ في الواقع، يشير العنوان "Weighing of the Heart"، إلى الطقوس التي اعتقد المصريون القدماء أنها تحدث بعد الموت مباشرة.
لكن اهتمام إقبال بالثقافات القديمة لا يعني أنها لا تفكر في المستقبل. تقول: "في بعض الأحيان يقول جيل أهلنا إننا يجب أن نكون ممتنين لوجودنا هنا، ولكن أعتقد أن هناك فرقاً بين الشعور بالامتنان لما لديك، والدفاع عن نفسك كذلك. يسعدني جداً أن أكون هنا، ويسرني جداً أن أكون قادرة على التركيز على ما أحبه أكثر، ولكن في الوقت نفسه، لن أتعايش مع المظالم التي أشهدها، أنا لست كذلك".