سألوا الكاتب الراحل علي سالم: "مسرحيتك مدرسة المشاغبين دمرت أجيالاً بأكملها، وأفسدت التعليم، ما ردك على ذلك؟".. كانت إجابته بسيطة، لكنها قوية في معناها، كشفت عن ضحالة وسخافة من اتهموه بذلك. قال: "إذا كان هناك مجتمع أفسدته مسرحية واحدة، فيمكن أن نعمل مسرحيتين أو ثلاثاً أو عشراً ونصلح بها المجتمع والدنيا ونعيش في حياة فاضلة كريمة.. اذهبوا وافعلوا ذلك إذا كان معكم الحق".
والسؤال هنا: "هل دمر محمد رمضان المجتمع المصري وأفسده ونشر البلطجة فى شوارعه؟". إجابتك فى الغالب ستكون:"نعم". وهذا ما يجعلني أسألك سؤالاً آخر: "مثلاً.. ما نتيجة شخصيات الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة على المجتمع، مثل شخصية السيد أبو العلا بشري الذى لم يكن يفوّت ذلك المجتمع حلقة واحدة منه؟ هل أخرج لنا هذا المسلسل مثلاً جيلاً تربى على المبادئ والعفة والصدق؟ أين نتيجة هذا الفن الهادف هنا؟ هل كنا ملائكة زمان؟".
والمعنى واضح، فالفن لا يصنع مجتمعاً، إنما المجتمع من يصنعه. أما الذين يتحدثون عن الفن الهادف والفن الهادم، ثم يضعون رجلاً على رجل وهم يتكلمون، لا يفهمون ولا يستوعبون، أن الفن أمزجة ومستويات، مثل السوبرماركت؛ كل منا يبحث عن البضاعة التي تناسبه. فلماذا تمارس سلطتك وتفرض ذوقك وبضاعتك على الآخرين؟ اذهب يا رجل وشاهد الأعمال الراقية والهادفة أنت وعائلتك؛ كي ترقى وتصبحوا بهذه الأعمال أكثر سلاماً وخيراً ومحبة للحياة.
والفن الهادف والفن الهادم، لا وجود لهما إلا في الديكتاتوريات، ومن يطالب بمنع ممثل موهوب مثل محمد رمضان، فهو يمارس نوعاً من الوصاية على فئة كبيرة من الشعب المصري لا يمكن أن نقبله.
إن زمن النازية الذي كان يتحكم في الفن ويوجهه نحو موقف معين ويمنع كل عمل بحجة أنه مسخ وضد المبادئ لن يعود. إن أدلجة الفن كما فعلت الشيوعية لن تعود، فالفن الحديث لا يعترف بمعايير سياسية أو فكرية أو أخلاقية تناسبك أنت وحدك، وتعبر عنك وحدك، فالأذواق يجب أن تختلف، ولا تقل لي فناً هادفاً أو هادماً؛ لأن ذلك مسخ لا يليق بعصرنا الحديث.
وكي أكون أكثر وضوحاً، سأضرب لك مثلاً واثنين وثلاثة. هناك من يعتبر أن أدب نجيب محفوظ "كفر وعفن"، وهناك من يعتبر أعمال إحسان عبد القدوس مجرد "أدب سراير"، فهل معنى ذلك أن نعدم هؤلاء بأعمالهم لمجرد ذلك الرأي؟ الإجابة عندك.
أما ما عندي فهو رجاء بألا نقتل موهبة مثل الشاب محمد رمضان، لا ندوس بأقدامنا وندعي الثقافة والأخلاقية، فهذا لا يليق بكم، فأنتم أبناء هذا المجتمع الذي يصوره لكم ذلك الشاب.. فلا تفزعوا منه.. إنه يعريكم في كل عمل ويكشف لكم حقيقتكم. أما الحقيقة – كما صورها الإغريق سابقاً- فهي عورة يدير الناس رؤوسهم عنها. وهذا ما تفعلونه الآن، فلا تفزعوا.
إن ما يقدمه محمد رمضان مرآة لحياتنا وحياة يعيشها الملايين؛ لذلك تابعوا واهتموا وأعجبوا بها. إنه الفن الحقيقي الذي يوجعكم، فلا توجعوا أدمغتنا بتحاملكم وتنظيركم السطحي الذي يجافي الواقع والعلم وكل حقيقة.
– تم نشر هذه التدوينة في مدونة محمد ثابت
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.