في غرفة انتظار بإحدى العيادات، يلتقي الشاب الكندي "جاي باهادور" صدفةً الصحفيَ الكبير "سيمون تولدن" وقد كان مثلَه الأعلى في عالم الصحافة، فيخبره بأنه يعتزم الانتساب إلى جامعة هارفارد لمواصلة دراسته العليا، لكن سيمون يصرخ قائلاً: "تباً هارفارد! إذا كنت تريد أن تكون صحفياً فاذهب إلى أرض مشتعلة، وستفرض نفسك على الجميع".
هكذا بدأت قصة "باهادور" التي حكاها في كتابه "المياه القاتلة.. داخل عالم قراصنة الصومال السري"، الصادر سنة 2011، والذي تصدر حال ظهوره قائمة أعلى المبيعات في الولايات المتحدة الأميركية قبل أن يتم استغلاله سينمائياً.
هذه القصة هي في الآن نفسه قصة مشوقة عن عالم القراصنة الغامض الذي لم يهتدِ الغربيون إلى فهمه بوضوح، وهي قصة "باهادور" الذي ذهب إلى الصومال وهو في الرابعة والعشرين من العمر؛ ليحقق حلم حياته؛ أن يكون صحفياً كبيراً، وما كان له أن يحقق هذا الحلم لولا نصيحة عرابه "سيمون"، الذي سنراه في نهاية الشريط يصرخ مرة أخرى مع المحتفلين بنجاح مغامرة "باهادور": "تباً هارفارد!".
لكن، من المهم جداً أن نحافظ على عبارة "تباً هارفارد!" داخل سياقها الدرامي أولاً وداخل سياقها الأميركي ثانياً، وألا نعتدّ بها وحدها للاستدلال على أن التجربة العصامية أفضل في صنع النجاح من التكوين الجامعي مطلقاً، فقد يكون ذلك فهماً مختصراً ومضللاً.
إن الفكرة التي نستخلصها من سيرة "باهادور" الذاتية، تتلخص في معنى "إرادة الحياة"، وهو -كما هو معلوم- مفهوم كوني شامل ارتبط بالإنسان في كل زمان ومكان، وإرادة "باهادور" هي التي جعلته يرقى إلى مستوى البطل الحقيقي في تجربةٍ هدفها تعريف العالم بالصومال على حقيقته، فالرسالة التي أراد الصوماليون إيصالها إلى الغرب عن طريق صديقهم "باهادور"، تتمثل في أن المدارس التي هدمتها الحرب لم تُبنَ من جديد! وهي رسالة تكشف عمق التباين بين نظرة صناع السياسات في العالم المتقدم وتطلُّعات الناس على أرض الحقيقة والواقع.
وما كان لإرادة "باهادور" أن تكون لولا إيمانه الشديد بحلمه. هل هذا يكفي؟ لا، فدور الصحفي "سيمون تولدن" مركزي في القصة، حيث جسَّد الترابط الوثيق بين جيلين من أجيال الصحافة وصوَّر بذكاء شديد كيف انتقل المشعل من هذا إلى ذاك.
أما الرسائل النصية القصيرة التي وجدها "باهادور" على شاشة هاتفه الجوال عندما وصل إلى كندا عائداً من الصومال، والتي قرأ فيها عروضاً تهاطلت عليه من مختلف المؤسسات الصحفية ودور النشر- فهي تصوِّر إيمان المجتمع كله بالموهبة والإرادة، ومن غيرها لا تكتمل دائرة النجاح.
قصة "جاي باهادور" في فيلم "قراصنة الصومال" قصة نجاح أميركية كلاسيكية، تتكرر باستمرار في صيغ درامية مختلفة، فمثلها قصة رجل الأعمال "كريستوفر غاردنر" التي قُدمت سينمائياً في الفيلم الشهير "السعي للسعادة"، وعبر سلسلة طويلة من النماذج تعمل السينما الأميركية على بناء منظومة قِيَمية، محورها الإرادة وحب التفوق والسعي إلى فرض الذات.
وهي مسألة مثيرة للانتباه، في ظل تصورات أخرى مغلوطة لدى بعض الشعوب الأخرى، تقصر دور الفن في نقل الواقع وأردأ ما فيه، السينما التي نعاينها ها هنا، تحتفل بأفضل ما في الواقع؛ إذ لا شك في أن "بيل جايتس" و"بول آلان" عندما باعا برنامجهما الأول لشركة ميتس وهما لا يزالان طالبين، قد صاحا بصوت واحد مثلما فعل "باهادور" بعدهما: "تباً هارفارد!".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.