هل يتسبب عمل سينمائي مدعوم من بشار الأسد في حرمان المصريين من الانضمام للجان تحكيم في مهرجان قرطاج بتونس، أشهر المهرجانات السينمائية العربية؟ بل هل يمكن أن يصل الأمر لتهديد مشاركة المحكمين المصريين بالمهرجانات الدولية برمتها؟
هذه التساؤلات أثيرت بعد تعمُّد المخرجة المصرية كاملة أبو ذكري عضوة لجنة التحكيم في الدورة الأخيرة لمهرجان قرطاج، في صفحتها على فيسبوك، لإعلان موقفها من الفيلم السوري "مطر حمص"، الذي تسببت في حرمانه من الفوز بجائزة في المرجان، لأن الفيلم من إنتاج مؤسسة سورية حكومية، ولأنها رأت أنه يروج لوجهة نظر النظام من الصراع.
تدوينة أبو ذكري على صفحتها على فيسبوك زادت الجدل الذي تواصل حتى بعد انتهاء فعاليات أيام قرطاج السينمائية، حول دور عضو لجنة التحكيم، وضرورة احترامه لقوانين المهرجانات، بعدم تسريبه ما يحدث داخل اجتماعات اللجنة.
أبيات شعرية
كاملة أبوذكري كتبت بعد عودتها من تونس تدوينة طويلة أكدت فيها موقفها، وكتبتها في شكل جمل قصيرة وكأنها أبيات شعرية، هذا نصها:
تدوينة "كاملة" جذبت العديد من المعلقين، الذين وجَّهوا لها التحية على موقفها، جميعهم من السوريين، الذين نشروا صوراً مما يحدث داخل سوريا، بخلاف أن التدوينة شاركها العشرات.
وتدور أحداث الفيلم الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما، وهي جهة حكومية سورية، ما بين فبراير/شباط، ومايو/أيار 2014، حول حكاية عائلة عاشت الحرب في حمص القديمة، وحوصرت من قبل "الإرهابيين"، جمعتها قساوة الظروف وتحدي الألم والمعاناة، وواجهت شخصيات الفيلم مصيرها في أجواء من الحب والعنف والأمل.
هل كانت تعلم بمحتوى الفيلم؟
موقف أبوذكري الرافض للفيلم الذي أنتجته مؤسسة حكومية سورية يتوافق مع مواقف العديد المصريين الذين شاركوا في الثورة المصرية، الذين يرفضون النظام السوري، ويساوون بينه وبين المنظمات الإرهابية الموجودة في سوريا.
ولكن إعلانها عن هذا الانحياز ضد الفيلم أثار تساؤلاً، هل يصح أن يتم تقييم فيلم سينمائي حسب الموقف السياسي، وخاصة أن المخرجة المصرية كانت آخر عضو منضمّ للجنة بعد اعتذار رئيسها السابق، وتصعيد المخرج الفلسطيني ميشيل خليفي بدلاً منه، وبالتالي فإن انضمامها للجنة جاء بعد الإعلان عن الأفلام المشاركة، أي أنها كانت تعلم بمشاركة الفيلم السوري.
كما أثار تساؤلات مقابلة، حول هل يجب السماح لعرض أفلام تعبر عن أنظمة قمعية، وقد تستغل مشاركتها للترويج لأهدافها السياسية؟
وتسبب موقف أبو ذكري ضد الفيلم السوري في قيام لجنة التحكيم بالمهرجان في المقابل بحرمان الفيلم المصري "شيخ جاكسون" من أي جائزة، رغم التصويت له في جائزة "المونتاج"، واضطرت اللجنة إلى إعطاء التانيت البرونزي للفيلم المغربي المتوسط المستوى "وليلي"، بعد أن تصاعدت خلافات الأعضاء حول الجوائز، وعنادهم مع بعضهم.
في المقابل، فإن المخرج السوري جود سعيد، صاحب "مطر حمص" نشر صورة من تدوينة كاملة أبو ذكري، وعلَّق قائلاً إنها "تشرح بالتفصيل آلية تعاطيها مع السينما وكيف حكَّمت الأفلام، كما تفسِّر (وهنا أشكرها) الظلم الذي تعرَّض له الفيلم وكيف قادت لواء محاربته".
وزعم جود سعيد، أن المخرجة المصرية كانت "تدخن إلى جانب المراحيض أثناء عرض الفيلم"، ولم تشاهد "نصفه تقريباً".
وأشار سعيد إلى أنه كان محتاراً في شرح "الظلم" الذي تعرَّض له فيلمه، موضحاً أن تدوينة كاملة ساعدته، "لذا شكراً، وأتمنى أن تنشر أيضاً تصويت لجنة التحكيم".
ماذا قال العربي الأكثر حضوراً بالمهرجانات العالمية؟
الناقد السينمائي اللبناني الشهير "هوفيك حبشيان"، وهو العربي الأكثر حضوراً في كل المهرجانات العالمية الكبرى، هاجم أبو ذكري في تدوينة على صفحته على فيسبوك قائلاً، إنه "لا يوجد تصرف غير أخلاقي مثل هذا"، حسب وصفه.
وقال إن قبولها عضوية لجنة التحكيم جاء مع علمها المسبق بما هو داخل المسابقة ومحتوى هذا الفيلم تحديداً، ومن "هي الجهة المشاركة في تمويله"، معتبراً أنها تحاول "لفت انتباه بائس على صفحتها الشخصية عبر شتم الفيلم"، حسب تعبيره.
وفسَّر حبشيان موقفها بأنها "تقول بصراحة إنها ذهبت إلى مهمتها بعقلية انتقامية، ورأي مسبق وتصميم على استبعاد هذا الفيلم"، مشيراً إلى أنها أكملت مهمتها بـ"الكتابة ضدَّه بطريقة لا يفعلها أيُّ شخص على قدر معين من الاحترافية والمهنية".
وقال إن "هذا يتناقض كلياً مع مهمة أي لجنة تحكيم في العالم، التي على أفرادها أن يكونوا على استعداد للتخلي عن قناعاتهم الراسخة عندما يدخلون الصالة، أو على الأقل عدم اتخاذ القرار سلفاً".
وأضاف حبشيان أنه "من المؤسف أن تصرفات كهذه لا تزال مقبولة عند العديد من البشر الذين يعطون دروساً بالوطنية والأخلاق للآخرين، وهم أنفسهم يسيئون إلى الأمانة، ويتعاملون مع الفنّ بكيديّة، لا بل ينشرون أسرار لجان التحكيم على الجدران. واصفاً ذلك بأنه "تصرف وضيع وغير مهني"، حسب تعبيره.
وأيَّدت كثير من التعليقات موقفَ الناقد اللبناني، حتى إن البعض طالب بمنع المصريين من المشاركة بلجان التحكيم في المهرجانات السينمائية عامة.
في المقابل، فإن آخرين دافعوا عنها، ورأوا أن هناك أناساً لا يفصلون بين إنسانيتهم ومهنيّتهم، متهمين مخرج الفيلم بأنه تابع للمخابرات السورية، وأنه يصنع أعماله في فروع الأمن السوري، حسب قولهم.
ماذا يفعلون في مهرجان كان؟
وأوضح الناقد اللبناني أنه في مهرجان كان، "يُمنع أعضاء لجنة التحكيم من الإدلاء بتصريحات عن عملهم داخل اللجنة، والتعليق على الأفلام 20 سنة بعد انتهاء المهرجان".
وكانت المخرجة المصرية قد تحدَّثت بعد انتهاء مناقشات الأفلام بأنها ضغطت على لجنة التحكيم، وذكرت هذا علناً أثناء حديثها في فندق المهرجان قبل حفل الختام وبعده، وتسبَّبت في أزمة داخل الكواليس، حسب مصدر خاص لـ"عربي بوست"، خاصة أن إدارة قرطاج السينمائي خجلت من إعلان أن "أبو ذكري" لم تشاهد 5 أفلام كاملة، من ضمن 14 فيلماً في المسابقة، بسبب رغبتها في عدم الخروج من الغرفة الخاصة بالمشاهدة، وطلبها من إدارة المهرجان مشاهدة الأفلام داخلها، وهو ما لم تستطع الإدارة تنفيذه.
تجدر الإشارة إلى أن مشاهدة الأفلام من الغرفة هو تقليد يتبعه بعض النجوم في مهرجانات السينما العربية، بسبب رغبتهم في عدم الاحتكاك بجمهور القاعات، والبعد عن طلبات التقاط الصور الفوتوغرافية.
هل يُحرَم المصريون من المشاركة؟
ورفض مسؤولو قرطاج السينمائي التعليقَ على الأزمة، تاركين للنقاد تلك المهمة، ورفضوا أيضاً التعليقَ حول كيفية مشاركة كاملة أبو ذكري في التصويت، رغم عدم مشاهدتها لبعض الأفلام المشاركة.
ولكنّ مصدراً مطلعاً من كواليس المهرجان ألمح لـ "عربي بوست"، إلى أن السينمائيين والنقاد المصريين قد يُحرمون من لجان تحكيم قرطاج لعدة سنوات مقبلة، بسبب تلك الأزمة، التي اعتبرها التونسيون خيانةً لمبادئ مهرجانهم الأقدم في المنطقة العربية، حسب تعبيره، مؤكداً أنه لن يكون قراراً رسمياً، ولكنه اتفاق داخلي بين الإدارة ووزارة الثقافة التونسية.