يشارك المخرج التونسي عبد اللطيف كشيش بفيلمه الجديد "مكتوب حبي" ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا (مهرجان البندقية السينمائي) في دورته الـ74، والذي انطلقت فعالياته في 30 أغسطس/آب ويستمر حتى 9 سبتمبر/أيلول الجاري.
ووقع الاختيار على فيلم "مكتوب حبي"، والذي ساهمت في تمويله شركات فرنسية وإيطالية، بجانب الفيلم اللبناني "الإهانة" للمخرج زياد الدويري وهو إنتاج لبناني-فرنسي مشترك، ليمثلا العرب في المسابقة الرسمية للمهرجان.
وتنقسم جوائز المسابقة الرسمية إلى عدة جوائز؛ أهمها: "الأسد الذهبي" لأفضل فيلم، "الأسد الفضي" لأفضل مخرج، بالإضافة إلى "كأس ذهبي" لأفضل ممثل وأفضل ممثلة وأفضل سيناريو، كما تعطي لجنة التحكيم جائزتها الخاصة لأحد الأفلام، وأخيراً جائزة "مارسيلو ماستروياني" لأفضل ممثل أو ممثلة وجه جديد.
عبد اللطيف كشيش
لمن لا يعلمه، هو مخرج تونسي كبير حاصل على جائزة السعفة الذهبية لمهرجان "كان" في دورته الـ66، وذلك عن فيلمه المثير للجدل "حياة أديل"، الذي أثار الجدل بسبب قصته ومشاهده الصادمة.
وُلد عبد اللطيف كشيش عام 1960 بتونس، وهاجر مع والديه إلى فرنسا وهو في السادسة من عمره، قرر دراسة الفن الدرامي في معهد الفنون الدرامية بسبب حبه وميله للفن، ثم عمل ممثلاً منذ عام 1978، ونال جائزتين عن دوره بفيلم "برناس" للمخرج النوري بوزيد، وظل يعمل ممثلاً حتى عام 2000، الذي أخرج فيه فيلمه الأول "خطأ فولتير" لتتوالى أفلامه بعد ذلك، والتي منها "كسكسي بالسمك"، و"فينوس السوداء"، و"حياة أديل" وغيرها.
إنجاز السعفة الذهبية.. وانتقادات كثيرة
في عام 2013، كان المخرج عبد اللطيف كشيش على موعد مع تحقيق إنجاز تاريخي؛ فقد كانت السعفة الذهبية في انتظاره، وهي أهم جائزة بأهم مهرجان سينمائي في العالم، والتي فاز بها عن فيلمه "حياة أديل"، الذي صاحب الإشادة به الكثير من الجدل، حيث منحه مهرجان "كان" السينمائي الدولي الجائزة في دورته الـ66.
ولم تكن هذه المحاولة هي الأولى للمخرج التونسي الأصل للحصول على السعفة الذهبية؛ فقد حاول في عام 2004 من خلال فيلمه "المراوغة"، ثم عام 2007 من خلال فيلم "كسكسي بالسمك"، و"فينوس السوداء" عام 2010، إلى أن حقق هدفه عام 2013 من خلال "حياة أديل" الذي منحه الجائزة مناصفةً مع بطلتي الفيلم ليا سيدوكس وأديل إكسر شوبولوس.
ومع العرض الأول له في المهرجان، نال الفيلم الكثير من الإشادة من جانب النقاد، ولكنه في الوقت نفسه نال الكثير من الهجوم؛ بسبب مشاهد المثلية الجنسية المبالغ فيها، حيث تدور قصة الفيلم حول فتاة ذات 17 عاماً، وهي طالبة في إحدى ثانويات باريس، تلتقى مصادفة فتاةً، وسرعان ما تتطور العلاقة بينهما إلى علاقة جنسية مثلية، حيث يسرد الفيلم تفاصيل تلك العلاقة بين الفتاتين بشكل مفصل، حتى إن بعض المشاهد التي تمارسان فيها المثلية ظلت على الشاشة لمدة تتجاوز 5 دقائق كاملة من دون قطع.
وصرحت إحدى بطلتي الفيلم -وهي "أديل إكسر شابولوس"- فيما بعد، في تصريحات لـGuardian، بأن العمل مع المخرج التونسي جعلها تشعر وكأنها "عاهرة"؛ وذلك لإصراره على إعادة المشاهدة الجنسية مراراً وتكراراً، مؤكدة أنها لن تكرر تجربة العمل مع عبد اللطيف كشيش مرة أخرى.
وعلى الرغم من إشادة بعض النقاد بالفيلم، فإنه نال الكثير من النقد اللاذع، ليس لقصته الجريئة ومشاهده المثلية فقط، ولكن بسبب تفاصيل فنية أخرى، حيث أُخذ عليه تماديه في التفاصيل أكثر من اللازم، لدرجة وجود عدد كبير من المشاهد تثرثر فيها البطلتان من دون هدف ومن دون معنى، وصلت لدرجة اتهام كشيش بالوقوع في مستنقع السينما الفرنسية التقليدية التي تمتلئ أفلامها بالثرثرة الفارغة، حسب وصفهم، ضاربين المثل بمشاهد تناول الطعام والثرثرة حول الفلسفة الوجودية وسارتر، ومشاهد الحديث عن الفن التشكيلي وأعلامه.
ولكن على الرغم من ذلك، أشاد النقاد بالفيلم إجمالاً، حيث تشير التقارير والأخبار المنشورة في ذلك الوقت إلى توقُّع النقاد حصول الفيلم على جائزة السعفة الذهبية، وذلك قبل نهاية دورة المهرجان التي عرض بها الفيلم وقبل إعلان الجوائز بشكل رسمي.
في خضم كل هذا ، دافع المخرج عن فيلمه ونفى أن يكون قد بالغ في مشاهده مؤكدًا أنه حاول نقل صورة واقعية لعلاقة مثلية بين سيدتين، وقال في حوار له مع صحيفة The Guardian" هل يجب أن أكون امرأة لأعبر عمّا تشعر به النساء؟".
الطريق إلى "فينيسيا" يبدأ ببيع "السعفة"
في شهر يونيو/حزيران 2017، نشرت وكالة رويترز خبراً صادماً لمحبي السينما، وهو قرار عبد اللطيف كشيش بيع جائزة "السعفة الذهبية"، الجائزة الأهم في العالم، التي حصل عليها عام 2013؛ وذلك لرغبته في تمويل فيلمه الجديد "مكتوب حبي"، الذي يشارك به في مهرجان فينيسيا بدورته الجارية.
ونشر موقع Hollywood Reporter بياناً أصدره المخرج التونسي، قال فيه إنه سيبيع الجائزة التي حصل عليها عام 2013 عن فيلمه "حياة أديل"؛ وذلك من أجل تمويل فيلمه الجديد، حيث تعرَّض الفيلم لصعوبات مالية أوقفت إنتاجه؛ ما دعا شركة الإنتاج للمساهمة في حل الأزمة من خلال إعلانها بيع اللوحات الزيتية التي كانت محور أحداث فيلمه "حياة أديل"؛ لتمويل المرحلة الأخيرة من فيلم "مكتوب حبي".
ورفضت جميع المصادر الإعلان عن المبلغ المتبقي واللازم لإنتاج الفيلم، حيث أوضح مصدر قريب من كشيش أن هناك اتفاقاً بينه وبين الأطراف المشاركة في تمويل الفيلم عن عدم الإعلان عن تفاصيل العقود المبرمة بينهم.
وكان من المفترض عرض فيلم "مكتوب حبي" بالدورة الماضية من مهرجان "كان" التي أقيمت في مايو الماضي، ولكن توقف الفيلم بسبب أزمة إنتاجية جعلته يخرج من الحسابات، ليقوم المخرج التونسي باتخاذ خطوة بيع السعفة الذهبية من أجل استكماله، حتى نجح في ذلك وتم عرضه في "فينيسيا" بدلاً من "كان".
"مكتوب حبي" .. البحث عن الأسد الذهبي
Abdellatif Kechiche's 'Mektoub, My Love: Canto Uno' & more of our most-anticipated fall festival premieres: https://t.co/tHV0nmhGRE pic.twitter.com/VpFAjDdlmb
— The Film Stage ? (@TheFilmStage) September 4, 2017
بعدما باع المخرج التونسي جائزته التي نالها من مهرجان "كان" عام 2013، استطاع إكمال فيلمه "مكتوب حبي"، ولكنه لم يستطع عرضه في مهرجان "كان" كما كان مخططاً له، حيث يفضل عبد اللطيف كشيش عرض أفلامه في هذا المهرجان، ليكون البديل هذا العام هو مهرجان "فينيسيا"، حيث سيُعرض ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان يوم 7 سبتمبر/أيلول الجاري.
فيلم "مكتوب حبي" مأخوذ عن رواية "الجرح والحقيقة" للكاتب والصحفي الفرنسي فرانسو بيجودو، حيث كان من المقرر إنتاجه فيلماً روائياً طويلاً، قبل أن يتحول إلى فيلم من جزأين، وذلك بعد تعرضه لأزمته الإنتاجية التي سبق الحديث عنها.
ويرفض أطراف العمل بالكامل الحديث عن أي شيء يخص الفيلم قبل عرضه في المهرجان، ورفضوا الكشف عن ميزانيته، كما ينتظر عرضَه عدد كبير من محبي السينما والأدب؛ لمعرفة كيف أخرج المخرج التونسي الرواية المعروفة للكاتب الفرنسي، وهل وضع بها خلطته المثيرة المعتادة، أم أنه أخرجها بما يتسق مع الرواية تماماً، فحتى أفلام كشيش التي لا يوجد بها مشاهد جنسية تكون مثيرة للجدل؛ بسبب قصتها المختلفة.
ويسعى المخرج التونسي لإضافة إنجاز جديد إلى تاريخه، ليكون أول مخرج عربي يحصل على جائزة "الأسد الذهبي" من خلال فيلمه الجديد.