ظهرت سلسلة "فانتازيا" للكاتب أحمد خالد توفيق للمرة الأولى في عام 1994، بعد النجاح الكبير الذي حققته سلسلة "ما وراء الطبيعة"، التي بدأ صدورها قبلها بعام واحد. واعتمد في "فانتازيا" على بطلة قمة في العادية، فتاة بلا شيء مميز ولافت للانتباه، ليست جميلة أو جذابة، لكنها تمتلك خيالاً جامحاً لا حدود له، وكان هذا سلاحها الوحيد لمواجهة صعوبات الحياة من حولها.
عالم "فانتازيا" مكون من مخيلة عبير عبد الرحمن، تلك الفتاة الرقيقة الهشة الحالمة، التي قرأت عدداً من الكتب والروايات يصعب أن يلم بها شخص واحد، وفي هذا العالم العديد من المدن والجسور، والقرى والسهول، والقلاع والحصون، والأبراج والأسوار التي تحيط بمختلف أنواع الأدب والخيال بداخلها، تدخل عبير إلى عالم فانتازيا عبر جهاز إلكتروني اخترعه زوجها السابق شريف إبراهيم مهندس الكمبيوتر.
يُحسب لأحمد خالد توفيق في سلسلته هذه، أنه عرَّف جمهوراً كبيراً من القراء الشباب والمراهقين على كثير من روائع الأدب العالمي، وعلى العديد من الأسماء المشهورة، مثل دوستويفسكي وشكسبير والمتنبي، لم يكن لذلك القارئ المبتدئ الذي يتحسس خطاه في عالم القراءة والمعرفة أن يعرف عنهم شيئاً.
من خلال تلك السلسلة فتح أمام القراء باباً للانتقال إلى مرحلة متقدمة من القراءة الأدبية، طورت بشكل كبير ذائقتهم التي لم تعد تقتصر على هذه السلاسل فقط.
عبير مع أبطال شكسبير
في رواية الاسم شكسبير العدد رقم 10 من السلسلة، كانت بداية إقحام عبير في أحداث مختلفة، فمن قبلها كانت تشارك من منظور الشاهد على الحدث فقط، لكنها هنا عاشت أجواء مسرحيات شكسبير، مثل هاملت وروميو وجولييت وعطيل وتاجر البندقية.
الجوكر بطلاً محفزاً
في فيلم The Dark Knight الذي تم إنتاجه في العام 2008 وأخرجه كريستوفر نولان، كانت هناك جملة على لسان الجوكر، الذي أدى دوره هيث ليدجر، حين أخبر باتمان أنه لا ينوي قتله لأنه يكمّله، فوجوده كرجل شرير يعتمد على وجود باتمان حامياً للمدينة.
تلك الفكرة كانت الأساس لرواية "الوطواط"، التي تحمل رقم 29 في السلسلة، فتطلب عبير المساعدة من الجوكر والبطريق والمزدوج أعداء باتمان اللدودين، كي يعيدوه مرة أخرى للعب دور حامي المدينة، بعد أن أصابه الملل من تكرار العملية، هم ساعدوها لأنهم شعروا بالخطر على وجودهم إن لم يقم باتمان بدوره، فإن لم يكن هناك باتمان، فما الجدوى من شرهم وجميع الأفعال التي يقومون بها؟
لم يكن هناك اقتباس لفكرة خالد توفيق في فيلم نولان، لكن التيمة كانت موجودة في انتظار الشجاع الذي يكتبها فى أي عمل يستحق، أحمد خالد توفيق فعلها بشكل ساخر، ثم كرَّرها نولان في ثلاثيته الخالدة التي غيَّر فيها تماماً مفهوم البطل الخارق في السينما، وخلق تياراً جديداً لصناعة هذه الأفلام من بعده.
إنقاذ أبطال دوستويفسكي
عاد توفيق في العدد رقم 30 إلى السمة نفسها التي استخدمها مع شكسبير في رواية عبقري. دوستويفسكي الغارق في الاكتئاب ويسعى إلى الانتحار تحاول عبير مساعدته عبر إنقاذ أبطال رواياته من الإقدام على المصير المأساوي المحتم الذي وضعهم فيه دوستويفسكي حين رسمهم.
يعيش القراء مع عبير أجواء روايات "الجريمة والعقاب"، و"الإخوة كارامازوف"، و"الأبله والمقامر"، يحاولون معها منع راسكولينكوف من تنفيذ جريمة القتل التي ارتكبها، ويحاولون منع الأمير أليكسي إيفانوفيتش من الإقدام على المزيد من المقامرة، يحاولون جعل الأمير ميشكين أكثر عقلانية، وأن ينظر للواقع والحياة من حوله بواقعية أكثر.
ماذا لو استخدم هتلر القنبلة الذرية؟
الجنوح بالخيال لتغيير الأحداث التاريخية المعروفة كان تيمة أساسية طوال السلسلة، وفي رواية "في آخر أيام الرايخ" العدد رقم 27 لعبت عبير دور جاسوسة بريطانية، ادعت أنها عشيقة الفوهرر إيفا براون، زرعتها المخابرات البريطانية للتجسس على هتلر الذي كان مختبئاً في قبوه في نهاية الحرب.
نجح علماء هتلر في الرواية في إنتاج القنبلة الذرية قبل الولايات المتحدة، وعلى الفور قصف هتلر لندن وموسكو وواشنطن بها فأنهى الحرب لصالحه، وجلس على طاولة المفاوضات معهم مهيمناً ومسيطراً على العالم بأسره.
راسبوتين وجيفارا يعودان إلى الحياة
في العدد رقم 38 الذي حمل عنوان "عينان"، أعاد خالد توفيق الراهب الروسي الأشهر جريجوري راسبوتين إلى العصر الحديث، فهو لم يمت في عملية اغتياله الأخيرة، واستطاع التسلل إلى آلة الزمن التي استقلتها عبير لتأريخ حادثة اغتياله، وعاد معها إلى العصر الحديث ليقلب جميع الأمور رأساً على عقب، مستغلاً عينيه اللتين يستطيع من خلال نظراتهما أن يسيطر على كل من حوله، ويجعلهم يعملون لصالحه؛ ما يُنذر بوقوع حرب نووية بين الولايات المتحدة وروسيا.
كرَّر توفيق الأمر نفسه مع الثائر تشي جيفارا، حين أتى به إلى العراق الواقع تحت الاحتلال الأميركي بعد حرب الخليج الثانية، في رواية من جزئين 45 و46، جاعلاً إياه قائداً لقوات المقاومة العراقية.
توفيق الطبيب يتحدث
وفي العدد رقم 55 من السلسلة، شبَّه الأطباء بالصيادين الذين يصطادون الأمراض، وأخذ الكاتب بطلته عبير في رحلة من العصور الوسطى حتى العصر الحديث، لتقف على اللحظات الفارقة في تاريخ الطب الحديث، مثل اختراع ليفنهوك للمجهر، والعلاجات التي اكتشفها كوخ وباستور وغيرهما من الأطباء، حتى يصل الطب إلينا في شكله الحديث.
حس السخرية عند خالد توفيق عالٍ للغاية، وهو سمة مميزة لأسلوبه في الكتابة الذي جعل القراء يعشقون ما يكتب، وعن طريق تلك السمة يستطيع أن يقدم معلومات تثبت في عقل القارئ بشكل كبير، قد لا تفعله الكتابات الرصينة والجادة.
وقد قدم خالد توفيق في العدد رقم 50، عن طريق ذلك الأسلوب المميز، الفرقَ بين مدرستي سيجموند فرويد وكارل يونج في التحليل النفسي، ونظرة كل منهما إلى علم النفس ومدى التطور الذي أحدثه كل منهما فيه، عن طريق تخيل كُل منهما طبيبين، لدى كل منهما عيادة طبية في شوارع القاهرة الشعبية، تذهب إليهما عبير للعلاج من مشكلات تعاني منها أو هواجس تراودها.
عاش القرَّاء عبر السلسلة مع شيرلوك هولمز وهيركول بوارو وعوالم أجاثا كريستي وأدب المغامرات، وخاضوا حرب طروادة ومغامرات الإلياذة والأوديسا، وربما كان خالد توفيق أول من أدخل عالم الميثولوجيا الفارسية والشاهنامة في شكل مغامرات للشباب، وحتى عوالم قصص الكوميكس حيث سوبرمان وباتمان، وحتى عوالم ديزني حيث بطوط وميكي ماوس، قدمها في إطار كوميدي ساخر أحياناً، وفي إطارها التقليدي العادي أحياناً أخرى.