انتهى معظم الموسم الرمضاني، فيما فرغت جعبة المؤلفين وأصبحت خاوية من الألعاب النارية الجذابة، لهذا تنخفض معدلات المشاهدة للجميع انتظاراً لرصاصة الرحمة في آخر حلقتين.
ورغم هذا حافظ مسلسل "ريّح المدام" على جمهوره، وربما لديه فرصة لتحسين ترتيبه خلال الأسبوع الأخير.
مسلسل "ريّح المدام" لم يكن الأعلى في المشاهدات على يوتيوب بين الثلاثة مسلسلات الكوميدية التي تُعرض في وقت الإفطار، وهو وقت الذروة الإعلاني تليفزيونياً.
لكنه كان أقلهم في خسارة مشاهديه، وبينما كان منافساه "في اللالا لاند" و"خلصانة بشياكة" يفقد كل منهما ثلثي جمهوره عبر أول أسبوعين، حافظت المدام على مستوى المشاهدة منذ الحلقة الثانية.
رضا المعلن من رضا الجمهور، ولهذا تستمر فترة عرضه (بالفقرات الإعلانية) لمدة ساعة ونصف تقريباً. لكن ما هو السبب في أن الجمهور أكثر إخلاصاً للمسلسل الأقل مشاهدة؟ وبهذه القاعدة الصلبة في الشبكات الاجتماعية، لماذا لم يصبح الأفضل؟
الأقل زحاماً
يعتمد "في اللالا لاند" على عدد ضخم من الممثلين الكوميديين في أدوار رئيسية ومساعدة، لدرجة أن بعضهم قد تفوته حلقة كاملة بدون أية مساهمة، ونفس الشيء في "خلصانة بشياكة".
بينما "ريّح المدام" أشبه بمباراة تنس بين أكرم حسني وأحمد فهمي، يبني أحدهما "الإفيه" وينتظر الرد من الآخر، ثم يقوم الأول بالتعلية عليه وهكذا، وهذا نوع أسهل من الكوميديا بالنسبة للمشاهد، مع توازن في الأدوار.
الأكثر وضوحاً
ضع نفسك مكان كاتب ومخرج المسلسل: هناك صيغة (فورمات) إجبارية لعدد الحلقات، ما يمكن تقديمه في 17 حلقة يجب أن يصل بأي شكل إلى 30 أو أكثر، أقوى الإفيهات يتم استهلاكها في أول 3 حلقات، وفي الأسبوع الثاني يأتي دور الألعاب النارية، الكثير من ضيوف الشرف واسكتشات فرعية والسخرية من الأفلام والحكايات الكلاسيكية، بينما الأحداث تتحرك ببطء التنين.
لكن "ريح المدام" عبارة عن حلقات منفصلة متصلة، هناك خط رئيسي عن زوج خائن، تصاب زوجته في حادث على طريقة الأفلام القديمة وتفقد ذاكرتها.
ثم يتفرع المسلسل إلى حكايات متتتالية متسلسلة عندما تستيقظ كل يوم بشخصية جديدة، ويكون على الزوج في كل حلقة استعادتها.
إنها خلطة واضحة ومجربة، مزيج جيد من فيلمي "عفريت مراتي" و50 First Dates، وهكذا يصبح المشاهد على دراية بما سيواجهه، يمكن لفريق العمل ترتيب الحلقات حسب الحاجة، أو حتى حذف حلقات بدون التأثير على الحكاية.
الأكثر "تهييساً"
حكى أحد المخرجين أنه عمل على سيناريو مكتوب فيه العبارة التالية: تدخل شخصية فلان وتقول "صباح الخير" بطريقة مضحكة. إلى هذا الحد يمكن أن تكون مهنة الكتابة سهلة، سيأتي الممثل ويفعل ما يفعله عادة ليضحك الجمهور.
ويعتمد "ريّح المدام" على سيناريو تامر إبراهيم وحوار ولاء شريف، وهي تركيبة ناجحة كوميدياً لأن طريقة العمل على سيناريو الحلقات المنفصلة لها احتياجات مختلفة عن إعداد الإفيهات التي تكون بالاتفاق مع الممثلين.
عروس البحر المحجبة بالبادي كارينا، العفريت المتدين، مومياء فرعونية تدخن البانجو، إفيهات مباشرة مثل: "مستر إيجيبت سليمان عيد"، وقلشات مركبة مثل: "معهد أبو سيمبل".. كلها أمثلة لنجاح هذا التعاون.
قارن هذا مع "في اللالا لاند"؛ إذ لا يتدرب الممثلون على صباح الخير المضحكة، بل يرتجلون قلشات غير مكتوبة أو موزونة.
الأكثر ذكورية
لا تنخدع بالقصة وتظن أن المدام هي البطلة هنا، فالزوجة ذات الشخصيات المتعاقبة هي مجرد محرك درامي، تستيقظ بشخصية جديدة فيسارع الزوج لمطاردته وإقناعها بالزواج منه، بالتعاون مع صديقه. الرجال هما بطلان مطلقان، يضاف لهذا ضعف مي عمر في دور الزوجة والشخصيات الفرعية، وهي تمثل ثقباً كبيراً في المسلسل.
يمكن أن نفكر بطريقة نسوية، فكل شخصيات المدام عبارة عن فانتازيا جنسية (مصارعة، محامية، خادمة، راقصة، دجالة، مستكشفة أثرية، ونادية الجندي)، ومن المتوقع أن هذا كله سينتهي إلى أنها تعاقب الزوج على خيانته بطريقة قاسية ومكلفة، لكن الأمر في حقيقته عبارة عن أمنية سرية لأي زوج بأن تمتلك زوجته هذه القدرة على التنوع يومياً.
تظل الذكورية مطلباً تجارياً، وحتى النماذج النسائية الناجحة في الكوميديا تعمل ضمن هذه القاعدة.
الأقل نمطية
كم مرة في "ريّح المدام" شاهدت شخصية الفلاح الساذج؟ الصعيدي المتذاكي؟ كم إفيه عن البدانة؟ حتى عندما تتواجد شخصيات نمطية، مثل شخص نحيف أو ضخم، لا يتم تناولها من هذه الزاوية الضيقة، في المقابل المسلسلان المنافسان لديهما حصة ثابتة يومياً للسخرية من المرأة البدينة، على سبيل المثال.
"ريّح المدام" غير بريء من النمطية، مثل الحلقة في لبنان التي نمطت الفتيات هناك، وحلقة محبة الحيوانات والفنانة التشكيكية، لكن وجود سخاء في الإفيهات يجعل المتفرج لا يتوقف كثيراً عند هذا.
الأكثر جرأة
تظهر رجاء الجداوي في دور والدة الزوج، ثم تقع في حب صديق ابنها، ويتزوجان، في حفل العرس تلقي بباقة الورد لصديقاتها المسنات البطيئات، تفوز إحداهن لكنها تصاب بأزمة قلبية في الطريق.
التجرؤ على نماذج مقدسة مثل المسنين، هو نوع من الجرأة غير معتاد للمتفرج، لكنه قد يصبح "مقرفاً" في حالات أخرى مثل الأطفال، في الحلقة الأولى تشتبه الزوجة أن زوجها يخونها مع طفل، وفي الـ19 يشارك طفل بلطجي في معارك ويتناول الخمور مع فتيات.
الأطول
تستيقظ المدام ونتعرف على شخصيتها الجديدة، ثم يخوض الزوج مغامرة لاستعادتها، كل هذا في حلقة أو حلقتين، ولهذا تقترب مدة الحلقة من 30 دقيقة، بدون التترات وملخص الحلقة المقبلة، وبدون إعادة أجزاء من الحلقة السابقة كما نرى في "خلصانة بشياكة" الذي يعد الأقصر بين المنافسين.
30 دقيقة هي فترة عادلة بالنسبة للمشاهد، مسلسلات قليلة تتخطى هذه المدة، وهي تتيح فقرات إعلانية أكثر على التليفزيون، ومن ثم يهاجر المتفرجون أكثر إلى يوتيوب.
ولماذا لم يصبح الأول على يوتيوب؟
1- هذا الشكل الدرامي يحتاج لتحضير مكثف في الحلقة الأولى، ولهذا لم تكن بجاذبية المنافسين.
2- الحلقة الثانية، في عيد ميلاد الجزار، كانت الأضعف والأكثر مللاً ضمن المسلسل، ومقارنة مع المنافسين.
3- أحمد فهمي في أضعف أدواره التمثيلية بشخصية الزوج، لكن يتحسن الأمر عندما يتقمص شخصية أخرى.
4- فهمي يقدم نوع كوميديا لم يعتد عليها مع الثلاثي الذي كان ينتج الضحك من بناء شخصيات غرائبية ومهووسة، بينما هنا لا يوجد وقت لفرد وعرض الشخصيات.
5- أكرم حسني يخلع رداء أبو حفيظة، لكنه لا يزال يستخدم نفس أدوات القلش التليفزيوني، وهو ما يكون مملاً أحياناً.
6- وجه مي عمر به كل التعبيرات النفسية التي يمكن أن تجدها لدى ورقة بيضاء، وعندما تحاول أكثر تبدو وكأنها شخصية كارتون أنيمي ياباني.
7- المسلسل غير صالح للأطفال نهائياً.
8- قناة النهار التي تعرض المسلسل لم تقم بأية جهود تسويقية للمسلسل، فقط فيديو برقم الحلقة.
9- بعد أول أسبوع، تم حذف فيديوهات الحلقات التي نشرتها الشركة المنتجة TVision، وهو ما أثر على إجمالي المشاهدات.
10- صيغة الحلقات المنفصلة أنقذت المسلسل، لكنها أيضاً قد تتسبب في تعطيله، المتفرج يفكر في أنه طالما الحلقات لا تعتمد على تسلسل محدد، فيمكنه أن يشاهدها حسب ترجيحات الشبكات الاجتماعية، أو تأجيل المشاهدة برمتها لما بعد رمضان.