يعد تقييم العمل الفني أمراً نسبياً بحتاً؛ لاختلافه من شخصٍ لآخر وفقاً لقناعاته الشخصية أو ما يستهويه.
إلا أنه عندما يتعلق الأمر بفن كالسينما، فعادةً ما يكون رأي الجمهور على وتيرة واحدة فيتفقون معاً أو يختلفون معاً، لكن ذلك لا يمنع وجود استثناءات حادة ولافتة.
فهناك بعض الأفلام التي استحسنها النقاد وتهافتت عليها المهرجانات العالمية، ونجحت في حصد جوائز هامة، لكننا في الوقت نفسه فوجئنا بتدني إيراداتها بشكل ملحوظ، فلم تحقق النجاح المتوقع لها في شباك التذاكر، وهو أمر مُحير بعض الشيء، لذلك سنعرض لكم في هذا التقرير أشهر تلك الأفلام.
1. The wizard of oz
أُنتج هذا الفيلم الأميركي عام 1939م، وهو من ﺇﺧﺮاﺝ فيكتور فليمنغ، وبطولة كل من جاك هالي، وجودي جارلاند وبيلي بيورك. أما حكايته فمقتبسة عن قصة من تأليف نويل لانجلي، ويحتل الفيلم على موقع الـ IMDb المرتبة الـ231 ضمن أفضل 250 فيلماً في تاريخ السينما.
نجح الفيلم في لفت الانتباه وقت عرضه للكثير من الأسباب؛ فمن جهة يعد عملاً موسيقياً متميزاً، وأيضاً استُخدمت به تقنية جديدة وقتها وهي الــــ"Technicolo"، هذا بجانب المؤثرات البصرية والفنية الخاصة التي استُخدمت في مشاهده وكانت حديثة العهد جداً بمجال السينما، وهذا جعل ميزانية إنتاج الفيلم تكون الأعلى بتاريخ شركة الإنتاج "مترو غولدن ماير" في ذلك الوقت؛ إذ بلغت 2.8 مليون دولار، وهو رقم ضخم بالنسبة لتلك الفترة.
رغم أن الفيلم حقق نجاحاً فنياً كبيراً وقت عرضه، وترشح لـ6 جوائز أوسكار، فاز باثنتين منهم هما أفضل أغنية، وأفضل موسيقى تصويرية، بالإضافة إلى استحسان النقاد له، فإن إيراداته كانت بمثابة خسارة فادحة للشركة المنتجة؛ إذ لم يستطع الفيلم جني سوى 3 ملايين دولار.
لكن، نجحت الشركة المنتجة، لاحقاً، في تعويض خسارتها، بعدما أعادت طرح الفيلم بالسينمات في عام 1949 احتفالاً بمرور 10 سنوات على إنتاجه، وهو ما جعلهم يحصدون أرباحاً إضافية بلغت 1.5 مليون دولار، ليتم بعدها عرضه مُجدداً أكثر من مرة في الأعوام التالية "1955، 1970، 1971، 1989، 1998، 2002، 2013 (IMAX 3D)، وأخيراً في يناير/كانون الثاني 2015".
2. Citizen kane
فيلم درامي أميركي، إنتاج عام 1941م، من تأليف كل من أورسون ويلز وهيرمان جي.مانكيوز، وإخراج أورسون ويلز، في حين قام بدور البطولة وأورسون ويلز، ودوروثي كمينجوري، وراي كولينز.
يحتل هذا الفيلم المركز الـ70 في قائمة أفضل الأفلام بموقع الـIMDbـ، كما صنفه معهد الفيلم الأميركي كواحد من أعظم 100 فيلم في تاريخ السينما الأميركية، ورغم هذه التقييمات الإيجابية العديدة التي حظي بها وقت عرضه، مما أهله للترشح لـ9 جوائز أوسكار، فإنه لم يحصد منها سوى جائزة واحدة فقط وهي أوسكار أفضل نص أصلي.
أدى ذلك إلى إشاعة أن أورسون ويلز، تعرض للإقصاء من المنافسة، ووضع بالقائمة السوداء للأكاديمية؛ بسبب حملة التشهير التي أقامها ضده الإعلامي ويليام راندولف، بشكل واضح وصريح للدرجة التي جعلت "راندولف" يحاول التخلص من نسخة العمل الأصلية حرقاً.
وأثر ذلك على حصيلة إيرادات الفيلم، خاصة أن إحدى سلاسل دور العرض التي تضم وحدها 500 مسرح رفضت عرض الفيلم؛ كي لا تُغضب "راندولف"، وكانت النتيجة أن حقق الفيلم إيرادات بلغت 1.5 مليون دولار، مقابل ميزانية بلغت 839.7 ألف دولار، وهو رقم ضئيل بالطبع.
لكن الجيد فيما يخص عالم السينما أن التقدير لا يكون مادياً فقط، فحتى وإن كان منتجو الفيلم خسروا أموالهم إلا أن هذا لا يمنع كونهم صنعوا عملاً سيُخلد في تاريخ السينما العالمية.
3. Raging Bull
أخرج المخرج الأميركي الشهير مارتن سكورسيزي هذا الفيلم عام 1980م، وأدى بطولته كل من روبرت دينيرو، وكيثي موريارتي، ونيكولاس كولاسانتو.
قُدم الفيلم وقتها بالأبيض والأسود، وكان يحكي سيرة الملاكم الأميركي المعروف جيك لاموتا.
رغم أن هذا الفيلم يعتبر حالياً واحداً من أفضل الأفلام التي قدمها المخرج مارتن سكورسيزي خلال مشواره الفني، فإن ذلك لم يكن الحال عند عرضه؛ إذ لم يحقق سوى 23.4 مليون دولار مقابل ميزانيته التي بلغت 18 مليون دولار! وهو ما اعتُبر خسارة كبيرة لجهة الإنتاج.
الغريب أن الفيلم رغم نفور الجمهور منه؛ ربما بسبب أحداثه التي يغلب عليها العنف والوحشية، فإنه حظي بتقدير المهرجانات ولجان التحكيم، حاصداً الكثير من الجوائز العالمية الهامة، فمن أصل 8 ترشيحات للأوسكار اقتنص الفيلم جائزتين؛ هما: أوسكار أفضل ممثل، وأفضل مونتاج، ومن 7 ترشيحات لـ"الغولدن غلوب" نال الفيلم جائزة أفضل ممثل لـ"روبرت دينيرو"، في حين ترشح الفيلم أيضاً لـ4 جوائز "بافتا" والتي تعتبر بمثابة أوسكار بريطانية ليفوز منها بجائزتين.
4. The Fisher King
رغم النجاح الفني والمادي الكبير الذي حققه المخرجتيري غيليام حين قدم فيلم Twelve Monkeys عام 1995م؛ إذ ترشَّح الفيلم لجائزتي أوسكار مُحققاً إيرادات بلغت 167 ألف دولار، فإن هذا التوفيق لم يحالفه في فيلم The Fisher King، الذي كان يتوقع الجميع له النجاح مع قصته، وعبقرية أبطاله روبين ويليامز، و"جيف بريدجز".
يُصنف "The Fisher King" كفيلم دراما أميركي، أُنتج عام 1991م، ورغم ترشحه لـ5 جوائز أوسكار، فاز منها بواحدة؛ هي جائزة أفضل ممثلة مساعدة، إلا أن إيراداته كانت قليلة ولم تتخط حاجز الـ41.9 مليون دولار، في حين بلغت ميزانية إنتاجه 24 مليون دولار.
5. Letters from Iwo Jima
فيلم أميركي أُنتج عام 2006 م، وأخرجه كلينت إيستوود، بينما أدى بطولته كين واتانابي ، وكازوناري نينوميا، وتتناول أحداثه معركة "إيوو جيما" التي نشأت بين الولايات المتحدة واليابان خلال الحرب العالمية الثانية ولكن من وجهة نظر يابانية. المثير للاهتمام، أن "إيستوود" قدم فيلمFlags of Our Fathers، في العام نفسه والذي تناول المعركة نفسها، ولكن من وجهة نظر أميركية هذه المرة.
نجح فيلم Letters from Iwo Jima فنياً فحاز ترشيحات كثيرة مهمة؛ على رأسها 4 ترشيحات أوسكار، فاز بواحدة منها هي أوسكار أفضل مونتاج صوتي، وترشح لجائزتي "غولدن غلوب" فاز منهما بأفضل فيلم بلغة أجنبية. الطريف أن فيلم Flags of Our Fathers ترشح هو أيضاً لجائزتي أوسكار.
لكن رغم الاحتفاء النقدي بفيلم Letters from Iwo Jima، فإن إيراداته كانت مخيبة للآمال؛ إذ لم يُحقق سوى 68.6 ألف دولار، من أصل ميزانية بلغت 19 مليون دولار.
6. Hugo
فيلم أميركي ثلاثي الأبعاد، أُنتج عام 2011، ويمكن تصنيفه كأحد أعمال الفانتازيا والمغامرات، وهو مُقتبس عن رواية لـ براين سلزنيك، ومن إخراج مارتن سكورسيزي. أما البطولة، فاشترك فيها كل من: أسا بترفيلد، و وبن كينغسلي، وجود لو.
رغم أجواء الفيلم التي تدور في عالم يؤمن بالسحر ما يجذب قطاعاً كبيراً من الجمهور، فإن الفيلم لم ينجح في تحقيق إيرادات مرتفعة تتناسب مع إنتاجه الضخم، ففي حين بلغت ميزانيته 150 مليون دولار لم يُحقق الفيلم على شباك التذاكر سوى 185.7 ألف دولار، وهو رقم قليل طبعاً إذا ما قورن بإيرادات هذه النوعية من الأفلام، أو حتى اسم مخرجه بالسوق السينمائية.
وعلى ذلك، فقد نجح الفيلم في تحقيق نجاح فني على صعيد آخر بتأهله للترشح لـ11 جائزة أوسكار، فاز منها بـ5 جوائز؛ هي: أفضل تصوير سينمائي، وأفضل تصميم إنتاج، وأفضل تأثيرات بصرية، وأفضل مكساج للصوت، وأفضل مونتاج صوتي، هذا بجانب اقتناص "مارتن سكورسيزي"، جائزة "الغولدن غلوب" كأحسن مُخرج.
7. Moonlight
يُمكننا القول إن هذا الفيلم هو الذي أدى إلى استعراض كل تلك القائمة، خاصة مع الجدل الكبير الذي أثاره بعد الخطأ الجسيم الذي وقع بحفل الأوسكار الماضي، حين تم إعلان فيلم "la la land" كفائز بجائزة أوسكار أفضل فيلم، قبل أن يتم التراجع عن ذلك وادعاء أن خطأ ما حدث في توزيع الكروت، وأن الفيلم الفائز بالفعل هوMoonlight، ليبدأ بعدها جدل من نوعٍ آخر: هل يستحق هذا الفيلم تلك الجائزة فعلاً أم أن فوزه بها لم يكن سوى رد على تصريحات الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" وقراراته العنصرية؟!
سواء كان الفيلم يستحق الإشادة فنياً أم لا، فتلك ليست جائزة الأوسكار الوحيدة التي اقتنصها صناع الفيلم هذا العام؛ إذ فاز الفيلم بأوسكارين آخرين؛ هما: أفضل ممثل مساعد، وأفضل نَص مُقتبس، لتصبح الحصيلة 3 جوائز من أصل 8 ترشيحات.
رغم ذلك، لم ينجح الفيلم في حصد سوى 27.2 ألف دولار، في حين بلغت ميزانيته 1.5 مليون دولار، وهو رقم ليس بكبير بالمقارنة مع نجاح الفيلم أو شهرته، والجدل المُثار حوله، والفيلم من إخراج وكتابة "باري جينكينز".
أما البطولة، فأداها كل من:ماهرشالا علي، وشاريف إرب، و دوان ساندرسون.