خالد الأمير.. عندما تصبح البندقية وتراً

يقول الأمير: "في منزل فريد شوقي وزوجته سهير الترك عرفت الحب، حين التقيت بالفنانة ليلى طاهر، وتكررت لقاءاتنا، وبعد ذلك التقينا في منزل الموسيقار فريد الأطرش، حين كانت ليلى طاهر تحضّر معه لفيلم زمان يا حب" جمع بينهما زواج ناجح دام عدة سنوات، ثم وقع الانفصال

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/29 الساعة 03:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/29 الساعة 03:20 بتوقيت غرينتش

منذ انتمائي للموسيقى رسمت مفتاح الـ"صول" على ذراعي وشماً دائماً؛ ليكون هوية روحي ولغتي، فيصبح لمصافحتي طابع واضح.

كنت أعمّق ثقافتي في البحث عن اسم الملحن في الموسيقى ذاتها، وليس من السطور المكتوبة، ولإيماني بأن الموسيقى هوية روح، كنت أنجح في تخميني أغلب المرات، ومن "وحشتني عدد نجوم السما" تكتمل موسوعتي باسم الملحن "خالد الأمير".

لا صوت يعلو فوق صوت الموسيقى، هذا ما أكدته الزنزانة الفردية، والإقامة الجبرية، حين حملته الموسيقى من بين سياط الجلاد؛ لتتحول تلك العلامات الجلدية إلى علامات موسيقية على ذلك الجدار الذي دَوّن الأمير عليه أجمل الألحان.

أغلق حقيبته على حلمه لسنوات طويلة، بعد أن أعدّها للسفر بصحبة خاله الذي كان يعمل مدرساً للموسيقى في إيطاليا؛ إذ رضخ لأمر والده بالالتحاق بالكلية الحربية، وبعد أن التحق بمعهد الموسيقى العربية، وتعلم العزف على آلة الكمان مدة ثلاث سنوات، وجد نفسه مضطراً لإكمال المسيرة التي بدأها جده الأكبر أمير الحاج، مذ ربط الأخير لقب الأمير بالعائلة، بعد توليه منصب أركان حرب، كما كان جده لأبيه خليل الأمير "حكمدار" أسيوط.

عام 1956 حدث العدوان الثلاثي على مصر، بعد قرار جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، تم تهريب خالد الأمير ومجموعة من زملائه إلى مزارع أسيوط لتأدية الامتحان النهائي، وبعد التخرج، التحق بسلاح المشاة، إلى أن أُجبر على السفر إلى اليمن.

يقول خالد الأمير في مذكراته: "لقد كانت أزمة حرب اليمن عنيفة جداً.. وحين استنكرت بشدة، وقلت: من يريد أن يكتب عنّا فليأتِ ليرانا" كان كلام الأمير هذا رداً على محمد حسنين هيكل، فأمر عبد الناصر الصحفيين بأن يذهبوا إليهم. ويتابع الأمير: "كان الصحفي أنيس منصور الذي نقل كلامي بأن هذه الحياة التي نحياها وسط جبال اليمن أسوأ من جبال تورا بورا الشهيرة، في أفغانستان، فاعتبروني ضمن المجموعة التي تقود ضباط الجيش لعمل انقلاب"، ويضيف: "إن فترة السجن خلقت مني فناناً محترماً وأعادتني إلى حلم الطفولة، فنفذت أجمل ألحاني على الجدران، وقرأت ثلاثمائة كتاب عربي وأجنبي، بعد خروجي من سجني الصغير منعوني من السفر والعمل، فتحولت مصر إلى سجن كبير، لكنها أيضاً كانت فترة رائعة، فقد تعلمت العزف على آلة العود، وبدأت أتردد على ديوان الشاعر بيرم التونسي، وحين تولى أنور السادات رئاسة الجمهورية أفرج عني، ورد رتبتي العسكرية كمقدم في الجيش، وكانت الديون ترهقني من الفترة الماضية، ثم توليت المباحث العسكرية ومؤسسة النقل النهري لمدة عامين، ثم في نهاية عام 1972 قررت الاستقالة، وخرجت برتبة لواء، وتفرغت للموسيقى بشكل كامل".

في بداياته، كتب عنه المؤرخ كمال النجمي في مجلة "الكواكب"، معلناً مولد مطرب شاب يتمتع بصوت جميل لم يظهر مثله منذ الثلاثينيات، وهزّت كلماته نجوم الطرب والغناء في مصر، أمثال: محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، والسنباطي، والموجي، وفريد الأطرش، فالتقوا به، وارتبط الأمير معهم بصداقات متينة، إلى أن فاجأهم في النهاية بالتفرغ للتلحين فقط، ولاقت رائعته "تعودت عليك يا حبيبي" بصوت شادية نجاحاً باهراً، وحاز اللحن إعجاباً كبيراً من الموسيقار بليغ حمدي، لا سيما مع أنغام آلة البزق التي يعود الفضل للأمير في إدخالها لأول مرة في الغناء المصري، وحققت حضوراً لافتاً من خلال العازف محمود الذهني.

الأخوان ضابطاني

أثناء خدمته العسكرية، التقى خالد الأمير بالشاعر صلاح فايز، الذي كان يعمل ضابطاً في القوات المسلحة، وأنهى خدمته برتبة لواء، وأثمر هذا اللقاء ثروة فنية كبيرة من أجمل الأغاني العربية: "وحشتني عدد نجوم السما" لسعاد محمد، و"الحب الحقيقي"، و"أنا وحبيبي"، و"بحر العسل"، و"ملل"، و"قدر"، و"فرح" لشادية، و"ابسط يا عم" لعمر فتحي، و"بشوقك" لمها صبري، و"إنت اللي فيهم يا قمر" لمحمد رشدي، و"قوم يا شوق" لمحرم فؤاد، وعروض فرقة "الفنانين المتحدين" مع شويكار وفؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي.

في صيف عام 1973 كان الأمير وفايز يعدّان لأغنية "كده برضه يا قمر" لتقدمها شادية في حفل تحييه مع فنان واعد شاب، وكانت الدهشة عندما طلبت شادية من هاني شاكر أن يحفظ الأغنية ويقدمها بصوته في الحفل، نالت الأغنية استحساناً كبيراً، واستقبل الجمهور الأغنية وصاحبها استقبالاً رائعاً، ومن "كده برضه يا قمر" إلى ما يقارب الخمسين لحناً: "أقلّك إيه"، "صاحب الجلالة الحب"، "طول عمري استلطفك"، "اديني قلب تاني"، و"معقول نتقابل تاني"، و"أصاحب مين".. ومن هنا امتلك المطرب هاني شاكر استقراراً فنياً بعد أن كان قلقاً في بداية مسيرته، مقلداً للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ.

ويقول الأمير: "تعاونت مع ميادة الحناوي في العديد من الأغاني، إلا أنني أعتز بشدة بألبوم "أنا مغرمة"، وكذلك الأمر مع أصالة نصري.. أعتز بأغنية "انتهينا من العتاب"، تعاون خالد الأمير مع الكثير من مطربي جيل الوسط، أمثال لطيفة التونسية "لما يجيبوا سيرتك"، واستطاع أن يحقق انقلاباً في أغنية "واركبنا ع الحصان" لفهد بلان.

يقول الأمير: "في منزل فريد شوقي وزوجته سهير الترك عرفت الحب، حين التقيت بالفنانة ليلى طاهر، وتكررت لقاءاتنا، وبعد ذلك التقينا في منزل الموسيقار فريد الأطرش، حين كانت ليلى طاهر تحضّر معه لفيلم زمان يا حب" جمع بينهما زواج ناجح دام عدة سنوات، ثم وقع الانفصال.

قد تفرض الرتبة العسكرية شخصية خاصة لكنها لن تستطيع أن تخمد روح تسكنها الموسيقى، فـ"رقصة الفرح" (فيلم الراقصة والسياسي) التي ألّفها تترك لنا الجواب، أو ربما تفتح أسئلة جديدة، فذكرياته لا تقتصر على عهد عبد الناصر والسادات، إنما هناك الكثير من العلاقات التي ربطته مع شخصيات سياسية وعسكرية، وهناك الكثير من الملفات المسكوت عنها التي ينوي الكشف عنها في مذكراته.

في إحدى زيارات جمال عبد الناصر لتونس، وبينما كانت السيارة تقوده في أحد الشوارع، لحق به مواطن تونسي وهو يقول له: "يا جمال، سلم لي على إسماعيل ياسين"، ربما تدعو هذه الحادثة للضحك، لكنني أراها من خلال السؤال التالي: هل كانت السيادة الحقيقية للفن، أم أن الروح تتعلق بالفن أكثر؟

يبقى الفن هو سيد التاريخ، فكان لتلك الألحان صوت أبقى من صوت بندقيته، خالد الأمير.. لما يجيبوا سيرتك يحلو الكلام.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد