تحت عنوان "هل يعتبر Rocky أكثر الأفلام السيئة نجاحاً على الإطلاق؟" نشر الناقد الفني نيكولاس بابر مقالاً تحليلياً عن العمل في موقع BBC في ذكرى عرضه لأول مرة قبل 40 عاماً حيث عرض في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1976.
واعتبر بابر الفيلم الذي قام ببطولته الممثل سيلفستر ستالون، من أنجح الأعمال "السيئة" على الإطلاق، سواءً في شباك التذاكر أو بالتفوق على فيلمين من أعظم أفلام السينما الأميركية هما All the President's Men وNetwork وTaxi Driver اللذين نافسهما على جائزة الأوسكار وفاز بها.
نص المقال
يجب أن يعتبر فيلم Rocky أكثر الأفلام السيئة نجاحاً على الإطلاق. فلا بد من ذكر ذلك بعد إطلاقه منذ 40 عاماً في مثل هذا الشهر.
الفيلم الذي قام ببطولته الممثل سلفستر ستالون، رشح لـ10 جوائز أوسكار وتمكن من حصد ثلاثة منها، بما فيها أفضل صورة، ما يعني أنه هزم أفلام All the President's Men و Network وTaxi Driver
كما حطم الفيلم شباك التذاكر في دور العرض، ليجني 225 مليون دولار عالمياً (ما يُعادل 100 مليون دولار تقريباً اليوم) رغم ميزانيته التي بلغت 1.1 مليون دولار فقط.
وكان ذلك، بالطبع، مجرد البداية. فقد تلا الفيلم الأول 6 أجزاءٍ أخرى أحدثها هو فيلم Creed لكن هل يعني أي من ذلك أن Rocky يُعد فيلماً كلاسيكياً؟
نعم، لقد استعمل مدير التصوير جيمس كريب في الفيلم أداة ستدي كام (Steadicam) لتصوير لقطات مذهلة لـ "روكي بالبوا" يتسكع حول المواقع الصناعية وأحياء الطبقة العاملة لمدينة فيلادلفيا ما قبل عملية إحلال الطبقات.
ونعم، احتوى الفيلم على صعود ستالون السريع الأخّاذ لدرجات سلم متحف فيلادليفا للفن ليصاحب بيل كونتي في عزف موسيقاه الصاخبة التي لا تُقاوم.
لكن أمام كل لحظة رائعة تتذكرها، هناك أخرى مروعة ربما تكون نسيتها. خذ على سبيل المثال تدريب المونتاج، الذي أثقل موضوع كونتي البديع ببعض الكلمات المروعة والمخزية. وعلى نحوٍ مُذهل، فقد ألصقوا المهمة ليس لشاعر غنائي واحد بل لاثنين – أحدهما من المفترض أنه كتب "Trying hard now"، والآخر الذي أضاف "It's so hard now". وهي ليست أغنية Eye of the Tiger.
من الإنصاف الإقرار بأن مُخرج الفيلم، جون أفليدسن، كان يُقاتل بشكل حقيقي إذ لم يكن ستالون، الذي كتب سيناريو فيلم Rocky إلى جانب قيامه بدور البطولة فيه، معروفاً في ذلك الوقت، لذا كان على أفليدسن أن يُبقي التكاليف منخفضة، فقام بتصوير الفيلم بأكمله في 28 يوماً.
فجاءت الاختصارات والسقطات واضحة. في مباراة ملاكمة الشارع في افتتاحية الفيلم، ويبدو واضحاً أن معظم اللكمات لا تتصل ببعضها –ولهذا، يمكنك رؤية الممثلين وهم يتفادون بعضهم البعض بشكل متعمد– لكن لم يوجد المال لإعادة التصوير مرة أخرى.
وفي وقتٍ لاحق، في أوج البطولة، يلجأ أفليدسن لإضاءة خافتة للغاية والتأطير المُحكم من أجل إخفاء حقيقة أن حدث شوبيز ضخم مُفترض يستضيف مُتفرجين بحجم مماثل لما تستضيفه دورة تنس طاولة في مدرسة ثانوية.
أداء سيئ
لكن حتى مع وجود ميزانية صغيرة، يحتوي فيلم Rocky على الكثير من السقطات، فالافتراض الأساسي هو أن "أبولو كريد" (قام بدوره كارل ويذرز)، وهو بطل العالم للوزن الثقيل مثل محمد علي، قرر عقد مباراة في فيلادلفيا لتتزامن مع احتفالات ذكرى المئوية الثانية للولايات المتحدة. وعندما انسحب خصمه بسبب جراحه، ولم يكن هناك متنافس آخر مصنف متاحاً، توصّل كريد لما تخيّل أنه حيلة دعائية عبقرية. سوف يُقاتل ملاكماً محلياً غير معروف، ويقوم بتسويق مباراة "داود ضد جالوت" تلك باعتبارها بُرهاناً على أن أميركا لا تزال أرض الفرص.
يُعلن منظم المباراة بصوتٍ عالٍ "أبولو، لقد أحببتها. إنها فكرة أميركية للغاية". يقول كريد مفتخراً "لا يا جيرجنس، إنها فكرة ذكية للغاية". عند هذه اللحظة يضحك الرجلان ويسلمان على بعضهما البعض بطريقة جنونية، ويبدوان تماماً مثل الجوكر والبطريق. من الغريب أن أفليدسن لم يجعلهما يستديران للكاميرا ويغمزان لها بينما هو يقف وراءها.
لا تحتاج لأن تكون مهووساً بالملاكمة لتسأل عما إذا كان هناك حقاً أي شيء "ذكي" بشأن خطة كريد. لو كنت سأشتري التذاكر لحضور بطولة العالم في "القتال العظيم للذكرى المئوية الثانية" مع متحديه ذي التصنيف الأعلى، لن أكون سعيداً أبداً بعلمي أنه سيقاتل خصماً متواضعاً من فيلادليفا. وبالرغم من ذلك، استمرت الحيلة، حيثُ اختار كريد خصمه بصورة بحتة على أساس اسمه المستعار المثير للعواطف، 'The Italian Stallion'.
بالطبع لا توجد مشكلة في القليل من تحقيق الأحلام على طريقة سندريلا. لكن ستالون وأفليدسن لا يبدوان قادرين على تحديد ما إذا كان فيلمهما من نوع الفانتازيا العادية المثيرة للسخرية والتي تجعل والت ديزني يتورّد خجلاً، أم أنه دراما.
من ناحية، لدى Rocky مشاهد وهو يتسكع في الأنحاء بدون الذهاب لمكان محدد، وبعض الحبكات الفرعية التي تنحرف بعيداً بدون هدف، وكلا الأمرين يعنيان أن الفيلم دراسة الشخصية قد تمت بشكل سطحي وذات مستوى متدني. لكن على الجانب الآخر، فإن مجرد فكرة مباراة بطولة الملاكمة بين كريد وبالبوا تُعتبر مُغرية بنفس قدر إغراء ساندويتش اللحم بالجبن الفيلادلفي.
من ناحية، لدى الفيلم بطل، بجانب كونه مقاتلاً في ناد لوقت قصير، فهو أيضاً مُحصل ديون للقروض ذات الفائدة المرتفعة. لكن على الناحية الأخرى، يؤكد ذلك لنا أن الشخص المُقرض (جو سبينل) صديق كريم بداخله، حيثُ يقوم بتسليم بالبوا 500 دولار لنفقات التدريب، ثم يقوم بكل لطف بالانسحاب من حياته.
ومن ناحية أخرى، يحتوي الفيلم على بطلة خجولة بصورة مبالغ بها وهي "أدريان" التي قامت بدورها (تاليا شاير)، والتي انساقت للخروج في موعد غرامي مع بالبوا بفضل أخيها المؤذي والفاسد باولي (بيرت يونغ، الذي رُشح لجائزة أوسكار عن هذا الدور).
لكن على الناحية الأخرى، لا تقع أدريان في غرام مشاكسها الثقيل فحسب، لكن بصرها يتحسن بشكل سحري كذلك بمجرد اهتمامه، وبعد قُبلة واحدة من بالبوا، لا تحتاج لنظارات جدتها مرة أخرى أبداً.
أدوار مكررة
يصبح ذلك نمطاً معتاداً. مراراً وتكراراً، يقترب Rocky من الواقع الأليم للحياة، فقط ليكبح تقدمه ويعاود الرجوع. على سبيل المثال، في أقوى مشهد في الفيلم، يقدّم "ميكي" (بيرغس ميريدث، الذي ترشح لأوسكار هو الآخر)، صاحب صالة الألعاب الرياضية الطاعن في السن، خطبة طويلة بصوت جهوري عن كيف أنه هو الآخر كان سيصبح منافساً في عشرينيات القرن الماضي، لو أنه فقط لم ينقصه "حُسن الإدارة" التي يوفرها لـ "بالبوا" الآن. يتذلل الرجل المسن، متوسلاً أن يشترك في القتال، لكن "بالبوا" يرفض الطلب لأن ميكي لم يساعده قط في الماضي.
إنه أمر يبعث على الضيق. لكن بالبوا يبدد كل شيء بتغيير رأيه بعد لحظة. لا يعبأ الفيلم بتوضيح لماذا وكيف تصالح الملاكم ومدربه. لكنه فقط يظهرهما وقد أصبحا أفضل صديقين على الفور بعد ذلك.
بشكل عام، يتشتت الفيلم في جميع الأنحاء مثلما فعل "بالبوا" في دورته ال15 مع كريد، لكن مباراة البطولة المنتظرة ينبغي لها، نظرياً، أن ترتقي قليلاً لتبرر كل شيء غاب قبلها. في الحقيقة، لقد مثلت إحباطاً. غالباً ما يُعتبر Rocky أسطورة ملهمة عن شاب صغير يتغلب على الصعاب، لكن السبب وراء تمكن "بالبوا" من الاستمرار من تلقاء نفسه في مواجهة أصعب ملاكم على الأرض بسيط: لقد أقدم على بعض التمارين، بينما يجلس كريد في مكتبه، مناقشاً ميزانيات الدعاية مع مديريه الماليين.
هذا كل ما في الأمر. لا علاقة لإنجاز "بالبوا"، في نهاية الأمر، باحترامه لنفسه، وحبه لـ "أدريان"، أو بإدارة "ميكي "المتواضعة له.
الأمر كله يعود لتهاون "كريد"، الصفة التي لا تفرغ الفيلم من حالة الإثارة فحسب، بل تقوّض كذلك مفهوم أن بطلنا الشجاع حقق المستحيل. بقدر ما قد يكون من الهرطقة قول ذلك، أصبح لدى Rocky II متنافسين يتدربان بقوة من أجل مباراة العودة، وليس فقط واحداً منهم، لذا فإن مباراته الأخيرة أصبحت مرضية أكثر من تلك المتسرعة والبشعة التي أنهت فيلم Rocky.
مع ذلك، لا تزال رداءة الفيلم بطريقة ما تصب في مصلحته. فرحلة Rocky في جوهرها أصبحت قصة خيالية بسيطة – تشبه كثيراً ملصقها الدعائي، مزيداً من الأجزاء الكرتونية.
ومع ذلك فإن بناء الفيلم المتداعي، وحواراته المتكررة والدالة على رخصه تعطيه الرخصة ليندرج تحت قائمة الأفلام المصنوعة خارج عباءة هوليوود، وهو سبب حصوله على الإشادة وترشيحات الأوسكار، إلى جانب جنيه لثروة وإتباع بأجزاء أخرى. ربما لم يكن هذا ما انتواه ستالون وأفليدسن، لكن، مثل بالبوا، كان لديهما ضربة حظ. هل يعتبر Rocky أكثر الأفلام السيئة نجاحاً على الإطلاق؟ إذا كان كذلك، فإن هذا السوء البالغ هو ما صنع نجاحه.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع BBC البريطاني. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.