الدراما السورية وأزمة الأخلاق

جيل التسعينيات الذي تربّى على "الفصول الأربعة"، و"يوميات مدير عام" يعي ما أقول، ففي زمنٍ كانت فيه الدراما السورية تبث ما يُقرِّب العائلة أو يحارب مظاهر الفساد، أو يروِّح عن النفس، كانت الدراما المصرية تبث قصص الحب والزواج العرفي، هذا عدا عن الدراما اللبنانية التي كانت محرّمة على هذا الجيل.

عربي بوست
تم النشر: 2015/11/30 الساعة 03:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/11/30 الساعة 03:33 بتوقيت غرينتش

قديماً كانت المسلسلات السورية ملاذ الأهل الآمن للاستجابة لطلبات أبنائهم في مشاهدة المسلسلات، حيث كانت هي الأبعد عن الانحلال، وتحوي قيمة أو فكرة أو في أسوأ الأحوال كوميدية فقط ودون ابتذال.

جيل التسعينيات الذي تربّى على "الفصول الأربعة"، و"يوميات مدير عام" يعي ما أقول، ففي زمنٍ كانت فيه الدراما السورية تبث ما يُقرِّب العائلة أو يحارب مظاهر الفساد، أو يروِّح عن النفس، كانت الدراما المصرية تبث قصص الحب والزواج العرفي، هذا عدا عن الدراما اللبنانية التي كانت محرّمة على هذا الجيل.

إلا أنه ومنذ سنوات قليلة، ومنذ اندلاع الأزمة السورية انقسمت المسلسلات إلى قسمين: المسلسلات الشامية والتي حافظت إلى حدٍ ما على الأصالة الشاميّة والتراث الشامي، أما الآخر فهي مسلسلات لا تمثل ثقافتنا العربية بشكل عام والإسلامية بشكل خاص، حيث كنّا نرى في المسلسلات التي سبقتها خيانة الرجل لزوجته والتي تمثّلت بالزواج العرفي أو حتى بالخروج مع امرأة أخرى إلى مطعم أو ملهى ليلي، وسرعان ما تكتشف زوجته ذلك. لكن ما حصل في المسلسلات الأخيرة تجاوز كل الحدود وكل التوقُّعات. بدءاً من ملابس الممثلات التي تخدش كل بقايا الحياء والأخلاق في مجتمعاتنا، إلى السلوكيات التي تجاوزت كل تقاليد وأعراف مجتمعاتنا.

فلم يعد الرجل يخون زوجته عن طريق زواج عرفي، أو الذهاب للمطاعم أو الملاهي، بل أصبحت العلاقات غير الشرعية، لا تربطها سوى غرفة في فندق أو شقة عادة تكون للمرأة، ويتردد عليها ذلك الرجل، وعادة ما كانت تعرف زوجته بعلاقاته سواءً كانت مع واحدة أو أكثر، لكنها تحافظ على بيتها وزوجها وتتمسك به.

هذا تماماً ما كان يحصل في مسلسل "نساء من هذا الزمن"، حيث يوهمك اسم المسلسل بأنه يحكي قصة نساء يعشن في مجتمعاتنا، لكنه تماماً لا يمتُّ لها بصلة، فهناك ذاك الرجل الذي يعشق امرأة ويتردد على بيتها مراراً وتكراراً، وتعرف زوجته بذلك، ولكنها لا تستغني عنه، فحبها له أعمى بصرها، بل وهناك أيضاً الثنائي اللذان يعشقان بعضهما، ويعيشان في منزل واحد ثم يقرران الزواج، ويفشل هذا القرار، فيتزوّج صديقتها التي ليس لها أي تجربة بالحب أو الزواج. فهل نساء مجتمعاتنا هكذا؟

أما الطامة الكبرى في المسلسلات السورية فكانت في خيانة المرأة لزوجها، هذه الظاهرة التي لم تجرأ الأعمال الدرامية سابقاً على تصويرها بهذا الشكل، فتشعر وخلال مشاهدتك لهذه الأعمال بأنك تتابع مسلسلاً غير عربيّ، لا يمتُّ لأي خلقٍ أو دين، حتى أصبح المشاهدون خاصة من صغار العمر يعتادون هذا النوع من الأعمال، ويعتادون الرذيلة بالدراما.

هذا النوع من الأعمال الدرامية قد يدمِّر ما تبقى من أخلاقيات وعادات جاهد أهلنا وأجدادنا كثيراً للحفاظ عليها، وجاءت هذه المسلسلات بين ليلة وضحاها لتدمِّر كل جميل تربينا عليه.

من "الفصول الأربعة" التي كانت تقرِّب العائلة من بعضها، وتناقض قضايا مجتمعيّة، إلى "صرخة روح" الذي وإن لم أشاهد منه أي حلقة لكن ما سمعته عنه كافٍ تماماً لأن أكوِّن صورة كاملة عن ما يحتويه.

يأتي السؤال الذي أطرحه وأترك الإجابة مفتوحةً لكم، مَنْ له المصلحة في تدنِّي هذه الأعمال الدرامية السورية إلى هذا الحد؟ مَن المستفيد مِن الانحطاط الذي وصلت إليه المشاهد والثقافة التي تُبثّ للمشاهد؟ أين القيمة التي كانت تُطرح ومن ثم اختفت فجأة؟ من صاحب المصلحة بتلويث صورة السوريين أمام الآخرين بعدما عرّفنا عليهم تاريخهم المشرق بـ"باب الحارة" و"ليالي الصالحية" وغيرهما من الأعمال الشامية الأصيلة؟

كل هذه الأسئلة تُطرَح وربما لم نحصل على إجابة شافيةٍ لها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد