رغم أن الفنون تولد أحياناً من رحم الحروب، فإن الفن العدني يمرّ حالياً بفترة "ركود" تحاصره الظروف الأمنية من جهة، والضيقة الاقتصادية من جهة أخرى، زد على ذلك دعوات تحريم الفن من قبل تيارات متشددة ظهرت في مدينة السلام التاريخية.
"هافنغتون بوست عربي" التقت عدداً من فناني المدينة الذين التحقوا بركب البطالة والعاطلين عن العمل، فوضعوا ألحانهم وأقلامهم في الأدراج بحثاً عن لقمة العيش.
لا مكان للفن في حضرة طبول الحرب
المطرب الشهير عبد الكريم توفيق قال، "سالت الدماء وسقط الشهداء في عدن، والفنانون جزء من الناس، فلا مجال للإبداع في حضرة طبول الحرب".
وأضاف توفيق أن المنتديات العدنية والجنوبية التي كانت تحيي السهرات الفنية والحفلات الغنائية أغلقت أبوابها، ما ترتب عليه إيقاف رواتب الفنانين منذ شهور عدة، معتبراً أن الفن العدني لن يتعافى ما لم يتعاف الناس ويجدوا متطلبات الحياة الأساسية.
وأشار إلى أن الحكومة اليمنية كانت تولي الفنانين الجنوبيين اهتماماً خاصاً قبل الحرب، فتقيم منتديات داخل العاصمة صنعاء وغيرها من المدن في الشمال، في تأكيد منها على مكانة الفن العدني في فنون الجنوب، لجذوره الضاربة في عمق التاريخ.
وخلص توفيق إلى ضرورة إنشاء تجمع للمبدعين ليعيدوا إحياء الفن من جديد عبر القيام بتدريبات تطوعية تنقل الفن إلى الأجيال القادمة، أما تحسين الأوضاع المعيشية في الجنوب وأوضاع الفنانين بالخصوص فستمكنهم من الغناء للحب وللوطن من جديد والخوض في معترك السياسة والقضايا الجنوبية.
الفكر المتشدد يحارب الفن وأهله
أما الشاعر محمد سالم باهيصمي، رئيس منتدى باهيصمي الثقافي والفني في عدن ورئيس فرقة نسائم عدن للموسيقى والفنون، فقال لـ "عربي بوست" إن سياسة الحكومة اليمنية هي السبب في توقف النشاط الثقافي والفني في عدن، معتبراً أن البلاد بأكملها في وضع لا تحسد عليه.
وقال باهيصمي إن قلة الأفراح وسط الأتراح قطعت كل يد كانت تساهم في المردود المالي. وأضاف أن البساط الفني والثقافي سحب من تحت الفنانين بعد دخول عناصر متشددة باسم الدين إلى عدن كتنظيم "القاعدة" حرمت الأغاني واعتبرت أن احتراف الغناء خروج عن الدين ومجاهرة بالكفر.
وأحال باهيصمي سبب عزوف الفنانين إلى الانفلات الأمني وغياب أرضية صلبة للحكم في الجنوب، ما حدا بكثير من الفنانين إلى مغادرة البلاد باتجاه دول الخليج.
عدن تعاني من ركود ثقافي
بدوره استنكر الفنان عوض أحمد وصول مدينة عدن إلى هذه الأوضاع الحياتية المتردية، خصوصاً أنها كانت على مر التاريخ مدينة السلام.
أحمد الذي اعتكف في منزله اعتراضاً على الحال، قال إن الوضع السياسي المعقد يمنعه من الخوض في السياسة والفن خوفاً على حياته وأهله.
لم يستطع أحمد إخفاء إحباطه النفسي بسبب أوضاع الحرب من جهة والحكومة اليمنية من جهة أخرى، وقال "تفاقمت معاناة الفنانين جميعاً بفعل الركود الثقافي والفني أيضاً، فلا وجود لفرق موسيقية ولا تلفزيون محلي ولا إذاعات ولا صحف محلية، منها ما أُغلق، وبعضها تدمر، والبقية انهمكت بالحرب السياسية، فكيف لنا أن نتفاعل لنقدم أغانٍ وطنية، أو نوصل رسائلنا السياسية والفنية إلى العالم".
لقمة العيش تنتصر على الترفيه
أما الملحن والمطرب أنور مبارك، فاعترف لـ "عربي بوست" أنه يمر بأزمة مالية خانقة نتيجة التقلبات السياسية والاقتصادية التي مرت بها البلاد، ما جعله يعزف عن الفن.
وأضاف مبارك أن الفن ترفيه ومتعة، "فكيف للناس أن تبحث عن الترفيه والاستمتاع، وجنوب اليمن في اقتتال وصراع"، وإن كان القتال توقف في عدن لكن آثار الحرب والدمار والجوع وانتشار الأمراض والأوبئة أسباب كافية لتشغل الناس بالبحث عن الحياة الآمنة والسعي وراء لقمة العيش، على حد قوله.
بدوره قال عبد الله باكدادة مدير مكتب الثقافة بمدينة عدن "إن الفن في عدن يعيش وضعاً خالف كل التوقعات التي كنا نأملها بعد إخراج الحوثيين وأعوان علي عبد الله صالح في عودة السلام للمدينة. لكننا تفاجئنا بانتشار تنظيم (القاعدة) في عدن، والذي أصدر بياناً يحرم فيه الأغاني ويؤكد للأهالي أنه غير مسؤول عن ما سيحصل لأبنائهم من عقوبات وفق الشريعة الإسلامية في حال مارسوا الغناء أو الطرب".