تعد الفنانة جنات أحد أبرز الأسماء المغربية التي استطاعت أن تكسب قاعدة جماهيرية واسعة في الوطن العربي، على امتداد سنوات، وخاصة في مصر، هذا البلد الذي ارتبطت، زواجا،ً بأحد أبنائه، مثلما ارتبطت جل أغانيها بلهجته. "عربي بوست" كان له هذا اللقاء مع الفنانة الرقيقة المعروفة باختياراتها الغنائية الرومانسية، التي تشمل في كثير منها أغاني شجن وأجابت خلاله عن السبب، كما تحدثت فيه عن ابنتيها وعن ارتباط زوجها بفنها، وكشفت عما يمنع تقديمها ألبوماً مغربياً.
آخر إنتاجاتك كان ألبومك "أنا في انتظارك" الذي صدر بعد 3 سنوات كاملة، قبل شهور. هل أنت راضية عن صداه لدى الجمهور؟ وما أقرب أغانيه إليك؟
هو ألبوم بدأ الاشتغال عليه منذ ثلاث سنوات، قبل خروجه، لكنها لم تكن كاملة. كانت لدي ظروف عديدة جعلتني أتوقف، بينها حملي بابنتي الأولى، ومع ذلك كنت أنصت لمجموعة من الاختيارات والعروض التي تقدم لي، وسمعت عدداً كبيراً منها، وهو ما ساعدني على اختيار أغان جميلة، أعتقد أنها من أحلى الأغاني التي قدمت على امتداد مساري.
الحق أني أحببت جداً هذا الألبوم، الذي هو من أهم ألبوماتي. ألبوم كان جاهزاً ويفترض أن يصدر قبل الموعد الذي طرح فيه بعام، لكن ظروف كورونا دفعتنا إلى تأجيله. لكني لم أكن غائبة خلال هذه الظروف، إذ كنت من المشاركين في تقديم أغان أخرى للتوعية وتحفيزية للدكاترة والعلماء، تماشياً والسياق الذي فرضته كورونا.
وقد كنت سعيدة جداً في بداية نزول الألبوم خلال شهره الأول وخاصة أنه كان "ترند" لمدة أسبوعين، وبالنسبة لي هو رقم كبير كنت فخورة به. لكن مع ذلك كان ينقصنا اللايف (المباشر) واللقاء المباشر بالجمهور حتى نستطيع تصنيف الأغاني لنرى أيها الأقوى، وهذا ما منع، حقيقة، اكتمال فرحتي لاحقاً.
عدد كبير من أغاني جنات الفنانة يحمل نبرة حزن وشجن، هل لذلك علاقة بتركيبة جنات الإنسانة؟ وكيف هي هذه العلاقة؟
أعتقد أن عدد الأغاني التي فيها نبرة حزن أو غيرها من الأغاني الفرحة موجودة لدي بالتساوي. لكن حسب ما لاحظت، بعد 15 سنة، أصدرت خلالها ألبومات مختلفة، أن الأغاني الحزينة (أو كما نقول أغاني الدراما) استمرت وعاشت طويلاً أكثر من الأغاني ذات الإيقاع السريع والمبهج. ومع ذلك لا يمكنني إنكار نجاح بعض الأغاني غير "الدرامية" التي نجحت وظلت صامدة، مثل أغنية "اللي بيني وبينك" و"حبيبي على نياته" و"أنا دنيته" و"على فكرة".
عموماً فإن أغاني الشجن أقرب إلى القلوب، وذلك ما يفسر أنها ترافق الناس في عدد من ذكرياتهم.
سمعناك في السنوات الأخيرة وأنت تؤدين "تترات" مجموعة من الأعمال الدرامية. متى سنراك بطلة عمل درامي؟ وهل تُعرض عليك أدوار تمثيلية في هذا السياق؟ وما مدى استعدادك لأن تكوني ممثلة؟
صحيح، منذ بدايتي وأنا أغني "تترات" مسلسلات، وذلك مبعث سعادة. نادراً ما لم أوقع أغنية عمل درامي في سنة معينة. ومعلوم أن "التتر" أغنية عملٍ ما هي ما تختار الصوت الذي يمثلها ويمثل حكاية الفيلم أو إحدى شخصياته.
أما بالنسبة للتمثيل فتلك معادلة أخرى، ليس من السهل دخولها. إنه مجال يحتاج إلى دراسة وثقة بالنفس. أحيانا أشعر أني أحب التمثيل وأريد أن أمثل، لكن أحياناً أخرى يحدث العكس، فأجدني خائفة منه.
حالياً، أنا لا أملك الشجاعة الكافية لقبول عمل تمثيلي، سواء درامياً للتلفزيون أو سينمائياً.
هل يتدخل زوجك في اختياراتك الفنية؟ أو هل تشركينه في ذلك؟ وما أكثر ما يعنيك في آرائه إن كانت له آراء في الفن وهو الأب لطفلتيك؟
نعم، دون شك. يهمني أخذ رأي زوجي في أعمالي، لكنه لا يشاركني في اختيارها. يقدم مشورته في بعض الأغاني التي تتوافق وذوقه، كما يقول. وفي أغلب الأحيان تكون آراؤه صائبة، في محلها. ذلك أن ذوقه وإحساسه بالموسيقى عال ويعجبني جداً. وقد كان له رأي مهم في ألبومي الأخير، الذي اختار لي ضمنه أغنية كانت على مسؤوليته تحت عنوان "أنا استعجلت" نجحت جداً. ربما من هناك، منذ ذلك الوقت صرت أثق جداً برأيه.
ارتباطاً بالأمومة ماذا تغير في حياة جنات الإنسانة والفنانة؟ وهل تشعرين أحياناً وتقرين أن مهنتك كمطربة تأخذ من وقتك كأم أو العكس؟
الأمومة تغير الكثير في شخصية الإنسان، وأعتقد أن الشيء نفسه بالنسبة للأبوة. صرت أماً، وصرت أنظر للحياة بطريقة مختلفة، تغير تفكيري وتغيرت خططي للمستقبل. صرت أكثر حرصاً، وشعرت أن خوفي يزيد. لكن بالموازاة مع ذلك هناك أشياء إيجابية كثيرة، ملأت حياتي.. الفرح والتفاؤل بهذا الوجود الجديد.. وصارت الحياة أهون وألطف بوجود ابنتيّ.
وحسب رأي والدتي فإن هذه الأشياء المفرحة يزيد منسوبها أكثر، تحديداً، مع البنات، اللواتي يضفين بهجة أكثر على البيوت. وقد رزقني الله ابنتين، وأحمد الله على وجودهما في حياتنا، ونحن نحبهما كثيراً وهما كذلك بلا شك.
وجواباً عن الشق الثاني من سؤالك، تأكيداً أن أي امرأة تشتغل خارج بيتها سيأخذ ذلك من وقتها لأسرتها وأطفالها، رغم أني شخصياً أبذل جهدي حتى لا أقصر في حق بيتي من أحد الجوانب.
ومن حظي، أني في ولادتي الثانية لابنتي جوليا كان السياق سياق حجر بسبب "كورونا"، فأعطيت وقتي كله لبيتي وكنت قرب ابنتي أماً مئة في المئة، والحمد لله رب العالمين.
في الإطار نفسه، ما أكثر ما تحرصين أو ستحرصين على نقله لبناتك من ثقافتك المغربية؟
الثقافة المغربية في دمي، وإن كنت سأنقلها لبناتي سيحدث ذلك بالفطرة أعتقد، لأن نصفهم مغربي أصلاً.
وبالمناسبة فأنا مواظبة على زيارة المغرب. وفي بيتي، مثلما نتحدث المصرية نتحدث باللهجة المغربية، ومطبخنا أيضا مغربي.. ولحسن الحظ أن والدتي تعيش معي حالياً في مصر. وأنا أتعامل مع بناتي بالطريقة نفسها التي كانت تعاملني بها، وأنقل لهما ما تعلمته من أمي.
إجمالاً أنا سعيدة أن ابنتيّ تحملان ثقافتين غاليتين على قلبي ثقافة مصر وثقافة المغرب.
المتابع لمسيرتك الفنية يلاحظ أن جل إنتاجاتك الغنائية مصرية، وأنك مقلة، بل ونادر اشتغالك على باقي لهجات المنطقة العربية، بما فيها لهجات الخليج. هل يتعلق الأمر باختيار أم بأمور إنتاجية أم أسباب أخرى لا يعرفها محبو صوت جنات في الوطن العربي؟
هذا الاختيار في جزء كبير منه له علاقة بشركات الإنتاج، وهي شركات معظمها مصرية الهوية أو التوجه، مئة بالمئة.
السبب الثاني راجع لطبيعتي وهو أنني من النوع الذي لا يحب أن يشتت تركيزه، وعليه، وبما أني ناجحة في اختياراتي المصرية فأفضل التركيز عليها، وأخاف ألا تكون اختياراتي المغربية في نفس المستوى. لكني منفتحة ومرحبة بالغناء بلهجتي المغربية الأم وبأي لهجة أخرى، خليجية أو لبنانية أو غيرها، شرط أن أجد العمل المناسب.
علاقة بلهجتك الأم، المغربية، كثيراً ما صرحت أنك ستشتغلين على مشروع عمل مغربي، أين وصل هذا المشروع؟ وما الذي يمنع ولادته إلى الآن؟
الاشتغال على مشروع مغربي متكامل، وأقصد هنا ألبوماً، بدءاً باختيارات أغانيه مروراً بإنجازه، تسجيله وتصويره وغير، ثم تسويقه، ليس أبداً بالأمر السهل، بالنظر لما أسلفت بخصوص ارتباطي بشركات مصرية ذات ثقافة مصرية تركيزها الأساسي على الأغنية واللهجة المصرية.. الموضوع/ المشروع ظل مؤجلاً لأني عرفت أنه ليس ثمة من يمكنه مساعدتي في ذلك، وحتى الفريق الذي كان يشتغل معي ليس عارفاً بالخصوصية المغربية، لكني سأحاول مستقبلاً بث دماء جديدة في هذا الفريق، دماء أستفيد منها وأستطيع معها تقديم أعمال مغربية.
وفي هذا السياق أنا سعيدة هذه السنة بتقديمي لأغنية مغربية، تتر مسلسل "سوق الدلالة"، وأرجو أن يكون اختياراً جيداً.. هذا العمل الذي أدت بطولته نعيمة المشرقي، هذه الفنانة القديرة، التي تأثرت بها وأنا بعد صغيرة، وأحبها وأحترمها جداً.
لو عدنا إلى الخلف وبداية حكاية الشهرة والنجاح، بدءاً من أغنية "افهمني حبيبي" وصولاً إلى ألبومك "أنا في انتظارك"، وطلبت منك تحديد أسماء كان لها بعض الفضل في رسم مسارك المهني، فمن تذكرين وتشكرين؟
هذا سؤال مهم ومؤثر بالنسبة لي.. الأكيد أن هناك أشخاصاً كثراً عابرين أثروا في حياتي، ولو بكلمة طيبة. لكن إن كان لا بد من ذكر الأشخاص الذين حفروا عميقاً في ذاكرتي في بداياتي، انطلاقاً من المغرب، كان المذيع المعروف عتيق بنشيكر، الذي لم ولن أنساه. وفي مصر كانت الدكتورة رتيبة الحفني، رحمها الله، ثم الإعلامي القدير وجدي الحكيم الذي كان له الأثر الطيب في حياتي.