أميمة الخليل.. روح لبنانية عربية الهوى، خبرت الفن الحق وخبرها فكان الوليد إبداعاً لا متناهي الجمال
هذا الاسم والصوت الأيقونة الذي ارتبط لزمن طويل بفرقة الميادين، واسم الموسيقار مارسيل خليفة، بَصَم الذاكرةَ الموسيقية العربية بأغانٍ خالدات، قبل أن يعبر إلى تجربة ثانية مع الفنان الموسيقي هاني سبليني، شريك أميمة في الحياة والموسيقى، التي تعترف بنضج باذخ في لقائها مع "عربي بوست": إنه "سلاح من أسلحتي"، بصمتُ وإياه أعمالاً غنائية مميزة، مختلف أسلوبها عمّا سبق.
الفنانة اللبنانية المعروفة بالتزامها بالقضايا الإنسانية، وتمسكها بصدق بمعنى الفن لذاته وفي ذاته، التي ترفض الظهور على الشاشات لمجرد الظهور، فتحت صدرها بكرم لنا، فكان هذا الحوار الذي استجابت فيه لبحثنا عن معنى الفن والحياة والسياسة وغيرها لديها، وأكدت عبره أن الفنان حين لا يكون متواجداً إعلامياً فإن أعماله تُظلم.
مقارنة بباقي الفنانين (المشاهير) أميمة الخليل، على شهرتها المقرونة بالنجاح، قليلة الظهور الإعلامي رغم نشاطها الفني المتواصل. هل يتعلق الأمر بموقف محدد؟
قلة ظهوري على شاشات التلفزيون العربي لها سببان، الأول وهو أنني أريد المساحة التي تكفي لأتحدث بأريحية سواء عن عمل جديد، أو عن أي موضوع، حتى يمكنني شرح أفكاري، وتقديم نفسي بالشكل الذي أراه مناسباً. السبب الثاني هو أن التلفزيونات إجمالاً تتوجه للمشاهد العربي سواء بالأخبار أو ببرامج دينية أو برامج تسلية مجانية لا فائدة فيها للمشاهد. وهنا أنا أُحجم عن الظهور. والبرامج الجادة تعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة للأسف.
في "ناطرة أمل" أحد آخر أعمالك الغنائية، اشتغلت مع أشقائك حسين وإيمان خليل، بالإضافة إلى زوجك الفنان هاني سبليني. حدثينا عن قصة هذه الأغنية، وما الذي يفرق عندك الاشتغال مع المقربين؟
الأغنية هي من توقيع الصديق الإعلامي سامي كليب، الذي أكن له احتراماً كبيراً بالنظر لحرفيته ونزاهته، والألحان من توقيع أخي حسين وهو أستاذ بالمعهد الموسيقي لآلة العود، وعازف بأوركسترا الشرق العربية التابعة للمعهد. وبمساعدة زوجي هاني سبليني الذي أعاننا على تنفيذ الأغنية، إلى جانب أختي إيمان التي كانت العرابة. وهي بالمناسبة بعيدة عن الحقل الفني لأن تخصصها علوم وتدرس في الجامعة اللبنانية. عبر هذه الأغنية أحببنا أن نجتمع لنعود إلى طفولتنا في الضيعة، حين كنا نبقى وحدنا في حال خروج الوالدين في زيارة لأحد أو مكان، وكنا نحيي حفلات طفولة منغمسة في الفن، من عزف وغناء وغيره.. عبر هذه الأغنية أحببنا أن نحيي الماضي، خصوصاً أن شقيقي حسين يغني أيضاً، فأحببت أن يطل معي من خلال عملٍ من تأليفه موسيقياً، وأيضاً إيمان لأنها تحب أن تغني بين الفينة والأخرى.
وجواباً على سؤالك ما المختلف في العمل مع المقربين جداً، فهو أن العمل يكون مريحاً أكثر، لأننا نعرف بعضنا جيداً، ولا وجود لرسميات ولا شكليات بيننا كإخوة. أما من حيث التقنية والجهوزية والجدية في العمل فلا وجود لأي اختلاف، يبقى العمل عملاً نسعى لأن يكون عند تطلعات الجمهور الذي يحبنا.
شغفك بالكلمة اللماحة، وأداؤك للقصيدة على امتداد السنوات ألم يقدك للكتابة؟ خاصة كتابة الأغاني؟
أنا من الناس الذين يحبون الالتزام بالاختصاص، بالمكان الذي أجد فيه نفسي حقيقية أكثر وأمينة على الموهبة التي أوتيت، وهي الصوت. صحيح أنني أكتب خواطر بين الحين والحين بالفصحى وأحياناً بالعامية، وقد أكتب جملة أو مقطعاً، لكن ليست لدي ملكة الكتابة، وخصوصاً الشعر، بكل بساطة.
أن أعرف كيف أنتقي وأحب قصيدة معينة، وأن أكون على امتداد المشوار على تماس مع شعرائنا الكثيرين والمبدعين لا يعني أنه علي الاتجاه نحو الكتابة، لأن الأمر موهبة بالأساس وأنا لا أملكها.
هل ثمة قصيدة معروفة راودتك لغنائها بصوتك ولم تفعلي بعد؟ خاصة إذا ما نبشنا في تاريخ الشعر العربي، سواء تعلق الأمر بالقديم/البعيد أم القريب؟ وما القصيدة التي تصنفينها "خفقة قلب" عموماً؟
القصائد التي أحتفظ بها، حباً، كثيرة في الحقيقة، ولم أشتغل بعد عليها. وهي من توقيع شعراء كثر، جوزيف حرب ومحمد العبدالله و جرمانو جرمانوس ومحمود درويش ونزار الهندي.. ثمة قصائد عديدة عشقتها لكن انشغلت عن العودة إليها.
وبخصوص الشعر القديم، هناك أشعار كثيرة من توقيع شعراء سوريين رحلوا عنا. وهذه القصائد أخبئها إلى حين أن تسعفني الظروف وأغنيها.
أما عن الأغنية التي أعتبرها خفقة قلب فهي "شو بحب أغني لك" و"ذكريات الفل" لجرمانو جرمانوس.
عن "أغاني الذروة ونقط النجاح"، وهو تعبير جاء على لسانك، أستعيره منك لأسألك إلى أي مدى يمكن الحديث عن نقط نجاح لا تتكرر وذروة واحدة يبلغها الفنان، خصوصاً إن كان هذا الفنان ذا مسيرة امتدت مسيرته لسنوات؟
أغاني الذروة هي أمر لا يستطيع الجمهور تخطيه، وليس الفنان. هو أمر أعتبره مزعجاً، لكنه موجود.
لكن يصدف أن يكون مثلاً فريق غنائي مثل فريق "الآبا" السويدي الذي كان يغني باللغة الإنجليزية، كل أعماله في مجملها كانت ذروة. لكن ذلك لا يعني أن الأغاني التي لم تحقق النجاح نفسه أقل قيمة، بالعكس فيمكنها أحياناً أن تكون أعلى. لكن الموضوع أو الصيغة الموسيقية قد توصل أغاني دون غيرها لأن تكون أنجح، والحق أنه مزعج جداً أن يحمل الفنان في رصيده عشرات الأغاني، ولا يحفظ له الناس سوى ثلاث أو أربع أغاني.
هل يحز في نفسك اهتمام الجمهور العربي بأغانيك الشهيرة "عصفور طل من الشباك" و"تكبر" وغيرها من رصيدك القديم، الذي لا تبلى روحه، أكثر مما أصدرته لاحقاً؟
هنا أحب أن أشير إلى أن تجربتي الفنية من شقين، الأول بدأ من صغري وأنا أشتغل مع الفنان مارسيل خليفة، والشق الثاني انطلق بعد زواجي من موسيقي، هاني سبليني، الذي اشتغلت معه. وهنا بدأت المقارنة بين أميمة مع مارسيل، وأميمة مع هاني وهذا شيء غلط. لأن التجربة مع هاني تحتاج إلى تراكم سنين حتى تعادل كتجربة وكأعمال تجربتي مع مارسيل. وهذا شيء يمكن أن يتأخر حتى يجد مكانه في وجدان الناس.
"في أعمالي أحب دوماً الذهاب إلى مكان جديد".. هو قول لك. ما هو المكان الذي تمضي نحوه أميمة الخليل في هذه الأيام؟
المكان الذي أود الذهاب نحوه مرحلياً هو الوتريات، الكمان، الفيولا، التشيلو، الكونترباس. لكن ذلك صعب حالياً، في ظل أوضاع الإغلاق والصعوبات المادية المحبطة.. ادعوا لي حتى أستطيع تنفيذ ذلك. (تقول ضاحكة).
غادرت "الميادين" بعد أكثر من 27 سنة، وأنت المناضلة داخل هذا "الجيش الأحمر" مع الموسيقار مارسيل خليفة، هل كنت مقتنعة أنك تواصلين نجاحك وأنك رابحة في كل الأحوال لأن أداة قوتك الأولى معك "صوتك"؟
لم أغادر فرقة الميادين، بل إن صاحبها قام بحلها، فقد اتخذ القرار منذ سنوات طويلة، لكني لم أكن أعرف. واكتشفت ذلك لاحقاً.
وإن خرجت عن الانضباط للفرقة الكبيرة التي كبرت أيضاً داخلها؟ هل أحسست أنك بحاجة إلى التحرر من التعلق بهذه التجربة؟ هل كنت راغبة في الذهاب إلى عوالم جديدة؟
حتى أكون أمينة مع متابعيي والجمهور، فأنا أعتبر أن هذه الخطوة كانت لصالحي. فلم أتحرر، قبل ذلك من هذا المكان، لأني كنت أعتبره مكاني، الذي سأظل فيه. لم أكُن أفتش عن أمكنة ثانية، ولم آخذ على عاتقي تنفيذ أفكاري، وأشكال عديدة من الموسيقى كنت أحب تجريبها.
كنت منغمسة بورشة "الميادين" لدرجة أني لم أكن أفكر في عمل أشياء غيرها.
أعتقد أن هذه الخطوة وضعتني في موضع آخر وهو أن أكون أنا نفسي مسؤولة عن عملي من ألفه إلى يائه، وربما بهذه المسافة التي خلقت، صارت العلاقة صحية أكثر بيني وبين مارسيل خليفة. وصرنا نتناقش أكثر في الشغل، بخلاف ما كان الأمر عليه قبل، أن المشروع لمارسيل، ويجب تنفيذه أولاً وبعدها أعطي رأيي.
هنا، صار هامش الحرية أوسع مما كان عليه.. كان كبيراً وصار أكبر! وكما قلت فالمسافة المحدثة خلقت نوعاً من الحوار والتشاور بالمواد الفنية التي يشتغل عليها كل واحد على حدة.
وطالما صوتي موجود فسأذهب إلى أمكنة مختلفة وعديدة، لم يكن يسمح لي التزامي بوقتي كاملاً مع فرقة الميادين بالذهاب نحوها.
من يتابع تصريحاتك تلفتُه الحسرة في كلامك حول عدم اشتغال الفنانين العرب مع بعضهم، وتجددين الحديث في مناسبات مختلفة عن هاجس تعاونك مع صوت نسائي أو أصوات أخرى تتقاطع مع أفكارك، وعبرت عن ذلك مرة بالقول: "في العالم العربي، نحن كأفراد ناجحون كثيراً، لكن كمجموعة فاشلون…". ألم يسمح الوقت بذلك بعد، وما الذي يمنع، برأيك، هذا اللقاء والتوحد في عمل إبداعي، ما دامت لديك رغبة؟
العمل مع فنانين آخرين هو شيء أحبه جداً، وربما هذه الرغبة القوية بداخلي مردها إلى كوني اشتغلت مع فرقة "الميادين" وعشقت الاشتغال الجماعي. وأيضاً لأن لدي إيماناً بأن النجاح ليس مسألة فردية ويستحيل أن يكون من صنع فرد واحدٍ. النجاحات بشكل عام تحتاج إلى روح واحدة يضعها فينا شخص ما، هذا الشخص الذي لا يمكنه أن ينجح وحده فقط لأنه يملك هذه الروح، وهذه الإرادة. ومن هنا أحب أن أشتغل مع الجماعة، وأحب أن أقدم للناس أشياء متنوعة على مستوى الصوت ومضمونها إنساني عال.
هل سبق أن اقترحت على زملاء معينين الفكرة؟ ألم يقترح عليك زملاء التعاون؟ وهل للتوجهات السياسية دخل في عدم توحد الفنانين؟ وهل لمنطق الربح والخسارة، بمفهومه المادي، دخل في هذا الفشل الذي أشرت إليه؟
في سبيل هذا توجهت لعدد من الفنانين، هن صبايا إجمالاً، عدد منهن صرن معروفات على نطاق واسع، لكن ليس في سياق الفنون الجادة، وأتمنى لهن مزيداً من التوفيق، وأنا احترمهن وأحترم خياراتهن. لكن أعتقد أن عملاً جماعياً تلزمه إدارة لديها خطة لجمع هذه الأسماء والأصوات، وأن تكون هذه الخطة لصالح الفن، أو مشروعاً فنياً بالأساس بروح إنسانية، بعيداً عن فكرة المردود المادي أو المردود السياسي أو الحزبي وما شابه ذلك. وهذه الإدارة هي ما تنقصنا، ويُمكن أن تكون شخصاً أو مؤسسة ثقافية أو مؤسسة إعلامية، هدفها واضح ونقي.
في ظل عدم تبني الإعلام الإبداعات الموسيقية والغنائية الرصينة، بالترويج لها وتقريبها من الأجيال الجديدة، هل تسعى أميمة، وحدها أو بمعية مجموعة تماثلها الرؤية، لإيجاد بديل لتسويق فنها؟ من أجل الاقتراب من هذه الأجيال والإسهام في تصحيح فساد الذوق العام؟
خطتي في هذا السياق أن أكون حاضرة بشكل شبه يومي على منصاتي على مواقع التواصل الاجتماعي التي يتابعني فيها جمهور. ولا أستطيع القيام بأكثر من ذلك لأن جهدي كله منصب على شغلي، وكيف سأنفذ ما أريد أن أغنيه.
هي نعمة، أننا نتوفر على منصات التواصل الاجتماعي. بما أني لا أقدر أن أطل عبر التلفزيون بكل أنواع البرامج التي ذكرت سابقاً، فمواقع التواصل الاجتماعي تعوضني عن ذلك.
هل ترين أن الجمهور المتيم بالصورة والمهووس بالتغيير يستحق منك جهد محاولة الاقتراب؟ وإلى أي حد يمكن المراهنة على تغيير هذا الجمهور؟
الجمهور ليس حكماً سهلاً، وهو ليس المسؤول عن الموضوع الذي ذكرت، بالنظر للكم الهائل من الأشكال والأنواع المختلفة التي تصله. فإلى أي حد يمكن أن يرتبط هذا الجمهور بالفن حتى يستطيع الغربلة وتصفية ما يفيده ويفيد الأجيال التي تأتي بعده.
وهنا أود أيضاً أن ألفت إلى أن الفنان حين لا يكون متواجداً إعلامياً فإن أعماله تُظلم، تماماً مثلما يحدث معي ومع غيري من الفنانين الجادين.
"الفن ليس للتسلية، بل هو رسالة إنسانية أعمق مما نتخيل"، بحسب تعبيرك وأنت تتحدثين عما تعلمته من المبدع الموسيقار مارسيل خليفة. إلى أي حد يؤدي الفنان العربي اليوم هذه الرسالة، وخاصة الذي له أتباع بالملايين؟
ما يقدم الآن في مجمله هو للتسلية. ليس فيه أي مردود، اللهم المردود المادي الذي يستفيد منه الشخص الذي يقدمه، وهو المردود المادي. وهنا لا يمكننا أن نلوم شخصاً على شيء في ظل غياب المؤسسات الثقافية وغياب الرؤية الثقافية الشاملة المرتبطة بالشعوب وحياتها وهويتها.
والشخص الذي لديه موهبة مُعينة، تجده وسط الفوضى وعدم المحاسبة مضطراً لتقديم أي شيء حتى يعيش، وحتى يؤمن شيخوخته وعائلته. وما يقدم يساهم بشكل عميق في تضييع الهوية وتضييع المغزى والهدف من وجود الفنون.
كثيراً ما نسمع عبارة "الزمن الجميل"، اصطلاحاً تطلق على زمن مضى. هل ثمة، برأيك، زمن جميل في مجمله؟ وما أهم ما يحتاجه زمن الحاضر (فنياً) ليحمل هذا الوصف، إن لم يكُن كذلك؟
الحقيقة أنه لا تهمني كثيراً تسمية "زمن الفن الجميل". وكما نعرف حقيقة، فالأمور والأشياء لا تأخذ مكانها إلا مع مرور الزمن، فالتاريخ محدد. وأنا أؤمن أن المستقبل سيكشف كل شيء.
في الحاضر علينا الاشتغال، الاشتغال بأمانة، والاشتغال بضمير وبنظافة، ولمنفعة عامة وخاصة. بمعنى أنه لا بد أن يكون لدينا تفكير بالآخر، أن ننظر إلى ما هو أبعد من أنوفنا، ونكون جيدين مع الآخرين ومع أنفسنا. علينا الاشتغال في الحاضر حتى نتواجد بالمستقبل.
عادة ما يقرن وصف "الملتزم" بالفن الحقيقي في جوهره، من حيث الكلمة والموسيقى والأداء، على غرار الأعمال العديدة التي قدمتها إلى جانب المبدع مارسيل خليفة وفرقة "الميادين".. هل للساسة، والسياسات العمومية في الرقعة الجغرافية العربية دور في تقلص انتشار هذا الفن؟
لكي يكون الفن تعبيراً عنا ومنتشراً وسائداً لا بد له من وجود مؤسسات تعنى بالثقافة، مسؤولة عنه في كل بلد. وليس ضرورياً أن تكون هذه المؤسسات من يختار وتهدف إلى الحد من انتشار الأسماء أو المقصود أن تحد هذه المؤسسات من حرية التعبير والمساحة التي يمكن الاشتغال فيها، وإنما القصد أن تكون هذه المؤسسات حاضنة للفنانين الحق الموجودين بهذه الدول. ولا أحد يشكك في أن هؤلاء الفنانين كثر ومواهبهم عظيمة. ما ينقص هو إرادة تقديم فنون تعلم الناس وتسليهم. وأنا أقول إن الفن ليس للتسلية فقط، بمعنى أن الفن مسل بمضمون جاد وذو معنى. وإذا انعدم هذا المعنى لم يعد يسمى فناً.
الفنان منفرداً هو عاجز عن التأثير الكبير، فهو بحاجة إلى مؤسسات وآليات وأحزاب، أحياناً، تملك آلية لنشر عمله، مثلما صار في بداية "فرقة الميادين".. وهذه الأشياء غائبة اليوم، ما يصيب الفنان بإحباط.
و"كثر خيره" الفنان الذي لا يزال صامداً ويشتغل على نفقته الخاصة لتقديم فن حقيقي للناس، وليس من أجل مردود خاص. وهذا النوع موجود ونتمنى أن تتحسن ظروفه وتوضع الأمور في نصابها الصحيح.
أداء أغان تراثية بتوزيع موسيقي جديد، هل يأتي ذلك من باب حب هذه الأعمال لذاتها، وندرة ما يضاهيها أم حباً في قوتها وأثرها المترسخ في ذاكرة المتلقي العربي؟
هنا أود القول إنني لا ولم ألعب على استجداء ذاكرة المواطن العربي يوماً. فلم أقدم أغنية قديمة بصياغة جديدة إلا لأنني أحببتها أو أن هاني أحب توزيعها، وليس لعباً على وتر أنها أغنية محفوظة بالذاكرة العربية. وأنا شخصياً أمقت هذا الموضوع. وأبتعد كثيراً عن هذا المنطق، وأحاول في عملي على شيء قديم مع هاني أو مع موسيقيين آخرين أشتغل معهم إضافة مضمون موسيقي جديد عليها. ويبقى التحدي الأكبر بالنسبة لي هو أن أقدم أغنية جديدة يتبناها الناس.
صمت إجبار وصمت خيار. فمتى تختار أميمة الإنسانة الصمت؟ أطرح السؤال وأستحضر قول أميمة الفنانة "إن الفن يصمت أحياناً ليختمر، ثم يظهر لنا من جديد". وأستحضر أيضاً جرأتك في إظهار مواقفك الإنسانية والسياسية في فنك ومقابلاتك الإعلامية.
لم أجبر على الصمت يوماً. لطالما كان الصمت خياراً إذا صمتّ. في الفن، أحياناً يكون الواحد منا مشوشاً جداً أو محبطاً جداً أو خاب أمله، فلا يكون قادراً على أن يكون إيجابياً بفنه، والأفضل في هذه الحالة أن يصمت إلى أن يعتدل حاله.
أما إنسانياً وسياسياً وحول الانحياز للقضايا المحقة في العالم العربي والعالم إجمالاً، فهنا أقول: يا خوفي هنا من أن أجبر على الصمت، وهذه الفكرة مرعبة بالنسبة لي. سيكون مكلفاً جداً أن يجبر المرء على الصمت، بل مرعب جداً كما أسلفت. أنا لا أعرف كيف أصمت، أنا من النوع الذي كلما أحسست بأذى تكلمت أكثر.
التزمت في اختياراتك الغنائية بقضايا الإنسان، فغنيت للحب، الحق، الوطن، الأرض، مقتنعة أن الفن سلاح. هل ما يزال برأيك الفن سلاحاً فعالاً، في ظل الدمار والاندحار الذي يشهده الوطن العربي وانحدار مواقف كما هو الشأن بالنسبة لقضية فلسطين وآخر ما سجله التاريخ مواقف التطبيع التي تتالت علناً هذا العام؟
بالنسبة لقضية فلسطين، أؤمن أنه من مواقعنا يمكننا أن نبقي على فلسطين حية تعيش. ومن موقعي في الأغنية، سيظل صوتي دوماً يحكي فلسطين، ويشدو فلسطين. وإذا لم تكن حاضرة في السياسة ففي الفن تملك أن تحضر، بالتواصل والعمل مع الفلسطينيين، فلسطينيي الداخل تحديداً، مثلما أفعل. وهذا يجعلنا مؤمنين بهذه القضية ونحاول نشر فكرة التواصل مع الفلسطينيين، وليس كعرب بهويات إسرائيلية، حكماً لأنهم يعيشون هناك.
إجمالاً هناك طرق كثيرة لتظل فلسطين حاضرة، لكن في السياسة، للأسف، لا نرى غير الخذلان، خذلان كبير. ولا أعرف إذا كان ثمة كلمة أكبر من كلمة خذلان لأصف بها المشهد هنا.
وصوتي سيظل حاملاً لفلسطين هذا ما يمكنني قوله.
ألم تسمعي يوماً نداء داخلياً يدعوك لولوج عالم السياسة وممارستها بشكل مباشر والبحث عن التموقع في خريطة المسؤولية بهدف تغيير بعض ما لم تعود تستطيع تغييره الموسيقى والقصيدة، ما لم تغيره الأغنية الملتزمة بالنضال في سبيل الحق؟
الفن سيبقى دوماً في مكانته العالية داخل المجتمع، وتأثيره سيظل موجوداً وإن تراجع في مراحل معينة. أما عن السياسة، فهي مجال لا يمكنني دخوله لأنه عالم تغمره الأوساخ. السياسة ملوِّثة. والسياسي النظيف الذي يصر على أن تكون سياسته للشأن العام يقصى أو يلغى أو تشوه سمعته، فهو يقتل بشكل جسدي أو معنوي.
لا تكتمل الصورة في بوح جديد مع أميمة دون السؤال عن الفنان الموسيقي هاني سبليني، ليس فقط لأنه تربطكما علاقة الموسيقى، بل لأنه أيضاً رفيق درب الحب، الزوج الذي اخترته واختارك لتكملا طريق الحياة معاً. أود استحضار معادلة التأثير والتأثر، بصرف النظر عن أيهما أكبر، لمعرفة ما أهم ما طبعه هاني سبليني فيك أميمة الإنسانة وأميمة الفنانة؟
هاني غير أنه حب حياتي، هو أيضاً سلاح من أسلحتي. هو تلك الطاقة التي لا تعرف الخمود، يظل يتعلم ويدفعني لأن أتعلم، خصوصاً حالياً في فترة الحجر الصحي.
هاني لم يترك يوماً دون تعلم معلومة جديدة في مجال اشتغاله ويجرب تطبيقها.
هاني أخذني إلى عوالم موسيقية لم أكن على تماس معها، هذا بشكل ملموس. بشكل قد لا يعرفه الجمهور لكنه يسمعه ويحس به. طريقة غنائي بهذه الأشكال الجديدة تعلمتها مع هاني. وفي أول عمل كان هناك قليل من التصادم لأنني لم أكن أستطيع فهم كيف أنفذ، وكيف آخذ النفس بمواقع معينة وغير ذلك. لأن طريقتي معه مختلفة كلياً عما قدمته من قبل. لكن ذلك لم يطل وبسرعة اكتشفت طريقته وصرت أنفذ ما يريد بدون تصادم.
أعتقد أنها ليست أنا التي عليها التحدث عن بماذا أثر في هاني. لكن يمكنني التحدث عن كون هاني صار يفكر ويهتم بما يهمني بالنصوص الشعرية، بمواضيع لم يكن لديه قبل ذلك استعداد ليمضي وقته فيها ولا يركز عليها بقدر تركيزه على كونه موسيقياً، وهكذا قدمنا "مجاز"، التي أعتبرها واحدة من أهم مقاطع وأغنيات الذروة في مسيرتي.
صار يقرأ الشعر أكثر وهو من يختار النصوص التي أغنيها، وهكذا اختار "أعرف ميلادا" و"بنت وصبي" و"بنت وصبية" و"شو بغنيلك" و"ذكريات الفل"، واختار أشياء كثيرة سننفذها.
المتلقي العربي عشق أميمة الخليل، بداية رفقة مارسيل خليفة. فهل ثمة لقاء جديد قريب بينكما، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنكما تعاونتما لاحقاً؟
حالياً ليس هناك مشروع جديد بيني وبين مارسيل، بعد العمل الذي صدر سنة 2019 ورافقني بغنائه كورال الفيحاء والتوزيع من إدوار توريكيان. وبعد هذا العمل ليست هناك فكرة على عمل جديد أنا ومارسيل. لكن لدي رغبة في إعادة تقديم هذه الألحان والأغاني العظيمة الموجودة بين يدي من مارسيل خليفة بصيغ مختلفة.
مارسيل معروف باختياره العزلة لخلق نغمات جديدة، ما أهم ملامح طقوس أميمة الخليل وهي تبدع عملاً جديداً؟
حكماً السياسة هي تواري، ولأن الواحد منا يكون بصدد التحضير لأشياء والعمل فطبيعي أن يغيب.
وفي هذا الحجر اكتشفت فكرة وضع صور لأغاني التي هي بدون صورة. ومرات أخرى يخطر لي أن أغني في البيت، فأطل عليكم وأنا أغني وأمرن صوتي.
كثيراً ما قُدمت سير كبار الفنانين في أفلام روائية. إن كان سيحدث ذلك معك، فما المرحلة أو الشيء الذي لا تودين أن يصور سينمائياً؟ وإن كان شريطاً وثائقياً، ما الذي ترينه حقيقاً أن يوثق في تجربتك، تجربة امرأة صعدت سلم الشهرة بنجاح، دون أن تسعى لمزيد منها، لاحقاً، بالخضوع للتغيير، والحرص على الشكل أكثر في واقع تغيرت أو بالأحرى تعطلت فيه الموازين السليمة؟
يمكنني القول إنه لا يوجد شيء في حياتي لا أريده أن يظهر إن كانت تصور فيلماً أو تكتب في سيرة.
لاشيء يخفى، وفي الحياة نختبر كل المشاعر، وكل المواقف. نختبر الحلو والمر، نختبر الخيبة ونختبر الخذلان ونختبر الأخطاء، لأننا نحن نخطئ في حق أنفسنا وفي حق غيرنا. من في هذه الحياة لم يختبر كل شيء، من لم يختبر الفقر؟ من لم يختبر البكاء؟ من لم يختبر الفرح والحب؟
لا شيء أحب حذفه.
أما جواباً عن الشيء الحقيقي الذي أريده أن يصور فبالنسبة لي كل خطوة قمت بها في حياتي كانت حقيقية وجديرة بأن تصور، لذلك لا يمكنني اختيار شيء أو إلغاء شيء.