منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، تحتل برامج المقالب الكوميدية مكانة خاصة لدى المشاهدين، خاصة خلال شهر رمضان.
وتراوحت تلك النوعية من البرامج بين "الكاميرا الخفية" و"انسَ الدنيا" و"إديني عقلك" و"حيلهم بينهم"، ووصلت أخيراً إلى برامج رامز جلال التي تتجدد الانتقادات والدعاوى القضائية بحقها سنوياً، بسبب إهانة الضيوف واعتمادها على التخويف أكثر من مجرد صنع المقالب الساخرة الخفيفة.
ومع ذلك، يظل برنامج الكاميرا الخفية، من بطولة شخصية "زكية زكريا"، على رأس قائمة برامج المقالب التلفزيونية المحببة للجماهير المصرية والعربية على حدٍّ سواء.
وقد استطاع البرنامج أن يطوّر فكرة تنفيذ المقالب الكوميدية، وأطلق العديد من الإفيهات التي لا يزال يتم استخدامها حتى اليوم، مثل: "كشكشها ماتعرّضهاش" و"يا نجاتي انفخ البلالين عشان عيد الميلاد".
كيف كانت البداية؟
بدأت أيقونة الكاميرا الخفية الرمضانية، من بطولة إبراهيم نصر، منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي.
وفي عام 1991 عرض الإعلامي عبدالمنعم غالي على نصر إعداد برنامج كوميدي لتتم إذاعته على القناة الثانية المصرية التي كان قد ترأسها لتوه، فقدم له الممثل فكرة "الكاميرا الخفية"، التي قال في تصريحات صحفية عديدة، إنها لطالما راودته بسبب رواج حلقات المقالب الأجنبية التي كان يتم بثها على عدة قنوات آنذاك، ولم يكن هناك معادل عربي لها في ذلك الوقت رغم جماهيريتها.
وبموافقة إدارة التلفزيون المصري على الفكرة، عمِل إبراهيم نصر في البداية على برنامج "انسَ الدنيا" الذي كان يتنكر خلال حلقاته، مؤدياً بعض المقالب الطريفة بحق شخصيات عابرة في الشوارع والمقاهي المصرية.
ابتكار شخصية زكية زكريا
البرنامج لاقى رواجاً وإقبالاً من المشاهدين وحقق جماهيرية كبيرة، وعُرض خلال شهر رمضان من عام 1991. ثم ما لبثت أن تطورت فكرة قالب البرنامج بعد أن اقترح أحد أصدقاء الممثل إبراهيم نصر عليه أن يتجاوز حدوده في التنكُّر، ويتقمّص دور سيدة تساعد هيئته الجسمانية الضخمة في جعلها مثيرة للانتباه.
وبالفعل أُعجب نصر بالمُقترح وابتكر هيئة ومواصفات "زكية زكريا"، السيدة الممتلئة ذات الشعر القصير وأحمر الشفاه الثقيل والتعليقات المُضحكة، وبصمة خلع باروكة الشعر، كاشفاً عن صلعة رأسه للضيوف عند انتهاء المقلب.
وتم بث حلقات الكاميرا الخفية، من بطولة زكية زكريا، على القنوات المصرية خلال شهر رمضان. وأصبح في غضون سنوات معدودة، أيقونة رمضانية مميزة سواءً بسبب موسيقى تتر البرنامج أو لأفكار المقالب المبتكرة، أو حتى إفيهات "زكية زكريا" المضحكة التي أصبحت رائجة بين الناس في ذلك الوقت. ومنها: "يانجاتي" و"حضرتك مرتبط" و"لو سمحت أنا آنسة" و"لما أقولك بخ تبخ" و"إوعى الجمبري يعضّك".
12 موسماً من "زكية زكريا"
وقد ساهم في نجاح ورواج البرنامج، تعاون إبراهيم نصر مع شركة طارق نور للدعاية والإعلان، وكانت هي الأشهر بمصر في ذلك الوقت.
وبحسب موقع أفيش الفني، فقد ساهمت الشركة في مشاركة كاتب ومخرج مميزين ساهما في صناعة نجاح البرنامج بمواسمه التالية، وكانا فداء الشندويلي ورائد لبيب.
وقد واصل إبراهيم نصر وطارق نور، العمل على البرنامج الذي استمر عرضه على مدار 12 عاماً، بموسم جديد يتم عرضه خلال شهر رمضان سنوياً.
حلقات لم تتم إذاعتها
من بين أبرز الفروقات بين برنامج إبراهيم نصر للكاميرا الخفية وبرامج المقالب اليوم، أنه كان يمنح ضيوفه حق عدم الموافقة على عرض الحلقة بعد الانتهاء من المقلب، وكشف وجود الكاميرا لضيوفه.
وذلك لتجنُّب شعورهم بأي نوع من الحرج أو المشكلات بسبب ردود فعلهم.
وبالفعل كان هناك عدد من الحلقات التي لم يتم بثها من البرنامج، بسبب تفاقُم الموقف بين نصر وضيوفه أثناء إجراء المقلب، أو بسبب احتمال تضرُّر بعض الأشخاص في عملهم عند بث الحلقات ورواجها.
ومن ضمن الحلقات التي لم يتم بثها مقلب مع أحد الجزارين أو بائعي اللحم، لم يفهم المقلب إلا بعد تدخُّل طاقم البرنامج.
وفي التفاصيل، تتوجه "زكية زكريا" بصحبة زوجها "تقاوي" لشراء لحم تتجاوز قيمته 500 جنيه في ذلك التوقيت. ويكتشف الزوج لاحقاً أنه نسي ماله في المنزل، فيترك زكية في محل الجزارة ويأخذ اللحم وينصرف.
وبعد الانتظار، يتضح لصاحب المحل فيما بعد، أن "تقاوي" لن يعود بالمال.
وقد تفاقم المقلب عندما قام الجزار بمحاولة وضع زكية زكريا داخل ثلاجة اللحوم، قبل أن يتدخل طاقم الحلقة في إقناع صاحب المحل بأنه موقف مُلفق بغرض الفكاهة، وفقاً لموقع العربية.
في حلقة أخرى، اتضح وجود امرأة حامل ضمن رواد مطعم كان سيتم إجراء مقلب عليهم بإيهامهم أن الطعام الذي قُدم لهم غير صالح للاستخدام الآدمي.
وقد رفض إبراهيم نصر استكمال الحلقة؛ خوفاً من أي أثر نفسي على السيدة أو الجنين، بحسب الموقع.
أفلام ومسرحيات من بطولة زكية زكريا
ونتيجة نجاح الشخصية الواسع، تم العمل خلال عام 2001 على مسرحيتين كوميديتين كانت الأولى بعنوان "زكية زكريا والعصابة المفترية".
وقد تم عرضها على مسرح البالون، محققةً إيرادات لم تكن مسبوقة في ذلك الوقت. وسُمّي إبراهيم نصر على أثرها بـ"صاحب مسرحية المليون"، بعد أن حققت المسرحية المليون جنيه من الإيرادات خلال شهر من عرضها.
كما تم العمل على مسرحية "زكية زكريا تتحدى شارون"، إسقاطاً على الغضب الشعبي آنذاك دعماً للانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
كذلك تم عرض فيلم "زكية زكريا في البرلمان"، من إخراج رائد لبيب وتأليف شامخ الشندويلي، طاقم برنامج الكاميرا الخفية أيضاً. لكن الفيلم لم يلقَ النجاح المأمول، بسبب ضعف القصة.
خوفاً على الشخصية من الأدوار السيئة
ورغم النجاح غير المسبوق للكاميرا الخفية، كان نصر مؤمناً بضرورة التغيير. ونقلت صحيفة مصراوي أحد التصريحات السابقة لنصر والتي قال فيها: "إنك تقعد تعمل ده طول العمر صعب جداً"، وتابع: "في يوم من الأيام كتب صحفي: إبراهيم نصر خرق السقف، هيعمل إيه بعد كده؟"، وقال إنه يُفضل أن يتوقف بهذا المستوى على أن يقابله أحد في الشارع ويخبره: "ليه عملت كده؟".
وبعد وفاة الممثل إبراهيم نصر في مايو/أيار عام 2020، صرّح المخرج المصري رائد لبيب وشريك رحلة صناعة برنامج الكاميرا الخفية، ببعض المواقف التي شهدها للممثل، وقال إن أحد المنتجين عرض على نصر تقديم برنامج "الكاميرا الخفية" مجدداً، ورغم المبلغ المالي الضخم الذي قدمه، رفض نصر وقال إنه ليس لديه جديد ليقدمه، وفضّل الاعتذار في النهاية، وفقاً لموقع العربي الجديد.