يرى الروائي البريطاني آرثر سي كلارك، صاحب ملحمة الفضاء،space odyssey، أنّ الكون مليء بالكائنات الذكية، ولأنها ذكيّة بما يكفي فإنها لن تأتي إلى الأرض.
لكن ماذا لو كانت هذا الكائنات طيّبة بما يكفي كي تأتي إلينا وتمرر رسائل لإنقاذ الأرض من الأخطار المستقبلية، التي تستبصرها بسبب ذكائها!
هل إذا وصلت هذه الكائنات إلينا سنعتبرها على الفور أعداء؟ أم من الواجب أن نبذل جهداً في التواصل!
هذا ما ستعرفه خلال مشاهدتك لفيلم Arrival، الذي يختلف عن أي فيلم غزو فضائي قد شاهدته من قبل، والذي أُنتج عام 2016، للمخرج الكندي دينيس فينولف، صحاب فيلم السجناء prisoners، وقتلة مأجورين sicario.
الفيلم اقتبسه كاتب السيناريو ايريك هيسلر من قصة قصيرة لمؤلف الخيال العلمي الصيني تيد تشيانج، بعنوان "قصة حياتك"، التي صدرت في عام 1998.
واختير من قِبل معهد الفيلم الأميركي واحداً من أفضل أفلام عام 2018، ورُشّح لـ8 جوائز أوسكار، كما نال أوسكار أفضل مونتاج صوتي.
تنويه: التقرير يحتوي حرقاً جزئياً لأحداث الفيلم.
Arrival.. ليس فيلماً نمطياً!
Arrival فيلم خيال علمي، يكاد أن يكون فلسفياً، ويحكي عن البشر أكثر مما يحكي عن الفضائيين.
يطرح معنى اللغة ولماذا يرفض الإنسان ما يجهله، أو ما لا يفهمه، بل يعتبره عدواً له، ولماذا دائماً ما نرى أن الحرب تستبق فكرة الحوار.
كما يطرح أيضاً أهمية التواصل، فهناك كثير من الطرق لتفسير الأمور، وأنَّ فك شفرات الأشياء بمزيد من الصبر والابتكار ما هي إلا طرق لفهم المستقبل والتعامل معه.
الفيلم اعتبره النقاد أحد أهم أفلام عام 2016، واعتبره آخرون من ضمن أفضل 5 أفلام صُنعت عن غزو الفضائيين، وتم مقارنته بفيلم intersteller 2014، أحد أهم أفلام الخيال العلمي بشكل عام.
لغة الفضائيين الغريبة تصطدم بأستاذة لسانيات بارعة!
إيمي آدمز، واحدة من أفضل ممثلات هوليوود، جسدت شخصية د. لويز بانكس.
أستاذة اللسانيات المهووسة باللغات والبارعة فيها، تحاول التواصل مع الفضائيين أو ترجمة اللغة الفضائية التي تم تسجيلها لهم، بناء على طلب السلطات ممثلة في شخصية الكولونيل "ويبر"، الذي جسّد دوره الممثل البارع فورست ويتكر.
وجاء أداء إيمي آدمز متمرساً، يسيطر عليها الخوف والفضول والدهشة أيضاً، أثناء محاولتها الوصول لحل شفرة اللغة التي يتكلم بها الفضائيون.
واستطاعت إيمي توظيف لغة جسدها جيداً، في مشاهد الذروة والحفاظ على إيقاعها حتى النهاية، بالإضافة إلى حفاظها طيلة الفيلم على خط درامي من الذكريات الحزينة الصادمة التي تخللت الفيلم عن ذكرى فقدان ابنتها سابقاً، الذي يشكل عنصراً مفاجئاً وصادماً في نهاية الفيلم.
جاذبية مبتكرة.. وحيل بصرية غير متكررة
يُعد الفيلم تجربة بصريّة بديعة في التصوير والمؤثرات البصرية، والسمعية، والمشاهد البانورامية، واللقطات الطويلة.
خاصةً عند أول لقاء لإيمي وبقية الفريق مع الفضائيين، في القاعة التي يتواصلون فيها مع بعضهم وراء الزجاج، التي تختلف فيها الجاذبية عن الجاذبية في الأرض.
وجاء مشهد الجاذبية مبتكراً جداً باستخدام فكرة الصعود في مصاعد أفقية، حتى الوصول إلى نقطة تنعكس فيها الجاذبية ويستطيع الأشخاص السير على الجدران التي تتحول إلى أرضية لمركبة الفضاء!
إذ صوّر المخرج الفيلم بإيقاعٍ موتّر، لكنه ممتع، وبطريقة تحبس الأنفاس.
ومن أبرز عناصر الفيلم أيضاً الموسيقى التصويرية التي حافظت على إيقاع الفيلم المشوّق حتى النهاية، التي نفذها الفنان يوهان يوهانسون.
المؤثرات البصرية استحوذت على المشاهد تماماً، وتُشعرك بأنك أنت من تتواصل مع الفضائيين، يطرق الفضائي بيده الأخطبوطية على الحاجز الزجاجي، بطريقة تجعلك تبعد مقعدك عن الشاشة؛ في أحد أبرز اللقطات أيقونية في عالم الخيال العلمي.
هل فعلاً تمَّ ابتكار لغة بصريّة خاصة بالفيلم؟
خلافاً لكل اللغات البشرية، فلغة الفضائيين في الفيلم كانت لغة رمزية وبصرية، تصور المعنى دون أن تستخدم صوتاً، صنعها ستيفين ولفرام عالم الرياضيات، وتسمى لغة وولفرام.
بحيث يعبّر كل رمز عن كلمة معينة، واستُخدمت بعض الرموز منها بالفيلم، وهو ما جعل الفيلم يتميز بمجهود كبير مبذول لإخراج عمل مميز بصرياً وتقنياً.
وهي الفكرة التي أبرزت مفهوماً جديداً في أذهان المشاهدين، ألا وهو كيف سيتكلم الفضائيون معنا إذا ظهروا أو قرروا زيارة الأرض؟ وهل سيشكل التواصل بن جنسنا وجنسهم أية مشكلات أو عقبات؟
هيبتابود سباعي الأقدام!
أطلق في الفيلم على الفضائيين اسم هيبتابود، وهيبتا تعني باليونانية رقم "7"، وبود تعني قدم، ليصبح لدينا كلمة "سباعي الأقدام" أو هيبتابو، بحسب الوصف الذي ظهر في الفيلم للفضائيين.
هذا الأمر جعل الكثير من التساؤلات تدور في ذهن المشاهد مثلما تدور في ذهن الأبطال، عن الأشياء التي لا نعرفها عن حضارة هيبتابود مثلاً، كيف لا نعرف عنهم شيئاً، هل لكونهم لا يتركون آثاراً خلفهم!
وهل هم سياح أم علماء، ولماذا قدموا إلى هذه الأماكن من الأرض؟
اختلاف الألسنة يغير شعورنا بالأشياء.. السكين للقتل أم لتقطيع الجبن؟
يتناول الفيلم فكرة يطرحها علماء اللسانيات، في نظرية النسبية اللغوية، وهي أننا لا نمثّل كلنا نفس الواقع، ولا نقف كلنا على نفس الأرض بسبب اختلاف لغاتنا ولهجاتنا.
وتقول النظرية، إن اللغة التي تتحدثها تحدد لغة تفكيرك، وإن نظرتك للعالم تختلف باختلاف لغتك.
يمكن تخيّل هذه النظرية إذا علمت أن هناك قبيلة لا تحتوي لغتها على لفظة تشير إلى اليمين أو اليسار، بل تستعيض عنها بأمام وخلف، فما ستقول عليه أنت أمام، سيقول عليه ساكن هذه القبيلة يمين، وتقول النظرية أيضاً إن لغتك إن لم تحتو على لفظة تُطلق على لون ما فإنك لن تراه.
يمكن ترجمة ذلك في الفيلم عندما نرى استخدام الفضائيين لفظ كلمة "سلاح"، بلغتهم المصورة، وهو الشيء الذي استفز رجال الأمن.
في حين أن بطلة الفيلم عالمة اللسانيات المهتمة بإقامة حوار أكثر من أي شيء، كانت تعتقد أو تحاول إيضاح ازدواجية المعاني: أنه ربما يشيرون بها لكلمة أداة، فأنت تستخدم السكين كسلاح وتستخدمه أيضاً لتقطيع الجُبن.
ألمح الفيلم لصيغة وأسلوب تعامل السلطات النظامية مع الأشياء الغريبة أو التي تبدو عدائية.
فهي تستخدم السلاح قبل الحوار، لأنها لا تعرف غير هذه اللغة، فمثلاً أرادت الصين إنهاء الحوار مع الكائنات الفضائية، وعزمت على تحطيم مركبتهم، فهم يمتلكون قناعة مسبقة، أن المركبة الفضائية تهاجمهم، لأن الإنسان فيما يبدو متشكك بطبيعته ومدمّر.
في حين ترى أستاذة اللسانيات أنه يوجد دليل على ذلك، لكن الفضائيين استطاعوا في النهاية جمع شمل الأرضيين، كما بيّن المشهد الأخير.
ولذلك هبطوا بالأساس على عدّة مواقع أرضية بغرض نفعي وغير عدائي، وهو ما يطرح تصوراً جديداً ومشوقاً.